سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في ورقة بحثية قدمها الدكتور/محمد السعيد: دعم إيران للغزو الأميركي على العراق ومساندتها للقوى العميلة للاحتلال يأتي في سياق مضمون المشروع الإيراني الاقليمي الذي يزيد من المخاطر التي تواجه الأمة العربية.
تحت هذا العنوان قدم الدكتور الباحث /محمد السعيد إدريس ورقة هامة جداً تضمنت محورين رئيسيين الاول كان حول أبرز التحديات التي تواجه الأمة العربية في الوقت الراهن أما المحور الثاني فتضمن استراتيجية المواسجهة العربية. . الدكتور وضع من خلال ورقته البحثية التي قدمها في الدورة ال(19) للمؤتمر القومي العربي - الذي يعقد في صنعاء حالياً - وضع يده على الجرح العربي الذي ينزف وسيضل ينزف حتى يشاء الله أن تصحو الأمة العربية من سباتها العميق. . لن نطيل فالدكتور /محمد السعيد إدريس أطرى في ورقته هذا الموضوع الحساس ولأهمية ماطرحة تنشر "أخبار اليوم" نص هذه الورقة. تواجه الأمة العربية الآن واقعاً مأساوياً سياسياً واقتصادياً وأمنياً امتدت آثاره إلى تهديد الهوية القومية الحضارية على المستويين القومى والوطنى (القطري) من ناحية أخرى. تحديات بهذا المستوى وواقع عربي بهذا السوء يصعب مواجهتها دون استراتيجية عربية شاملة للمواجهة قادرة على استنهاض كافة مصادر القوة في الأمة وذخيرتها وخبراتها التاريخية مع مثل هذا النوع من التحديات والمخاطر. فبقدر خطورة ومستوى التحديات يجب أن تكون استراتيجية المواجهة شاملة هى الأخرى وعلى المستوى نفسه من الجدية والقوة. أولاً: أبرز التحديات التي تواجه الأمة العربية قراءة الواقع السياسي العربي الراهن تكشف عن تعرض الأمة العربية لثلاث موجات من التحديات الخطيرة شاركت فيها عوامل متعددة عالمية وامكيمية وعربية ظهرت الموجة الأولى منذ منتصف عقد الخمسينيات من القرن الماضي رداً على حركة التحرر العربية الوحدوية التي رفعت شعار الاستقلال الوطني والقومي والوحدة العربية، وسعت إلى بناء مشروع نهضوى تنموي يحقق الكفاية والعدل قادر على حماية الاستقلال وكفيل بتحمل أعباء ومسئوليات تحقيق الوحدة. كان هدف هذه الموجة هو استئصال المشروع القومي العربي من جذوره باعتباره خطراً على المصالح الأمريكية والمشروع الصهيوني. وكانت ذروة المواجهة ضد هذا المشروع في حرب الخامس من يونيو/ حزيران عام 1967 الذي امتدت تداعياته لتنال وبقوة من مكانة وثقل الدعوة القومية الوحدوية. وإذا كان انكسار المشروع القومي العربي قد أعقبه موجة جديدة من النهوض رداً على النكسة وتداعياتها عبر صحوة إسلامية سعت أحياناً إلى أن تكون بديلاً للمشروع القومي وسعت في أحيان أخرى إلى قبول التكامل مع الدعوة القومية، فإن هذه الموجة النهضوية الجديدة واجهت الانكسار مبكراً عندما تلقفتها الجماعات المتطرفة التي عجلت باستثارة كل القوى صاحبة المصلحة فى وأد هذا المشروع وتصفيته سواء كانت أنظمة الحكم أو القوى الخارجية. لكن الضربة القاضية التي واجهت مشروع الصحوة الإسلامية كانت تلك الموجة العدوانية الأمريكية الجديدة التي فجرتها أحداث الحادى عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 التي حملت لواء الحرب على الإرهاب،حيث اعتمدت الولاياتالمتحدة استراتيجية استئصالية ضد كل قوى الممانعة في الأمة الرافضة للانجرار في تلك الحرب والمشاركة فيها. هذه الموجة العدوانية الثانية أعقبتها موجة ثالثة أعتى حملها المشروع الإمبراطورى الأمريكي الساعي إلى فرض الهيمنة الأمريكية على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتربع الولاياتالمتحدة على عرش الزعامة العالمية، هذه الموجة الثالثة اتخذت من دعوة إعادة ترسيم الخرائط السياسية في الشرق الأوسط