يمثل هدف إنشاء الدولة المدنية الحديثة أحد أبرز المخرجات المنشودة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل والتي في ظلها تذوب العصبيات وتختفي الطائفية باعتبارها مرضا ناتجا عن قولبة مذهب ما وانحراف بحقيقة التنوع الطائفي في المجتمع كمصدر ثراء فكري وديني.. النقاش على مستوى المنتديات وانشغالات المثقفين بهذا الأمر تحاول الإجابة عن أسئلة من قبيل: ماهو أو ما هي ضرورات إنشاء الدولة المدنية، وكيف يمكن أن تكون الطائفة وعلاقاتها بخدمة مصالح الطوائف الأخرى في ظل دولة عادلة تحقق العدل والحرية والمساواة للجميع، فيما يلي آراء وأفكار حول هذه الموضوعات نوقشت في ضوء ما يعتمل في داخل الوطن على صعيد الحوار الوطني.. وجود الطائفية غير فاعل د. عبدالله دهمان نائب أمين عام حركة الحرية والبناء عضو هيئة علماء اليمن قال: قبل هذا اللقاء كنت أقدم محاضرة حول الطائفية في ظل الدولة المدنية وقلنا بأن البحث في هذا الموضوع يوصلنا إلى نتيجتين: الأولى: أن وجود الطائفية في ظل الدولة المدنية غير فاعل؛ لأن الدولة المدنية دولة مؤسسات. الثانية: أن حقوق الأقليات مكفولة وغير منتقصة.. وأضاف: د. دهمان: أن الطائفية في التاريخ الإسلامي لها أحكام وقواعد طبقت من خلال: 1 أحكام أهل الذمة وهم الذين يعيشون مع المسلمين من غير المسلمين والقاعدة تقول: لهم مالنا وعليهم ما علينا. 2 الفرق المخالفة: نتفق معهم على قاعدة قال بها الإمام علي بن طالب كرم الله وجهه “الإنسان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الإنسانية”. وبالنسبة للدولة المدنية والمفاهيم المرتبطة بها فإنها في الخلاصة: دولة المؤسسات وإدارياً لا خلاف حول المفهوم فالدولة المدنية تحتل روح الإسلام، ولهذا نوصي بتعزيز الحوار الوطني وأنه المنفذ ل اليمن، وتوعية الناس بأهمية الدولة المدنية، والابتعاد عن التعصب من قبل كافة الشرائح والفئات وعلى رأسهم أهل العلم. أيضاً لابد أن نؤمن بالتعايش والعدل مع من يخالفنا مع احتفاظنا بهويتنا الإسلامية.. نؤمن بالتعايش والعدل مع المخالف لأن الإسلام لا يدعو إلى الصراع حتى مع الأمم الأخرى غير المسلمة ولا يدعو إلى صراع الحضارات بل إلى تدافع الحضارة، والإمام علي بن طالب قدم خير مثال في التعامل مع المخالفين وهم الخوارج بشرط الالتزام بالضوابط الإسلامية. وقال د. دهمان: الطائفية والطوائف سببها وجود فوارق لكنها لا تعني أن الحرب محصلة لوجود الطوائف؛ لأن الحرب مدخلاتها سياسية بامتياز بين الطوائف. ولأن الحوار موجود يجب أن ندافع به عن حضارتنا ونحافظ على الإسلام ومقاصده ولو التزم الناس بالشريعة الإسلامية وحصل كل ذي حق على حقوقه فلماذا ستشمل الحروب الطائفية ..الدولة المدنية، دولة المؤسسات ستقضي على مدخلات الحروب الطائفية حينما يجد الناس حقوقهم وهذا ما نريده ويتجاوز الناس بشأنه. دولة المؤسسات من جانبه أكد د. محمد عبده خالد المخلافي “ جامعة إب” أن قيام الدولة المدنية الحديثة دولة المؤسسات ستضع حداً لمشاكل التطرف و العنف القائم كما يمكن أن تحد “الدولة” من نفوذ القبيلة على الدولة ..