لا يوجد فرق كبير بين الإحصائيات التي أطلقتها وزارة الصحة منتصف الشهر الجاري عن سوء التغذية لدى الأطفال وبين ما كانت قد كشفته المنظمات الإنسانية منذ قرابة عام. الفرق الوحيد بحسب خبراء معنيين بالقضية هو أنه كان هناك أمام اليمن فرصة لتقليص عدد الأطفال الذين كان يمكن أن ينشأوا مصابين بالأمراض الناجمة عن سوء التغذية بقية حياتهم، والتي تحرمهم من أن يصبحوا أعضاء يتمتعون بكامل الأهلية، وتحرم المجتمع الاستفادة المثلى منهم، حيث تربط المؤسسات التنموية بين أمراض سوء التغذية وتأثيرها على مستوى التنمية الاقتصادية، وتشير منظمة اليونسيف إلى أن الأطفال الذين لا يحصلون على العناية الغذائية السليمة في السنوات الخمس الأولى من حياتهم معرّضون للإصابة بالإعاقات الذهنية والأمراض المزمنة والهزال الدائم وانخفاض متوسط الأعمار، إلى جانب قصر القامة. ورغم أن وزارة الصحة قامت بافتتاح (881) مركزاً متخصّصاً لمعالجة حالات سوء التغذية الحاد والوخيم و(18) وحدة لمعالجة سوء التغذية على مستوى المستشفيات في المحافظات، إضافة إلى (305) مركز تغذية علاجياً لحالات سوء التغذية المتوسط؛ إلا أن هناك من يرى أن ذلك لم يغير شيئاً على أرض الواقع؛ مستدلاً بعدم تغير الإحصاءات التي أعلنت مؤخراً عن إحصائيات العام الماضي حول سوء التغذية في البلاد. ويعتقد البعض أن الحكومة تكتشف بشكل متأخر تداعيات كارثة سوء التغذية على الدولة، فبعد أن كانت المسؤولة الإقليمية لمنظمة اليونسيف قد دعت الحكومة عقب اجتماع أصدقاء اليمن بالرياض في مايو العام الماضي إلى جعل مشكلة سوء التغذية في صلب الاهتمامات نظراً لأن وضع سوء التغذية تجاوز حدود مؤشرات الخطر المعمول بها عالمياً وتتطلّب معالجات فورية لا تحتمل التأجيل؛ عادت وزارة الصحة منتصف ابريل الحالي لتعلن عن وجود ما يقارب (967) ألف طفل يعانون سوء التغذية الحاد، منهم (276) ألفاً معرّضون لخطر الوفاة، وأكثر من مليوني طفل يعانون سوء التغذية المزمن، وهو الأمر الذي ينذر بوضع كارثي إذا لم يتم تداركه بتدخُّلات صحية وتغذوية وقطاعية فورية قصيرة وطويلة الأجل. ولفتت الوزارة إلى أن هذه المشكلة تجاوزت وفقاً لآخر إحصائيات الوزارة خلال العامين الماضيين عتبة ومعايير الطوارئ الدولية، بينما كانت منظمة اليونسيف قد أكدت في تقريرها المرحلي عن سوء التغذية في ال(15) من هذا الشهر أن هناك «ما يقارب ال (60 %) من أطفال اليمن دون سن خمس سنوات يعانون سوء التغذية المزمن، والذي ينتج عنه التقزُّم في النمو وتأخر التطوّر العقلي». ويعلق الدكتور أحمد حزام، أخصائي طب الأطفال على الإحصائيات التي أطلقتها وزارة الصحة قائلاً: «إنها لا تختلف عما كانت أظهرته المنظمات الدولية عن سوء التغذية لدى أطفال اليمن»، ويضيف حزام أنه لم يكن هناك من يرغب في معالجة المعضلة من أجل الإبقاء عليها وسيلة للتسول، تاركاً الأطفال يواجهون مصيرهم بالموت والأمراض الناتجة عن سوء التغذية، وهي فترة استمرت اليمن باحتلال الترتيب الثالث بين دول العام من حيث سوء التغذية لدى الأطفال. في ال «19» من إبريل الجاري أكد مجلس الوزراء على تبني استراتيجية وطنية شاملة للتغذية تشترك فيها كل القطاعات ذات العلاقة، ووضع التغذية أولوية متقدمة في سلم أولويات الحكومة. في حين تضمن التقرير المرحلي لليونيسيف إشادة بالخطوات التي اتخذتها اليمن في سبيل معالجة أعلى معدلات سوء التغذية في العالم، في حين أعرب بعض المختصين عن أملهم في أن تثمر المعالجات المتخذة عن تقليص المعدلات المرتفعة لسوء التغذية في اليمن، فلا يوجد دولة في العالم ترغب في أن يصبح (60 %) معاقاً جراء انعدام الغذاء السليم.