سؤال طالما حيرني كثيرا ما الفرق بين ما قام به العرب المسلمون قديما وما قام به الأوربيون في العصر الحديث؟ ولماذا أطلقنا على التوسع الإسلامي (عصر الفتوحات) وسمينا آباءنا (بالفاتحين)؟؟ في حين أطلقنا على التوسع الأوربي في البلاد العربية (الغزو الأوربي) وسميناها (دول الاحتلال)؟؟ ولماذا رفضنا ما وصفوا به أنفسهم من أنهم مستعمرون لا محتلين في حين نصر على تسمية أنفسنا بالفاتحين ؟ ويا ترى لو أننا خلقنا أوربيين لا عرب ومسيحيين لا مسلمين هل ستتغير نظرتنا للأمور فيصبح الأوربيون والمسيحيون فاتحين ويصبح العرب المسلمون محتلين أم أن نظرتنا للأمر ستكون واحدة؟ ومتى نصف دولة بأنها دولة فتح أو دولة احتلال؟. - لعلي عاجز حاليا أن أجيب عن جميع هذه الأسئلة إلا أنني وبعد تفكير طويل وقراءة لا بأس بها وجدت إجابة علها ترفع عني بعض الحيرة، مفادها أن علينا عند الحكم على التوسع الإسلامي أن نفرق بين عهدين (العهد الراشدي) و (العهد الأموي) ، فإذا استطعنا أن نصف ما جر في العهد الأول بالفتح الإسلامي فإننا نجد صعوبة في وصف ما جرى في عهد الأمويين بالفتوحات الإسلامية. ما جرى في عهد الخلفاء الراشدين من معارك لعله لم يكن احتلالا حسب اعتقادي لعدة أسباب، أولها: أن الذي فتح باب الصراع مع العرب هم الفرس والروم كما تدل على ذلك الشواهد التاريخية ومنها على سبيل المثال معركتا مؤتة وتبوك التي كان المعتدي فيهما هم الرومان لا المسلمون كراهية منهم أن تقوم للعرب دولة يرون فيها تهديدا لمصالحهم ، ثانيا: أن الروم والفرس لم يكونوا أصلاء في بلاد الرافدين ومصر والشام بل كانوا دخلاء ومستعمرين فلم تكن الأرض أرضهم ولا البلاد بلادهم ، ثالثا: أن أبناء هذه البلاد كثير منهم كانت أصولهم جزيرة العرب وخاصة اليمن هاجروا منها قديما كما تحكي ذلك كتب التاريخ ولذلك كان العرب أقرب إليهم من غيرهم كما أن أهالي هذه البلاد أبدوا ترحيبا بالمسلمين وأعانوهم على تخليصهم من الاضطهاد الفارسي والروماني بل ودخل أكثرهم في الإسلام وصاروا من المدافعين عن أرضه وأهله ، رابعا: كان هناك سياسات عادلة اتخذها الخلفاء الراشدون مع هذه الشعوب، منها العدالة الاجتماعية من خلال التوزيع العادل للثروة ولعل قصة سواد العراق ورفض عمر تقسيمها من أكبر الشواهد على ذلك، إضافة إلى ترسيخ وتطبيق مبدأ المساواة والحرية وسيادة القانون كما جرى في قصة النصراني الذي اعتدى عليه ابن والي مصر عمرو بن العاص، ومنها أيضا إسقاط الجزية عن الضعفاء من غير المسلمين بل وفرض معاش لهم من بيت مال المسلمين، وغيرها وغيرها والأمثلة كثيرة، خامسا: حرص الخلفاء على إرسال العلماء والفقهاء من كبار الصحابة لنشر العلوم وهداية الناس. أما في عهد الأمويين فقد تغيرت كثير من الأمور، أولا : تحول الحكم من شوروي إلى توريث وكان لذلك انعكاسه السلبي على التوسع الإسلامي فالملك غالبا يتوسع لأنه يعلم أنه بذلك يزيد من مساحة ملكه ونفوذه ويملأ خزائنه، ثانيا: أحيا الأمويون النزعة القومية والتعصب القبلي والتفاخر بالأنساب والأحساب واحتقار الأعاجم، ثالثا: لم يحرص الأمويون على نشر الرسالة وهداية الناس بقدر حرصهم على توسيع ملكهم وجباية أموال الجزية بل وصل بهم الأمر إلى فرض الجزية حتى على الداخلين إلى الإسلام وهذا ما أنكره عليهم عمر بن عبد العزيز عندما قال لواليه الذي نفذ سياسة الأمويين في أخذ الجزية من غير العرب وإن أسلموا خشية أن ينفذ بيت المال قال له (إنمابعثتم هداة لا جباة) ، رابعا: تم استعباد الناس وسبي نسائهم كملك يمين ولذلك كثر في زمنهم الجواري والعبيد ووصلوا إلى الآلاف المؤلفة التي امتلأت بها قصور الأمويين كما تذكر ذلك كتب التاريخ ، خامسا: كانت توسعهم خير وسيلة لإيقاف سيل الثورات وإشغال الناس عن وزر التوريث واغتصاب الحكم الذي ارتكبه الأمويون وما نتج عنه من فساد وظلم وسفك للدماء واستباحة للحرمات واجتراء على المقدسات كما جرى في حادثة هدم الكعبة في صراع الأمويين مع عبد الله بن الزبير ، فهل يكون المفسد في أمته المعتدى على حقوقهم الهادم لمقدساتهم فاتحا؟؟!!. إلا أنني أعلم أن الحياة ليست لونين فقط إما بياض ناصع أو سواد قاتم ، فالعهد الأموي كما كانت له إخفاقات وسوءات كانت له إنجازات وحسنات ، كما أننا لا نستطيع أن نساوي بين التوسع الإسلامي في عهد الأمويين والتوسع الأوربي في العصر الحديث ، فهما وإن اقتربا في الوصف فقد ابتعدا في الفعل فالتوسع الإسلامي الأموي أساء وأحسن ، أما التوسع الأوربي فقد أساء كثيرا وقل ما أحسن.