على أسس طائفية وعرقية مرتكزاً لها من أجل تفكيك بنية النظام القومي العربي وطمس هويته لصالح فرض نظام إقليمي آخر بديل طائفي وعرقي يجمعه فقط العامل الجغرافي بما يعطى للدولة اليهودية شرعية إقليمية وقدرة على فرض الهيمنة والسيطرة باعتبارها القوة الإقليمية العظمى ضمن هذا النظام الجديد. كما أن هذه الموجة الثالثة اتخذت من غزو العراق وتدمير مؤسساته السياسية واحتلاله وتمزيق وحدته مرتكزاً لعملية إعادة ترسيم الخرائط السياسية وفرض مشروع الدويلات العرقية (الكردية )،والطائفية( الشيعية) و (السنية) كبديل للدولة الوطنية العراقية، بما يعنى أن هذه الموجة بقدر ما تستهدف النظام القومي العربي وتسعى إلى تفكيكه تستهدف أيضاً الدولة الوطنية (القطرية) وتسعى إلى تفتيتها إلى دويلات ضعيفة عرقية وطائفية. هذا الواقع السياسي الجديد المفروض على الوطن العربي لا يجسد تهديداً فقط لأمل الوحدة العربية،لكنه بات يستهدف الدولة الوطنية العربية ذاتها بالدعوة إلى إعادة تقسيمها. وهكذا فإنه بدلاً من المسعى العربي لحركة التحرر العربية في الخمسينيات والستينيات، لإعادة توحيد ما سبق تقسيمه من أرض العرب أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، يجد العرب أنفسهم الآن أمام مخطط إعادة تقسيم ماسبق تقسيمه بعد إكمال مخطط تفكيك رابطة النظام الإقليمي الرسمي العربي بفرض سياسة استقطاب جديدة على قاعدة محورى "الاعتدال"و "الشر". هذا الواقع السياسي الجديد يشهد أيضاً تطابقاً بين إنتاج استقطاع طبقي اجتماعي - سياسي جديد على الصعيد العالمي تجسيداًَ لسياسة العولمة وانطلاق الرأسمالية العالمية المتوحشة لفرض سيطرتها متجاوزة كل الحدود التقليدية للدول ومعتمدة على سياسة التدخل القسرى في الشئون الداخلية، وبين إنتاج استقطاب طبقي اجتماعي - سياسي جديد داخل الدول العربية. ومثلما تم تقسيم العالم إلى مجتمعات (وليس دول) غنية مسيطرة ومجتمعات أخرى فقيرة مسيطر عليها، يجرى فرض استقطاب طبقي اجتماعي - سياسي داخل الدول العربية بين طبقات تحتكر السلطة والثروة وطبقات فقيرة محرومة ومعزولة ومهمشة ومسيطر عليها. الأهم من هذا هو ذلك التلاقي، الذي يصل إلى درجة التحالف، بين قوى الهيمنة الرأسمالية الخارجية التي يقودها النظام الإمبراطورى الأمريكي وحليفه الصهيوني، وبين القوى المسيطرة على السلطة والثروة داخل الدول العربية التي تمارس الاستبداد والفساد. هذا التحالف بين قوى الهيمنة العالمية التي يجسدها المشروع الإمبراطوري الامريكي الجديد وقوى الاستبداد والاحتكار السياسي والاقتصادي في الداخل العربي ليس وليد تطورات عالمية فقط ولكنه أيضاً وليد تطورات عربية، على مستوى كل دولة عربية وعلى مستوى النظام العربي ككل عندما تراجع ثم اختفي دور الثورة ابتداء من عقد السبعينيات وبالتحديد ابتداءً من نكسة يونيو/ حزيران 1967 ثم وفاة الزعيم جمال عبدالناصر وانتصار الثورة المضادة في مصر وسيطرتها على مقاليد الدولة والسلطة والانحراف بها في اتجاه القبول بالهيمنة الأمريكية أولاً ثم التطبيع مع الكيان الصهيوني ثانياً. ومع تراكم الثروات النفطية وما سمى ب"البترو دولار العربي"مع موجة ارتفاع أسعار النفط التي صاحبت حرب أكتوبر/ تشرين أول عام 1973،بدأت دول الثروة تسيطر على مقاليد النظام العربي وتنحرف به في اتجاه التحالف المصلحي مع الهيمنة الأميريكية والقبول بالحل السلمي للصراع العربي - الصهيوني ابتداءً من "مشروع فاس-1"(مشروع الأمير فهد) عام 1981، ثم مشروع "فاس -2" عام 1982. وجاء احتلال الكيان الصهيوني لبيروت في ذلك العام ليفضح عجز النظام العربي ويكشف مدى تورطه في مخطط التطبيع المبكر مع الكيان الصهيوني، لكن تورط دول عربية في دعم