ماذا قال القادة العرب في البيان الختامي للقمة العربية في البحرين بشأن اليمن والوحدة اليمنية؟    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    انطلاق دوري "بارنز" السعودي للبادل للمرة الأولى عالمياً    جماعة الحوثي تتوعد ب"خيارات حاسمة وجريئة".. ماذا سيحدث؟    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    تاليسكا سيغيب عن نهائي كأس خادم الحرمين    كريستيانو رونالدو يتصدر قائمة فوربس للرياضيين الأعلى أجرا    الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً ويشنّون حملات اختطاف في احدى قرى حجه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    موقف بطولي.. مواطنون يواجهون قياديًا حوثيًا ومسلحيه خلال محاولته نهب أرضية أحدهم.. ومشرف المليشيات يلوذ بالفرار    إصابة مواطن ونجله جراء انفجار مقذوف من مخلفات المليشيات شمال لحج    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    من يقتل شعب الجنوب اليوم لن يسلمه خارطة طريق غدآ    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمين الصلاحي: جعلُ الحرية قيمةً عليا لا يعبر عن الرؤية الإسلامية
نقاشات فكرية
نشر في الجمهورية يوم 28 - 06 - 2013

كيف تنظر إلى تفسير القرآن بالحديث النبوي؟ وهل فسر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كله؟
تفسير القرآن بالحديث النبوي وبالمأثور عموماً هو أحد مناهج التفسير، وهو منهج شيخ المفسرين الطبري في تفسيره، وقد تبناه عدد من المفسرين كالسيوطي وابن كثير والبغوي وغيرهم، وقد أخذ على هذا النوع من التفسير التساهل في إيراد الأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات، وإغفال سياق الآيات القرآنية ومقتضيات الدلالة البيانية اعتماداً على المرويات التي قد لا تخلو من مقال في سندها أو في متنها.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفسر القرآن كله، لأن القرآن له عطاءاته المتجددة على الدوام، ولو فسر النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كله فهو كان سيأخذ منه عطاءً يتناسب مع مدارك المخاطبين في عصره، وكان سيأتي بعد ذلك من يقول لنا: لا يجوز أن نفسر القرآن بغير ما فسره النبي! وكان هذا النوع من الفهم سيشكل عائقاً يحول بين الأجيال القادمة وبين عطاءات القرآن المتجددة؛ ذلك أن القرآن يعطي لكل جيلٍ عطاءً يتناسب مع احتياجاته ومداركه، ومع ما وصلت إليه علومه ومعارفه، ومن أجل ذلك نعتقد والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أحجم عن تفسير القرآن، وإن كان هذا لا ينفي أن النبي قد فسر بعض آيات القرآن القليلة بهدف توضيح المراد منها لا سيما عندما يساء فهم تلك الآيات من قبل بعض المسلمين في عصره.
بماذا يفسر قول الله تعالى: (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً))؟
هذه الآية جاءت في سياق الخطاب الموجه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك فهي تتناول أزواج النبي قطعاً، قال تعالى: ((يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ... إلى قوله:))وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا* وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)) [الأحزاب 30 34]. فالخطاب في الآيات كله موجهة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن إخراج أزواج النبي من آية التطهير إلا برفض سياق الآيات وما يقتضيه من دلالة بينة ظاهرة.
والرجس هو الدنس والقذر، ويراد به الشرك والإثم عموماً. والله قد أخبر في كتابه أنه يريد للمؤمنين عموماً أن يتطهروا من الأرجاس والأدناس فقال تعالى: ((ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون)) [ المائدة: 6]. وقال سبحانه: ((خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)) [ التوبة: 103]. فالله يريد الطهارة لكل المؤمنين لا لأهل بيت النبي خاصة، وقد أخبر سبحانه أنه: ((يحب التوابين ويحب المتطهرين)) [ البقرة: 222]. فنحن إذن أمام رب العالمين الذي يريد الخير والصلاح والطهارة لعباده جميعاً، ولسنا أمام رب بيت إسرائيل كما في الميثولوجيا الإسرائيلية، أو أمام رب أهل البيت كما توحي بذلك الميثولوجيا الشيعية المتطرفة.
والإرادة الإلهية هنا ليست إرادة كونية قدرية واقعة لا محالة، وإنما هي إرادة شرعية تتضمن رضا الله ومحبته لوقوع الفعل.