الدولة المدنية القائمة على المواطنة المتسامة في ظلها يتجذر مبدأ تكافؤ الفرص والقدرات بين المواطنين وتحقق العدالة والمساواة والحرية للجميع كما أن الدولة المدنية تلتزم بالحكم الرشيد ولا تتعارض مع الدين الإسلامي أو تعادي فئة أو مكونا من مكونات المجتمع ولا تعتمد على المذاهب وما يعتبر تعصباً في هذا المذهب أو ذك وإنما تأخذ بمقاصد الدين والشريعة السمحة وتقيم الحق والعدل وهذا قد يؤدي القضاء على التعصب المذهبي والطائفي وغير ذلك من أشكال التعصب الأعمى هذا ما يحتاج الناس إلى مناقشته والحوار فيه ودعم الحوار الوطني الشامل. الوحدة قوة من جانبه د. محمد الزمزمي قال: الأساس أننا مجتمع مسلم موحد والأمة العربية الإسلامية أمة واحدة والأصل في نهج المسلمين هو القرآن والسنة أما الانقسام إلى سنة وشيعة فقد ظهر في قرون متأخرة والمقارنة بين ما كان عليه المسلمون قديماً وحدثياً غير صحيحة والتوجه الغربي ومخلفات الاستعمار يريد للعرب والمسلمين أن يظلوا في أسر الخوف من بعضهم كإخافة السنة من إيران و الغرب يريد أن إيران في توجهها أوجدت على الأرض قوى شيعية منظمة كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وهكذا في دولة أخرى هذه جماعات تمثل أذرعة تستطيع بها إيران أن تؤثر في الوضع الداخلي لبعض الدول. تقارب وتفاهم وفي الإطار السياسي السياسي يرى د. الزمزمي أن لابد من تقارب وتفاهم بين الجماعات الطائفية والمذهبية ولا يحق أن ننكر على هذه الجماعة أو تلك الحركة ولا على أي أحد أن يكون مختلفاً ومميزاً عن وجوده ورؤاه في الساحة السياسية مادام هناك دستور يشكل مرجعية للجميع ويكفل حق تنظيم أنفسهم في ظل دولة النظام والقانون دولة المؤسسات دون فرض لرأي على آخر أو اعتماد طرف ما على القوة لغرض مشروع سياسي على الآخرين كما لا وصايا على أحد وفي الأخير يمارس الناس آراءهم السياسية ويحتكمون لصناديق الاقتراع لتحدد نتيجة التنافس على كسب ثقة الجمهور من خلال برامج لا شيء آخر ..الدولة المدنية كفيلة بتحقيق التعايش بين المختلفين والمتباينين في الرؤى السياسية والبرامج وقد قدم اللقاء المشترك كتجربة للالتفاف حول القواسم المشتركة نموذجاً طيباً في هذا البلد؛ لأنه جمع عدة أحزاب تناوبت قيادة هذا التحالف شخصيات من أكثر من حزب وهو تجسيد للشراكة والتعايش في ظل ثوابت يلتزم بها الجميع ولابد أن تحقق المساواة والعدالة والحرية في ظل دولة مدنية ينشدها اليمنيون تتنافس فيها عبر الانتخابات أحزاب برامجية ولا تظل معها جماعات أو حركات وأحزاب ذات نزعة أو توجه طائفي أو مناطقي أو مذهبي؛ لذا فالحوار الوطني الشامل هو طوق نجاة لليمن واليمنيين وستتجلى في مؤتمر الحوار حكمة اليمنيين وعلى أساسها سيخرج المؤتمر بنتائج طيبة. المخرج الوحيد لليمن من جانبه قال أ. عبدالملك الأكوع: يدرك اليمنيون ما تشهده بعض البلدان الشقيقة من أجواء وصراعات نحن في غنى عنها وقد لمسنا بعض آلامها ووصلنا إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل باعتباره المخرج الوحيد للبلاد من مشاكلها وعوامل الصراع والتشرذم وإن شاء الله سنصل بالحوار إلى نتائج