الغزو الأمريكي للعراق والتستر على الاحتلال وجرائمه أكد عمق التحالف بين قوى فاعلة في النظام العربي والمشروع الأمريكي. هذه التطورات والتحالفات كانت لها امتداداتها داخل الدول العربية مع سياسة الانفتاح الاقتصادى والقبول بدعوة أو سياسة "التكيف الهيكلي" التي أدت إلى تراجع الدولة عن القيام بدورها الاجتماعي والانقضاض على المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الشعبية الفقيرة من عمال وفلاحين وطبقة وسطى مما أدى إلى مزيد من سياسات الإفقار وازدياد عدد الأغنياء وتراكم ثرواتهم، كما ازداد عدد الفقراء وازداد فقرهم. وارتبط بهذا الواقع الاقتصادي - الاجتماعي العربي واقع سياسي لايقل سوءاً أصبحت فيه "الدولة التسلطية "هي المسيطرة على مقاليد السلطة والثروة وفرضت معادلة احتكار السلطة، وتجريف بنية العمل العربي عبر ممارسات مؤسسات سياسة فاسدة حالت في بعض الأحيان دون قيام تعددية سياسية حقيقية وأدت في أحيان أخرى إلى قيام تعددية سياسية مشوهة فرضت معادلة أو لعبة سياسية قائمة على قاعدة وجود حزب أو عائلة أو قبيلة حاكمة تسعى إلى أن تظل حاكمة وإلى الأبد ووجود أحزاب معارضة تعارض فقط وقبلت أن تظل معارضة وإلى الأبد. وقد سقط أغلبها تحت ضغوط الترهيب والغواية التي تمارسها السلطات الحاكمة والتي استطاعت من خلالها أن تنتزع هذه الأحزاب من قواعدها الشعبية وتجعلها مجرد أدوات مزيفة لتجميل الوجه القبيح للدولة التسلطية والمعادلة السياسية المشوهة لمجمل العمل السياسي، وشاهد زور على فرض شرعية مزيفة لهذه الدولة التسلطية الحاكمة في أغلب الدول العربية سواء كانت ملكية أو جمهورية، التي هي الوجه الحديث والمعاصر للدولة المستبدة، والتي تسعى إلى الاحتكار الفعال لمصادر القوة والسلطة في المجتمع لمصلحة الطبقة أو القبيلة أو العائلة الحاكمة،وهي خلافاً لكل أشكال الدولة المستبدة السابقة تحقق هذا الاحتكار عن طريق اختزال المجتمع المدني وتحويل مؤسساته إلى تنظيمات تضامنية تعمل كامتدادات لأجهزة الدولة، كما أنها خلافاً لكل أشكال الدول المستبدة الأخرى، تخترق النظام الاقتصادي وتسيطر على مقاليد الثروة إما بالمصادرة أو بالفساد، وتعتمد اعتماداً مفرطاً على الأجهزة الأمنية لدرجة توريط الجيوش في مهمة فرض الأمن الداخلي لحماية النظام الحاكم وفرض استمراريته بالترويج لمعادلة "الاستمرار والاستقرار"، أي أن استمرار هيمنة النظام الحاكم هو الضمان الأفضل للاستقرار الذي هو البديل المباشر للفوضى التي تحرص على أن تجعلها قرينة لدعوة التغيير لمصادرة هذه الدعوة واعتبارها ومن يقومون بها المصدر الأساسي لتهديد الاستقرار، أي تهديد الشرعية القائمة التي من خلالها تتمكن هذه القوى الحاكمة من ترسيخ سيطرتها على الحكم. لذلك لم يكن غريباًَ أن ينعكس هذا الاستقطاب الداخلي في الدولة العربية بين قوى حاكمة مستبدة مسيطرة على الثروة وبين قوى شعبية تعاني الحرمان الديمقراطي والاقتصادي مع استقطاب آخر إقليمي فرضه المشروع الأمريكي بين محور للاعتدال أفرزته جلياً تحالفات الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006 يضم دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن متحالف مع الولاياتالمتحدة (6+2+1)، ومحور آخر للشر يضم سوريا وإيران ومنظمات المقاومة العربية: حزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين. محور الاعتدال هذا هو المتحمس لما يسمى ب"مبادرة السلام العربية"والمتمسك بشعار "السلام هو الخيار الاستراتيجي للعرب" وغير المستعد للبحث في خيارات أخرى بديلة أو الإفصاح عن دعم المقاومة التي باتت توصف بالإرهاب، وهو الذي شكك في النصر الذي حققته المقاومة الإسلامية في لبنان صيف 2006 