رغم أن هذا المصطلح ليس حديثاً إذا ما تحدثنا عن عالم، يخطو بإيقاع خطوات متسارعة نحو المستقبل، فقد مضت عقود على معرفته ودراسته، وفي بلدنا الجميل لو فكرت من باب المعرفة العلمية ، في إطلاق ساقيك إلى أقرب مسئول بيئي، وبدأت مناقشته عن البصمة البيئية سيبدو محتاراً، وربما أظهر تلعثماً وجهلاً مفرطاً، وبدأ يحدثك عن الإنسان المفتي الذي ينطلق من قاعدة لا أعرف، وربما حاول التفلسف عن أمور بيئية، ليست في العير ولا في النفير، ولا تمت لهذا المصطلح بأية صلة، مع أن الحكومات المتقدمة والواعية ربطت هذا المفهوم بمفاهيم اقتصادية، واعتبرته أحد أهم المفاهيم العلمية، التي يعول عليها تقدير عنصر البقاء الطبيعي والمجتمعي في كوكب يمضي نحو المجهول.. حتى أنه يجدر بي القول هنا - من باب لفت الأنظار والاهتمام - بأن طلاب البيئة كذلك، ربما لا يعرفون شيئاً عن البصمة البيئية، إذ لا يوجد في المقررات ما يشير لهذا المصطلح، والأدهى أن الدكاترة أنفسهم لم يكلفوا أنفسهم قط عناء تناول أوالتركيز على هذا الموضوع البيئي، الذي يعد شرياناً وعصباً حقيقياً للتنمية المستدامة المنطلقة من قاعدة العمل البيئي. في تقديري لا يعد هذا ذنباً علمياً ومعرفياً، فنحن لا نزال في بداية الطريق، إلا أن الاستمرار في تجاهله يعد جرماً وطنياً خاصة وأن البصمة البيئية قد باتت ترسم بشكل منهجي وعلمي ومعرفي مسار أي وطن وتحدد قابليته للنهوض والتطور أو العكس، والسؤال هنا كيف لمصطلح بيئي أن يكون عاملاً محدداً لهذا الخيار المجحف، الذي يتناول ما يشبه تقرير مصير الأوطان. في الدراسات الأيكولوجية والاقتصادية العلمية تم تناول هذا المفهوم على أنه مؤشر حقيقي لقياس تأثير المجتمعات على بيئاتها ونظمها الطبيعية، والتأثير هنا يعني إجمالي ما يستهلكه السكان في بيئة معينة من الموارد وصولاً إلى معرفة الضرر الذي قد ينجم جراء هذا الاستخدام أو الاستهلاك لهذه الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى معرفه ما إذا كانت هذه النظم الطبيعية قادرة على تجاوز هذا الضرر بشكل طبيعي، واستيعاب للنفايات الناتجة عن مجمل الأنشطة البشرية. مصطلح البصمة البيئية الآن لا ينظر إليه بكونه مقياساً مصغراً لمعرفة حجم الاستهلاك البشري للموارد الطبيعية، ضمن إطار حقل بيئي معين، ومقدرة أنظمتها على تعويض هذا الاستهلاك كمعادل طبيعي اسمه التوازن البيئي، ولكنه متطور إلى الدرجة التي صار فيه علماء البيئة والاقتصاد يعولون عليه لتحديد ما إذا كان هذا الكوكب سيبقى قادراً على هذا الحمل البشري المتزايد والعابث أم أنه سيستسلم لمشيئة الإنسان العابثة. لنقترب أكثر من الموضوع، نقول لقد تطور هذا المفهوم وأصبح ذا قيمة عالية عندما اعتبر العلماء أن إجمالي ما يستهلكه سكان دولة معينة من الموارد، سواء كانت هذه الموارد ذات إنتاجية ذاتية ومحلية أو مستوردة وما ينشئ عنها من أضرار على هذه الموارد، هو ما يسمى بالبصمة البيئية لهذه الدولة، وتحاليل البصمة البيئية رياضياً قد برهن على نمط استهلاكي كبير للإنسان لكل ما هو متاح في الطبيعة حتى باتت الطبيعة عاجزة على تعويض ما يستهلك منها، وهذا يعني زيادة في البصمة البيئية وزيادة البصمة البيئية يعني أننا نقترب من مؤشرات ايكولوجية ومجتمعية خطيرة على أية حال، في أمريكا – مثلاً- أثبتت الدراسات أن البصمة البيئية تستحوذ على أكثر من 20 % من مساحة الكوكب بسبب اعتمادها الكامل على الواردات، بالإضافة إلى قدرة بيئاتها الطبيعية على امتصاص النفايات وتعويض المفقود من الموارد الطبيعية، وهنا يشير العلماء إلى أن توفير موارد طبيعية لسكان العالم كالتي يتمتع بها المواطن الأمريكي قد يحتاج ذلك إلى ثلاث كرات أرضية للعيش فيها مجتمعة.