طيبة وحلول وتوجهات لإنهاء أسباب التخلف والحرمان والمشكلات لاسيما مشكلات الناس في الجنوب وصعدة وتهامة وغيرها ويريد اليمنيون من مؤتمر الحوار أن تبنى أسس دولة مدنية تسير بالوطن نحو التطور والازدهار ومواكبة بلدان عديدة كانت أقرب إلى وضع اليمن. وقال أ. الأكوع: بالحوارات وإسهامات المثقفين وقادة الرأي من المهم أن يصل الناس إلى بناء تصورات واضحة وأفكار ناصحة وأن تسود العقلانية والوسطية في الطرح؛ لأن ذلك يخدم اليمن ومستقبلها والأهم أن يتشدد الناس لصالح الوطن لا من أجل مصالح ضيقة طائفية أو مناطقية أو خدمة لأهواء ومصالح خاصة وذاتية.. الحوار الوطني فرصة تاريخية ونقطة فاصلة ينبغي معها أن تطوى صفحة التعصب الأعمى لحزب أو مذهب أو طائفة أو منطقة أو تقديس لأشخاص لابد أن يكون هدفنا هو مصلحة البلد وبذلك نحقق أهدافنا الشخصية والفئوية والحزبية والوطنية ككل.. وعن مستوى التفاؤل في طيات ما يطرح في المنتديات ولقاءات النخب المثقفة قال الأكوع: أرى أن المناقشات تصب في إطار بناء مشروع حضاري يمني الجميع يبدو أنه متفاءل بأنه سيتحقق من خلال الحوار ونتائجه والأجواء المتوقعة لما بعده ما دام الصدق والمصداقية سمات مميزة والدولة المدنية هدف كبير لتحقيق المواطنة المتساوية، الجميع يريد الوصول إلى رؤى سليمة ودولة مدنية لا مكان فيها للذاتية على حساب الآخرين والمصالح الأنانية الضيقة على حساب المصلحة العامة نريد دولة النظام والقانون، دولة المؤسسات .. الجميع يؤدي فيها واجبه من أجل وطنه كي ينعم بخيراته كل فئات المجتمع دون أن تشعر أحدها بأنها مميزة وأخر بأنها مظلومة. التوظيف السياسي للطائفية الأخ فؤاد الوجيه يرى أن التوظيف السياسي للطائفية هو المشكلة عندما يغلب الولاء والانتماء للطائفية أو المذهب على الولاء والانتماء للوطن كقيمة كبرى.. إن الولاء لله والوطن يعني تجرد الناس من الانتماءات الأدنى وممارسة سلوك إيجابي في هذا الشأن كالانتماء للقبيلة أو المنطقة. وقال الوجيه: إن الطائفية في اليمن مصدر ثراء وتنوع لكن القولبة للزيدية لغرض سياسي هو ما يدور حوله النقاش وهذا يفرض السؤال: كيف يمكن التعايش بين الطوائف والمذاهب في ظل الدولة المدنية؟ إن ما حصل في صعدة هو ليس طائفية ببعدها السلبي بقدر ما هو إعادة قولبة لمذهب هذا من جهة ومن جهة ثانية هناك جماعة تمتلك السلاح لفرض وجودها وآرائها بالقوة ولها امتداد جماهيري لا بأس به ويقوم على تزييف وعي المجتمع ووجود قوى يمكن أن تتحالف مع هذه الجماعة منها قوى قبلية على سبيل المثال والانسجام مع النفس الانفصالي هو المهيمن وعليه يمكن أن تحمي الطائفة أي طائفة نفسها من خلال المتوقع والمأمول من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومنها بناء الدولة المدنية والمدخل إليها نبذ العنف والتطرف والسلاح .. ففي ظل قوة الدولة وقوة انتماء الأفراد والجماعات لها وفي ظل قوانين وتشريعات تحقق للجميع ما يستحقونه لضمان العيش الكريم تكون الطائفية من رواسب الماضي هذا هو المأمول وأما المفقود فهو الدولة القوية، الدولة المدنية التي تتلاشى في ظلها كل العصبيات.