على إسرائيل المدعومة أمريكياً تحت ذريعة أن حزب الله حزب طائفي شيعي وأنه مدعوم من إيران، وهو ذاته المحور الذي مازال متورطا في جريمة فرض الحصار على قطاع غزة، وهو نفسه الذي التقى مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في الكويت وأبدى استجابة متسترة على دعوة إرسال سفراء عرب إلى بغداد لمواجهة ما تسميه واشنطن بالنفوذ الايراني في العراق وهو النفوذ ذاته الذي كان للأمريكيين الدور الأكبر في دعمه ضمن مهمة تدمير الدولة العراقية واليوم يطالبون الدول العربية بخوض الصراع ضد إيران في العراق حماية للمشروع الأمريكي ذاته. هذا الواقع العربي الأليم زاد من مخاطره تورط إقليمية في تحالفات تزيد من وطأته وبالذات تلك الأطراف التي لها مشروعات قومية واضحة لها امتداداتها على الأرض العربية وبالذات إيران وتركيا. إيران لها مشروعها الإقليمي وكذلك تركيا، وإيران لها تحالفاتها الإقليمية وكذلك أيضاً تركيا، ولكن للأسف هذه المشاريع تتقاطع بدرجات تبدو عنيفة أحياناً مع المصالح القومية العربية. فإذا كانت إيران تدعم حزب الله في لبنان وتدعم بعض فصائل المقاومة الفلسطينية خاصة حركتي حماس والجهاد الأسلامي في غيبة الدعم العربي، فإنها متورطة في ممارسات عدائية للمصالح العربية في العراق، فإيران دعمت الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق من أجل تحقيق مكاسب إقليمية في العراق،ساندت القوى العميلة للاحتلال وانحازت لما سمى ب"العملية السياسية" التي استهدفت تحويل الاحتلال الأمريكي إلى واقع، وأيدت الدستور العراقي الذي فرضه الاحتلال والذي غيب عروبة العراق وهيأ الظروف الكاملة لمشروع التقسيم تحت مسمى الفيدراليات، وهي تتفاوض مع الأمريكيين حول النفوذ في العراق، وتسعى باعتراف رئيسها محمود أحمدى نجاد إلى ملء ما أسماه ب" الفراغ السياسي" بعد انسحاب القوات الأجنبية. هذا التناقض الصارخ في مضمون المشروع الإقليمي لإيران بين محاربة الأمريكيين والإسرائيليين في الشرق العربي خاصة في لبنان وفلسطين وبين التحالف، حتى ولو كان غير مباشر مع الأمريكيين في العراق يزيد من المخاطر التي تواجه الأمة العربية وتطرح الكثير من التساؤلات حول أهداف المشروع الإيراني في الوطن العربي. يأتي المشروع التركي المتحالف مع الأمريكيين والإسرائيليين ويعبر عن نفسه أحياناً بتدخلات عسكرية في شمال العراق، كما يعبر في أحيان أخرى عن نفسه بمبادرات سلام تخدم المخطط الإسرائيلي ليزيد من ارتباك خريطة التحالفات العربية ويزيد من تعميق وكثافة المخاطر التي تهدد المصالح العربية على نحو المبادرة التركية الراهنة للوساطة بين سوريا وإسرائيل ضمن مقترحات مبهمة للسلام هدفها تفكيك التحالف السورى- الإيراني ومحاصرة حزب الله في لبنان والتهرب من الاستجابة لما اتفق عليه في أنابوليس خاصة مشروع الدولة الفلسطينية الذي اقترحة الرئيس الأمريكي جورج بوش. كل هذا يحدث في ظل غيبة كاملة لمشروع عربي قادر على مواجهة التحديات الدولية والإقليمية وفي ظل انفراط وعجز النظام العربي القائم الذي بات مخترفاً وبعنف ومستعداً في أحيان كثيرة لأن يتحالف مع الأعداء وأن ينخرط في مشروع الاستقطاب الإقليمي بين محورى الاعتدال والشر وأن يفرط ضمن هذا الاستعداد في ثوابت الأمة وأهدافها العليا في الاستقلال الوطني والقومي والوحدة والديمقراطية والعدالة. إن مسلسل التفريط في مصالح الأمة وأهدافها العليا من جانب النظام العربي الرسمي الراهن تتجلي الآن بشكل صارخ في العراق وفلسطين ولبنان والسودان والصومال، تفريط يتستر وراء مظاهر العجز على نحو ماتكشف أثناء أزمة المعابر في قطاع غزة التي كان فيها هذا النظام أكثر من متواطئ، وعلى نحو ما يتكشف يومياً