عندما تطرح القضية الجنوبية في السياق الاستراتيجي لابد وان ترنو إلى تحرير الإنسان وتحقيق العدالة والمساواة في القطر اليمني في اطار تحرير الإنسان العربي باعتبار ان تحرير الفرد العربي من التسلط الفردي والعشائري والاستغلال الداخلي يعد منطلقاً لتحرير الفرد من الهيمنة والتبعية السياسية والاقتصادية للخارج. ان ذلك التحرير يقود إلى تحقيق آمال الجماهير العربية وطموحها في الوحدة العربية من خلال اقامة اتحاد فيدرالي للأقاليم العربية يلغي الحواجز المصطنعة وقيود حركة رأس المال والأفراد ويعمل على تكامل عناصر الانتاج ويحقق الاستقلال الاقتصادي والسياسي فتصبح دولة عربية قوية ذات سيادة وجيش عربي يحفظ أمنها الداخلي والخارجي, وتحقق التنمية المستقلة وتحرر الإرادة العربية من الهيمنة الخارجية، ومن موقع الوحدة والاقتدار يستطيع الشعب العربي ان يسترجع قضيته المسلوبة فلسطين من الكيان الاسرائيلي. إن التجزئة جعلت من الأمة كيانات مبعثرة صغيرة لا تقوى على الاستقلال والتحرر من الاستعمار الأمر الذي أوقعها تحت أنظمة دكتاتورية تحتمي بالأجنبي إساءة في استغلال الموارد وقيدت حرية الفرد في الانتاج وقتلت روح الإبداع فيه، وحالت دون تحقيق طموحه في الوحدة والحرية والعدالة. وجاءت ثورة الربيع العربي تعبيراً عن إرادة الجماهير العربية في النزوع نحو تحقيق آمالها, إلا ان الدول الاستعمارية تستغل اليوم عملية التحول والحريات في ظل الثورات العربية - والتخلف الموجود الذي هو من صنعها - لتحرك قوى مضادة للالتفاف على الثورات وعلى الحريات وعلى صيرورة عملية التحول الذي يشهده الشارع العربي في بلدان الربيع العربي نحو الاستقلال. وفي اليمن اتخذت من القضية الجنوبية - التي هي حقوقية بامتياز والتي هي ناجمة عن التجزئة وإفرازات نظام جمهوري قبلي عشائري في الشمال سابقاً ونظام (جناح البيض) القبلي الاشتراكي في الجنوب سابقاً - وسيلة لاحتواء الثورة اليمنية من خلال تدخل قوى إقليمية ودولية ليس من مصلحتها استقرار اليمن وصعود قيادة شبابية تمثل بحق إرادة الجماهير والتي تتطلع في نفس الوقت إلى توحيد الإرادة العربية والسيطرة على ثرواتها وتحرير فلسطين وقطع الطريق أمام المتاجرين بالقضية الفلسطينية واتخاذها وسيلة للتوسع والسيطرة على مقدرات الأمة كما هو الحال استخدام شعار المقاومة من قبل إيران وفي نفس الوقت التخلص من الكيان الاسرائيلي الذي يعد المقدمة الأولى للهيمنة والسيطرة الغربية على ثروات الأمة. إن لقاء دبي الذي جمع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بن عمر مع بعض القيادات الجنوبية قبيل إطلاق مؤتمر الحوار والتي لم تعد لتلك القيادات صلة في فكر الحزب الاشتراكي الوحدوي الذي يخوض اليوم عملية التحول لليمن المشرق بقيادة الدكتور ياسين سعيد نعمان, تلك القيادات التي أغلبها حكمت الشطر الجنوبي من اليمن بعد الاستقلال, فأفرغت أهداف ثورة 14 اكتوبر من مضامينها ورفعت شعار «لا صوت يعلو على صوت الحزب» فعطلت القدرات والموارد وامتهنت الفرد وظهرت حرب أهلية في عام 1986 تبين أن الحزب عبارة عن قبائل متصارعة اتخذت منه مجرد شعار، وتحت مظلته تم التقاسم ،والتسلط, تلك العقيدة الاشتراكية القبلية لجناح البيض دخلت في وحدة عام 1990مع نظام قبلي عشائري استبدادي ولم تمتلك رؤية استراتيجية لبناء الدولة اليمنية الموحدة الجديدة، واكتفت بالهروب عن السقوط بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتقاسمت المناصب والمواقع مع النظام الاستبدادي العشائري وقبلت بدستور يمتهن الحقوق والحرية وجهاز قضائي ورقابي يعيّنه علي صالح واللجنة العليا للانتخابات تعيّن بمرسوم من النظام السابق, وفي ظل ذلك النظام التقاسمي الصوري الهش الذي افتقر إلى دولة المؤسسات ترتب عليه الاختلاف والحرب الأهلية في عام 1994م، تلك العقليات التي تسلطت على المواطن في المحافظات الجنوبية وخذلته مع قيام الوحدة، اليوم تريد العودة - مستغلة الفترة الانتقالية للتحول - من البوابة الإيرانية لتهيمن على ثورة الشباب وتفرغها من محتواها الثوري التنموي التحرري العربي. إن ما هو مطلوب اليوم طرح القضية الجنوبية باعتبارها ناجمة عن النظام العصبوي القبلي العشائري ووضع الحلول العادلة لها وفي نفس الوقت وضع قواعد النظام الجديد بحيث يمنع إعادة انتاج الحكم القبلي الاستبدادي, نظام يرتكز على توفير مستلزمات تحقيق المشاركة الشعبية في صنع القرار لتلتقي مع آمال وطموح حركة الجماهير في الشارع العربي، وهو ما يتطلب رفض طروحات القيادات العتيقة التي حكمت في الشمال أو في الجنوب وتلطخت أياديها بالدماء والفساد وإفساح الطريق للطليعة الثورية الحديثة لتشق طريقها لتحقيق طموحها في بناء دولة يمنية موحدة على طريق الالتقاء مع الجماهير العربية في تحقيق اتحاد فيدرالي عربي يرمي إلى تحقيق التنمية المستقلة وقادر على مواجهة التحديات وحل قضية الأمة المركزية قضية فلسطين وتحقيق الاستقلال والعزة والكرامة العربية.