.. لكم رؤية حول توظيف واستغلال مصطلح آل البيت... نريد توضيحاً موجزاً لهذه الرؤية؟
في البداية دعني أقول: إن مصطلح (الآل) كغيره من المصطلحات يحتاج إلى ضبط وتحديد دقيق لمعناه، ونحن لدينا إشكالية كبيرة في التعامل مع المصطلحات، إذ كثيراً ما نختلف ويتشعب الخلاف بيننا ويتسع وأصل المسألة أننا لم نضبط المصطلح، ولو ضبطنا المصطلح ضبطاً علمياً صحيحاً لربما زال الخلاف من أساسه، وما نعنيه بضبط المصطلح هو وضع الألفاظ في مواضعها، كما قال الفيلسوف الكبير (كونفوشيوس) عندما سأله أحد أمراء الصين عما يجب فعله لكي يعم الأمن والسلام في البلاد؟ فأجاب: لتحقيق ذلك يجب وضع الألفاظ في مواضعها، لأنه حين لا توضع الألفاظ في مواضعها تضطرب الأذهان، وحين تضطرب الأذهان تفسد المعاملات، وحين تفسد المعاملات لا يدري الشعب ماذا يفعل بأصابعه العشر!
وحين ننظر في مصطلح (الآل) نجد أن معنى المتابعة هو أظهر المعاني اللغوية والشرعية التي يمكن من خلالها تحديد معناه، وهذا المعنى مع ظهوره في اللغة والشرع هو المعنى الذي ينسجم مع روح الإسلام وإنسانيته وسمو رسالته، ولذلك فنحن نؤمن أن آل محمد صلى الله عليه وسلم هم أتباعه المؤمنون برسالته، السائرون على منهجه، وليسوا سلالة بعينها. وقد أدى سوء الفهم لمصطلح (الآل) إلى ظهور جملة من التوظيفات الخاطئة وأهمها ثلاثة أنواع من التوظيف:
1 التوظيف العنصري حيث ادعى البعض أن الله فضله واصطفاه لأنه من سلالة معينة.
2 التوظيف السياسي حيث كانت دعوى الحق الإلهي بالحكم لبني هاشم أولاً ثم صارت للعلويين خاصة، ثم صارت عند البعض لذرية الحسين خاصة.
3 التوظيف المذهبي حيث زعم البعض أن مذهبه هو مذهب (آل محمد)، والحقيقة هي أنه لا يوجد ما يمكن تسميته بمذهب أهل البيت أو مذهب العترة أو مذهب الآل. والتوظيف المذهبي لمصطلح الآل لم يقتصر استخدامه وتوظيفه ضد المخالفين للتوجه الشيعي فحسب، بل استخدمته فرق الشيعة فيما بينها، ذلك أن فرق الشيعة على ما بينها من تباين وخلاف في الأصول والفروع تزعم كلها أنها أخذت مذهبها عن الآل بحسب تصورها السلالي للآل، وعلى سبيل المثال: الإمام الهادي يروي بسنده المتصل عن آبائه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً يصم الشيعة الإثني عشرية بالشرك، ويأمر بقتالهم لأنهم مشركون، والإثني عشرية تروي عن أئمة أهل البيت أقوالاً في تكفير وتضليل الزيدية!
هذا ما يمكن قوله بإيجاز شديد عن صور التوظيف الخاطئة لمصطلح (الآل)، وقد بسطت القول في هذه المسألة في كتابي: (آل البيت إشكالية المصطلح وأباطيل الاستغلال).
.. ما رأيك بالتقريب بين السنة والشيعة؟
التقريب ين أهل السنة والجماعة وبين الشيعة الأمامية الاثني عشرية لم يؤد إلى حصول الثمرة التي كان يرجوها دعاة التقريب الأوائل، بل الذي حصل هو العكس، فقد زادت الهوة أكثر، وأبدى عدد من المشتغلين بموضوع التقريب خيبة أملهم الشديدة من نتائجه العكسية، ومصطلح التقريب هو مثال آخر على الوقوع في فخ المصطلحات، وهنا نسأل ما المراد بالتقريب؟ هل المراد به الوصول إلى حلول توافقية حول القضايا العقدية والفكرية المختلف حولها؟ إن الوصول إلى حلول توافقية في عالم الأفكار لا يؤدي إلى توحيد طرفي الخلاف وإنما يؤدي إلى خلق طرف ثالث بينهما، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مصطلح التقريب يستبطن معنى المغالبة والتحدي الذي تتجلى صورته في سعي كل طرف إلى تقريب الطرف الآخر إليه وسحبه إلى مواقعه الفكرية، والنتيجة هي المزيد من البعد والتباعد، وقد كتبت سابقاً حول الموضوع بعنوان: ((أوهام التقريب وحقائق التخريب))، وقناعتي الشخصية هي أنه علينا أن ننسى شيئاً اسمه التقريب بين السنة والشيعة، وأن نبحث بدلاً عن ذلك عن السبل الصحيحة لإقامة التعايش والتجاور وبناء المصالح المشتركة والصلات الإنسانية العامة، ولعل في إقامة هذا النوع من التعايش ما يفتح المجال بهدوء لكي يتقبل الناس الحقائق ويراجعوا أخطائهم الموروثة بأنفسهم، وبالتالي ظهور حركات للنقد الذاتي والإصلاح من الداخل.