في ظل الأزمة السياسية اللبنانية وكذلك يتجلى بشكل صارخ ف العراق حيث يتستر النظام العربي على جرائم الاحتلال كما يستتر على منظومة المعاهدات والتحالفات التي تسعى إدارة جورج بوش الأمريكية لتوقيعها مع النظام العميل في العراق وحكومته برئاسة نورى المالكى لفرض هيمنة أمريكية كاملة على العراق سياسياً واقتصادياً وعسكرياً بل وثقافياً. ثانياً: استر اتيجية المواجهة العربية كل تلك التحديات التي تواجه الأمة العربية وتهدد مصالحها القومية وأهدافها العليا يجب أن تواجه باستراتيجية عربية قادرة على تحمل أعباء تلك المواجهة ، وهذا لايمكن أن يتحقق دون الاتفاق على مشروع قومي للنهضة قادرعلى المقاومة والبناء معاً،بشرط أن يسعى وأن يحدد القوى الفاعلة صاحبة المصلحة في هذا المشروع والقادرة على تحمل مسئولياته كاملة. هذا المشروع القومي يجب أن تنهض به حركة تحرر عربية شعبية في تكوينها أي مرتكزة على القوى الشعبية صاحبة المصلحة في المشروع ومؤسساتها الجاهيرية المختلفة من نقابات ومؤسسات مجتمع مدني وحركات شعبية متنوعة مؤمنة بأهداف المشروع وقادرة على إنجازه. إن هذا المشروع يجب أن يكون قادراً على بناء "مجتمع الكفاية والعدل والحرية" وامتلاك القدرات العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية الكفيلة بصون وحماية الأمن القومي العربي وتحرير الأراضي العربية المغتصبة والمحتلة، فضلاً عن امتلاك القدرات الذاتية للتحديث والتطور والتجدد الحضاري التي تمكن الأمة من التخلص من كل قيود التخلف والتراجع وامتلاك قدرات النهوض والتقدم وتحقيق وحدتها المأمولة. إن المشروع النهضوي العربي القادر على مواجهة التحديات وبناء المستقبل هو مشوع صنع المستقبل العربي ذاته في مواجهة المعضلات والتحديات الست الأساسية الراهنة: الاحتلال والتجزئة والتخلف والاستغلال والاستبداد والتأخر والتراجع والجمود الحضاري، من خلال الأهداف والمهام النضالية القادرة على مواجهة هذه التحديات والمعضلات التي تتفاقم يوماً بعد يوم :هدف التحرر والاستقلال الوطني والقومي لمواجهة حالة الاحتلال والخضوع للهيمنة الأجنبية التي تتفاقم يوماً بعد يوم ،والحرية والديمقراطية لواجهة الاستبداد الداخلي الذي تجسده الدولة التسلطية المتحالفة مع قوى الهيمنة الخارجية،والعدل القانوني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي لمواجهة الظلم والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والاحتكار السياسي للسلطة،والتنمية المستدامةالقادرة على تحقيق مجتمع الكفاية لمواجهة التخلف والتبعية، والنضال المتجدد والمتواصل من أجل تحقيق الوحدة العربية يبقي هو الرد الحاسم ليس فقط لمواجهة التجزئة التي فرضت على الأمة في عقود طويلة مضت من الخارج ولكن أيضاً لمواجهة مشروع إعادة التقسيم الذي يسعي المشروع الإمبراطوري الأمريكي الصهيوني إلى فرضه على الوطن العربي بالتعاون مع أطراف داخلية منحرفة الولاء الوطني والقومي ارتضت أن تكون بؤراًَ للعمالة الأجنبية ومرتكزات للتبعية والهيمنة. أما التجدد الحضاري والتحديث المتواصل وتحرير الفكر العربي من انغلاقة وجموده وانفتاحه الحر على كل مصادر التنوير والثقافة الحرة فهو الكفيل بمواجهة كل قيود التعثر والتأخر التاريخي وحماية الهوية القومية العربية من كل محاولات الانحراف بها ألى مزالق هويات طائفية أو عرقية أو نزعات شعوبية بغيضة تهدف إلى فرض خطط إعادة التقسيم الراهنة. إن تحقيق هذه الأهداف لايمكن أن يحدث دفعة واحدة أو بشكل متزامن، لأن ذلك يفوق كل قدرات الأمة والايتناسب مع ضخامة التحديات التي تواجهها، ولكن الأمر يستلزم أولاً وضع استراتيجية واضحة لتحقيق الأهداف ترتكز أولاً على تحديد ما يمكن تسميته ب "هدف الاختراق" أي الهدف النموذجي الذي يمكن من خلاله الانطلاق لبدء مشروع النهضة والقادر على جذب الأمة وتمكينها من تحقيق باقي الأهداف عبر سلسلة من المهام النضالية المتداخلة فيما بينها. ويستلزم ثانياً السعى لامتلاك القدرات والآليات والأدوات اللازمة للبدء في تحقيق وإنجاز المشروع النهضوي بأهدافه الستة. إن هدف بناء مجتمع العدل والحرية والكفاية هو "هدف الاختراق" الذي من خلاله يمكن تحقيق باقي الأهداف العربية عن طريق السعى لمواجهة الاستبداد والهيمنة والتخلف الذي يجب تكثيف النضال من اجله دون تجاهل للأهداف الأخرى خاصة هدف المقاومة والرد على كل سياسات التفريط والمهادنة. فمجتمع العدل الذي يجب أن يكون هدف التغيير المطلوب هو مجتمع العدل القانوني ومجتمع العدل الاقتصادي والاجتماعي ومجتمع العدل السياسي. والعدل القانوني هو حكم القانون في دولة مدنية قائمة على قاعدتين: السيادة للقانون وحده وليس لغيره من الاعتبارات، والمساواة بين المواطنين دون تمييز لأى سبب من الأسباب، أي المساواة القائمة على قاعدة المواطنة. أما العدل الاقتصادي والاجتماعي فهو مجتمع العدالة التوزيعية أي عدالة توزيع الثروة الوطنية بين المواطنين بما يحقق تكافؤ الفرص ويذيب الفوارق بين الطبقات، ويؤمن الحقوق في العمل والتعليم والسكن والعلاج وسحول دون حدوث الاستقطاب الطبي بين أقلية تملك وأغلبية محرومة لاتملك. أما العدل السياسي فهو الذي يحقق العدالة في توزيع القوة السياسية بين المواطنين، أي العدالة في النصيب المتكافئ من السلطة والحيلولة دون احتكارها لأي سبب من الأسباب لحزب أو قبيلة أو عائلة أو فرد أو طبقة. فالقوة السياسية، أي السلطة، هي تلك وطني عام يجب عدم احتكاره وذلك من خلال تفعيل مبدأ "تداول السلطة " ومن خلال عمليات ديمقراطية متعددة تؤمن الحق الكامل غير المشروط في المشاركة السياسية، والانتخاب الحر وتمكين المواطنين من الاختيار الحر النزية لحكامهم ، وتمكينهم من مجمل حقوقهم السياسية في التعبير الحر والتنظيم والتظاهر وغيرها من الحقوق السياسية. أما مجتمع الحرية الذي يجب أن يكون الهدف الثاني لعملية التغيير المطلوبة فيعني تأمين ثلاثة حريات: حريات الأفراد وحرية المجتمع وحرية الوطن، ويكون تأمين حريات الأفراد بكفالة الحريات المدنية والإنسانية وفي مقدمتها حرية الاختيار وحرية الفكر وحرية العقيدة واحترام عقائد الآخرين، وحرية تبادل المعلومات، وحرية التنظيم، وحرية التعبير، والقضاء على كل أشكال القهر والاستبداد والتسلط السياسي أو الاقتصادي والاجتماعي،وإنهاء كل وجود للدولة التسلطية. ويكون تأمين حرية المجتمع من خلال صيانة الحرية الكاملة للجماعات والثقافات الفرعية الوطنية وتأمين قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات دون تمييز بين كافة المجتمع. فالمواطنة هي التعبير القانوني عن الوجود اليساسي للوطن والمواطن معاً،وهي المدخل الأساسي للنهوض الوطني وهي جحر الزاوية لتطوير الوطن ابتداءً من نظامه السياسي والاجتماعي والاقتصادي وامتداداً إلى النهوض الثقافي والارتقاء الحضاري. لأن افتقاد المواطنة هو الوجه الآخر لافتقاد الوطن بمدلولاته المعنوية والرمزية وليس فقط المادية. هذا يعني أن المواطنة تتجلى في أرقى صورها بارتقاء الاستقلال الوطني وثبات العزة والكرامة الوطنية من ناحية ، كما تتجلى بتثبيت الحقوق السياسية للمواطن،ناهيك عن حقوقة الإنسانية وتمتعة بالمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات دون تمييز، ووجود درجة عالية من الحريات الديمقراطية وانتفاء الحكم الاستبدادي السلطوي حيث تتوافق حرية الوطن مع حرية المواطن، فالمواطن الحقيقية لاتتعالى على حقوق