.. الحركة الحوثية بدأت في الآونة الأخيرة بالانتشار والتوسع والتحول إلى مكون سياسي.. هل ترون في ذلك خطورة من نوع ما؟
أن تتحول الحركة الحوثية من تبني العنف والتمترس خلف السلاح إلى حزب يمارس العمل السياسي ويقدم رؤاه وأفكاره بعيداً عن العنف ولغة السلاح فهذا ليس فيه أية خطورة، ولكن الخطورة والخطورة هنا على الحوثيين قبل غيرهم تكمن في ادعاء امتلاك الحقيقة والوصاية على الآخرين، وفي إكراه الناس بالقوة لكي يقبلوا تلك الوصاية وذلك الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة.
.. ولكن هنالك قلق حقيقي لدى كثيرين من التوسع الحوثي وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها؟
نعم ..لأن الحوثيين بإمكانهم أن يخلقوا الكثير من المتاعب للشعب اليمني، وأن يضيفوا مآسٍي جديدة إلى مآسيه، ولأنهم ليسوا مؤهلين بما يحملون من فكر سلالي، وبما يرفعون من شعارات ديماغوجية، وبما يمارسونه على الأرض من عنف لأن يكونوا حملة مشروع وطني إنساني حضاري، لكنهم في الأخير ليسوا سوى زبد، هم زبد الجمهورية، وواهم من يظن أن الزبد مهما ظهر على السطح وانتشر بإمكانه أن يحل محل البحر، ((فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)).
.. إلى أي حد لعب الفقهاء التقليديون عبر التاريخ الإسلامي ذلك الدور السلبي في تسطيح وعي الناس، وتطويعهم للاستبداد لا سيما في العصور المتأخرة؟
الفقه السياسي الإسلامي ظل طيلة القرون الماضية مرتهناً لثنائية الاستبداد والفتنة، وكان التنظير الفقهي لا يألوا جهداً في إقناع الناس أن البديل للاستبداد هو الدخول في دوامة الفتن، وبالتالي فالخضوع للاستبداد والتعايش معه هو أخف الضررين.. وكان خروج عبد الرحمن بن الأشعث ومن معه من الفقهاء والصلحاء والجند على الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي وتواجههم معه في معارك عدة أشهرها معركة دير الجماجم من المؤثرات الهامة التي أسهمت في تشكيل الرؤية السياسية لدى فقهاءنا فيما بعد، فقد كانت معركة دير الجماجم مأساة حقيقية إذ انتهت بهزيمة الخارجين على الحجاج وفيهم عدد من خيار التابعين، وأعمل الحجاج سيفه فيهم بلا رحمة، وكان سعيد بن جبير وهو من كبار علماء التابعين من قيادات الثورة التي ظفر بها الحجاج بعد طول مطاردة، ثم قتله، والقصة في ذلك معروفة ومشهورة.
.. والسؤال هنا إذا كان المعروف من مذهب أهل السنة والجماعة عدم جواز الخروج على الحاكم الظالم، فكيف أجاز أولئك العلماء والفقهاء من التابعين لأنفسهم الخروج على الحجاج ومناهضته بالسلاح؟
نحن نعلم أن اختيار القول بعدم جواز الخروج على الحاكم الظالم كان إحدى نتائج معركة دير الجماجم وما تلاها من أحداث مؤسفة. أما قبل هذه المعركة فقد كان لأهل السنة في المسألة رأيان: رأي يجيز، ورأي يمنع. وكان أكثر السلف على الجواز. لكن بعد معركة دير الجماجم اتجه جمهور أهل السنة إلى القول بمنع الخروج على الحاكم الظالم، لما فيه من الفتنة، وشاع هذا القول عن أهل السنة حتى حكى بعضهم الإجماع عليه، وعملياً فقد جنح أهل السنة والجماعة وهم السواد الأعظم من المسلمين إلى الصبر على الاستبداد والظلم وترك مقاومته بقوة السلاح، بينما بقيت الخوارج والزيدية تحديداً تتبنى خيار الخروج المسلح على الحاكم الظالم أو الفاسق وتراه واجباً شرعياً.