التركيبة الثقافية والاجتماعية والسياسية، ولا تمارس تزييفاً للواقع السياسي والاجتماعي ، وإنما تتعامل مع هذا الواقع من منطلقة حقائقه الثابته وتعمل على فتح المجال للحرية والانفتاح والتعددية في الفضاء الوطني. فالأمن والاستقرار والتحديث،كل ذلك مرهون إلى حد بعيد بوجود مواطنة متساوية مصانة بنظام وقانون تحول دون التعدى على مقتضيات المواطنة الواحدة المتساوية ومتطلباتها. أما حرية الوطن وهي الركن الثالث والأهم في بناء مجتمع الحرية فهي تستلزم تأمين استقلاله وسيادته الوطنية وإكسابه القوة والمنعة والاستعصاء ضد كل محاولات فرض الهيمنة والتبعية والتقسيم الجديد للخراط السياسية،وتأمين حرية القرار الوطني من أية ضغوط أو شروط أو إملاءات خارجية،ورفض أية سياسات تنتقص من استقلالية وسيادة القرار الوطني التي هي التعبير المباشر عن حرية وسيادة الوطن ومصالحة الاستراتيجية. إن بناء مجتمع العدل والحرية يستلزم أن يتزامن معه تحقيق الهدف الثالث وهو النضال من أجل بناء مجتمع الكفاية الإنتاجية عبر مشروع تنموى مستقل ومتواصل وقادر ليس فقط على مواجهة قيود التخلف ولكن تمكين الأمة أيضاً من امتلاك قدرات التقدم. فتوسيع قاعدة الثروة الوطنية عبر مثل هذا المشروع التنموي المتكامل المرتكز على العلم والتكنولوجيا لن يوفر فقط الشرط الموضوعى اللازم لتحقيق العدل الاقتصادي والاجتماعي المطلوب، حيث أنه لاعدل بدون كفاية ، وإلا سيكون العدل مشوهاً ومقزماً في "العدل في الفقر" دون العدل المقترن بالرخاء، ولكنة سيفرض أيضاً الانخراط في العمل من أجل تحقيق الوحدة العربية أو سيقود حتما إلى فرضها كضرورة لابد منها لتحقيق مجتمع الكفاية إذ أنه لا أمل في تنمية حقيقية في ظل ندرة الموارد وعدم تكاملها في كل قطر عربي. إن السوق العربية الواحدة هي التي تملك شرط تكامل الموارد وتنوعها وهي التي توفر القدرة الحقيقية على بناء مشروع تنمية قادر على تحقيق مجتمع الكفاية الذي هو الشرط الموضوعي لتحقيق مجتمع العدل وعلى الأخص في جوانبه الاقتصاية والاجتماعية، والتخلص من عثرات"الدولة الفاشلة"التي باتت سمة مميزة للدولة الوطنية العربية الراهنة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فهي لم تفشل فقط في بناء مجتمع الكفاية والعدل والحرية بل إنها عجزت،نتيجة لذلك،في الدفاع عن الأمن والسيادة الوطنية والقومية والحفاظ على عزة وكرامة الأمة التي يجري انتهاكها من جانب أطراف وقوى دولية وإقليمية تمتلك مشروعاتها للسيطرة والهيمنة في ظل غياب المشروع القومي العربي. إن تحقيق هذا الهدف المركزى الاختراقي لايمكن أن يتحقق في ظل الظروف والتحديات العربية الراهنة التي سبق التأكيد عليها دون شروط أربعة أولها هو قيام حركة شعبية حرة قادرة على تنظيم الجاهير هدفها امتلاك ناصية المشروع النهضوي الحضاري والاندفاع به نحو المستقبل، وقادرة قبل هذا على تجاوز كل قيود الأطر التنظيمية والأيديولوجية المنغلقة التي حالت طيلة عقود طويلة مضت دون تحقيق جبهات نضالية عربية حقيقية. إن تأسيس حركة تحرر عربية جدبدة تجسد هذه الحركة الشعبية هو الشرط الأساسي الذي يحقق هدف بناء تحالف شعبي عربي عريض يضم كافة التيارات الفاعلة في المجتمعات العربية والقادرة على التوحد على هذا المشروع النهضوى الحضاري وتحمل مسئولية السعى إلى تحقيقه. أما الشرط الثاني فهو أن تمتلك هذه الحركة مشروعاً للمقاومة، وأن يكون شعار المقاومة العربية هو أداة النضال الحقيقة لتحرير الأرض المغتصبة والمحتلة، وتحرير الإرادة العربية السليبة، وبناء ثقافة مقاومة قادرة على القضاء على ثقافة الاستسلام والخضوع وهرولة نظم حكم ونخب عربية ورجال أعمال نحو الالتحاق بركب التبعية والتطبيع. أما الشرط الثالث فهو تكوين شبكة متكاملة من أدوات التعامل الجماهيرية تضم القطاع الأوسع من منظمات وجمعيات المجتمع المدني من نقابات وجمعيات حقوقية وقانونية غير حكومية وأدوات إعلام من صحافة وتليفزيون وأدوات ثقافة من سينما ومسرح وغيرها، إضافة إلى توظيف كل أدوات الاتصال الإلكترونية وقبل هذا وذاك الارتكاز على قطاع واسع من المفكرين والمثقفين والطلائع الشبابية القادرة على التبشير بالمشروع النهضوى وتحمل مسئولية تأسيس حركة التحرر العربية و الاندفاع بها نحو تحقيق الأهداف المطلوب إنجازها وفق برنامج عمل استراتيجي وآخر مرحلى يأخذ في اعتباره الأهداف الاستراتيجية والمرحلية التي يجب إنجازها وفق خطة محددة وعلى مدى زمنى واضح ومحدد. تحقيق هذا كله يفرض تأسيس وتفعيل حركة نهوض عربية جديدة وحقيقية قادرة على الوعي بأن مهمة تحقيق أهداف مشروعها النهضوي الحضاري مقترنة بمهمة تحرير العقل العربي وإعادة الاعتبار إليه مقابل كل العناصر والقوى التي صادرته وفي طليعتها الحكم الاستبدادى ونظم الحكم التسلطية وأجهزتها القمعية الأمنية منها والإعلامية التي صادرت العقل عندما صادرت الحريات، إضافة إلى الانقسام المذهبي والطائفي والعرقي الذي صادر المواطنة وأفسد التعددية الاجتماعية والسياسية الطبقية التي هي من خصائص المجتمعات العربية. هذا يعني أن أول مهمات حركة التحرر العربية هو تفكيك بنية الاستبداد في العقل وفي الحكم وفي الاجتماع السياسي العربي. أما الشرط الرابع فهو تأسيس تحالف استراتيجي بين حركة التحرر العربية الشعبية المأمولة مع الحركة الشعبية العالمية المناهضة للمشروع الإمبراطورى الأمريكي ومرتكزاته القوية في النظام العالمي الراهن: العولمة والرأسمالية المتوحشة ومؤسساتها الاقتصادية والمالية لقد شهد العالم طيلة السنوات الماضية إرهاصات لتأسيس مثل هذه الحركة التحررية العالمية الشعبية الديمقراطية ممثلة في ظهور العديد من منظمات حقوق الإنسان والحركات الشعبية المناهضة للعولمة. إن ما حدث في يوم 12 فبراير/ شباط2003 حيث تظاهر واحتشد أكثر من ثلاثة ملايين مواطن في جميع أرجاء العالم تضامناً مع قضايا العرب في فلسطين والعراق، ورفضاً للعولمة الأمريكية والاستعمار الجديد والمشروع الإمبراطوري الأمريكي يؤكد أن هناك فرصاً مواتية لتشكيل مثل هذه الحركة التحررية العالمية لتكون ظهيراً داعماً لحقوق وسيادة الأمم والشعوب والتصدي لكل نوازع الهيمنة والسيطرة الأمبراطورية الأمريكية. خصوصاً مع تنامي دور اليسار اللاتيني الجديد وبروز زعامات مؤمنة بهدف إعادة تأسيس حركة تحرر عالمية جديدة أمثال الزعيم الفنزويلي هوجو شافيز. إن قيام مثل هذه الحركة الشعبية العالمية سيكون بمثابة البديل الموضوعي لحركة عدم الانحياز أو الظهير الشعبي المساند لهده الحركة، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تفجر حركات تحرر شعبية في كافة أنحاء العالم الثالث وفي مقدمتها الوطن العربي كي تستطيع هذه الحركات الشعبية تأسيس حركة تحرير شعبية عالمية في مؤتمر عالمي على غرار مؤتمر بلجراد عام 1961 وقبله مؤتمر باندونج عام1995. مثل هذا المؤتمر في حالة قيامة سيحدث تحولاً مهماً في بنية النظام العالمي وسيكون قادراً على ضبط أدائة وآلياته والحد من هيمنه مؤسسات الرأسمالية العالمية المتوحشة وعلى الأخص المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والشركات العالمية متعددة الجنسيات، وسيكون هذا التحول في صالح دعم حريات الشعوب وحقها في نظام عالمي أكثر عدلاً وأكثر انضباطًا وأكثر توازناً في تفاعلاته بما يحول دون نجاح المشروع الإمبراطوري الأمريكي - الصهيوني ويدعم حقوق الشعوب والأمم في الحرية والعدل والتقدم والنهوض.