.. والسؤال هنا: ماذا لو نجحت ثورة ابن الأشعث؟ وقد كان بإمكانها أن تنجح فعلاً في تحقيق أهدافها لولا قصور النظر السياسي، فقد عرض الملك الأموي عبدالملك بن مروان على الثوار أن يعزل الحجاج، وان يكتب بالولاية لعبد الرحمن بن الأشعث على أي بلد شاء، مع العفو عن جميع الخارجين معه، وقد مال ابن الأشعث إلى قبول هذا العرض، ولكن جنوده منعوه من ذلك.. وهذا يدفعنا إلى تساؤل آخر: هل كانت الفتنة حقيقةً في الخروج على الحجاج أم في قصور النظر السياسي؟
أياً كان الأمر، فمن يومها أصبح الفقهاء يضعون جماهير الأمة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالاستبداد والصبر عليه، أو الدخول في الفتنة! وتحكمت هذه الثنائية في تاريخنا السياسي كله منذ ذلك الحين، وأصيب الفقه السياسي الإسلامي بالشلل، وانشغل الفقهاء بالتبرير للواقع السيء بدلاً من الانشغال بالتنظير لواقع جديد أفضل، وانعكس ذلك على أمتنا فأصيبت بالشلل النفسي الإرادي العام، ولم نسلم لا من الاستبداد ولا من الفتنة بل كان تاريخنا السياسي كله مزيجاً من الاستبداد والفتن!
وما نحتاجه اليوم هو حل هذه المعضلة الفكرية الشائكة، وتلك الحتمية المصطنعة الزائفة، والعمل على تفكيكها ونقضها من جذورها، فليس البديل الحتمي للاستبداد هو الفتنة، ولكن ضعف الوعي السياسي هو الفتنة، وعدم القدرة على توليد البدائل الصحيحة لمواجهة الاستبداد بعيداً عن لغة العنف والسلاح هو الفتنة، والاستبداد في حد ذاته فتنة، بل هو أساس كل الفتن والشرور، وليس هنالك ما يبرر فضلاً عن أن يوجب على الأمة أن تتنازل عن حقها في الشورى والعدل والحرية والمساواة بدعوى الخوف من الفتنة، لأن غياب هذه القيم الكبرى من حياة الناس هو الفتنة بعينها، وهو الذي يولد الفتن والشرور بلا انقطاع.
.. الحدود في الإسلام أثارت جدلاً واسعاً في الآونة الأخيرة، وكانت لكم مشاركة في ذلك الجدل والنقاش، والبعض يرى أن هنالك خلطاً بين الحدود والعقوبات فهل هذا الخلط موجود فعلاً؟
نعم هذا الخلط الموجود وشائع، ولفظ العقوبة أعم من لفظ الحد، فالمرء قد يعاقب بإقامة الحد عليه، أو بعقوبة تعزيرية يقدرها القضاء، وعلى سبيل المثال ما يسمى بحد الردة، هو عند التحقيق ليس حداَ ولكنه عقوبة، وتسميته حدأً استشكلها قديماً عدد من العلماء كالنووي والشوكاني؛ لأن الحدود لا تسقط إذا وصلت إلى القضاء، ولا يستتاب صاحبها، بينما المرتد يستتاب، وإذا تاب سقطت عنه العقوبة. وأيضاً الحدود كفارات لأهلها المسلمين، ولا أحد يقول إن المرتد إذا قتل كان القتل كفارة له، ومن المعاصرين نجد الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله يصرح في كتابه (القول المفيد) بخطأ الفقهاء الذين أدخلوا حكم المرتد في باب الحدود.
.. وما الذي ينبني على هذا الخلاف في كون عقوبة المرتد حداً أو عقوبة؟
إذا ثبت أن عقوبة المرتد ليست داخلة في باب الحدود، وإنما في باب العقوبات التعزيرية فإنها تكون عندئذٍ مفوضة إلى القضاء في الدولة الإسلامية، والسلطة القضائية تقرر ما تراه مناسباً وملائماً بحسب السياسة الشرعية، أي أن القضاء يكون في سعة من أمره في هذه المسألة.
.. نفهم مما سبق أنه لا يوجد في الإسلام ما يسمى بحد الردة.. و من هنا يكون الأمر على قاعدة “ من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر “..
كما قلت لك هنالك عقوبة تعزيرية متروك أمرها للقضاء، وهي قد تصل إلى حد القتل إذا كان المرتد محارباً، وقد تخفف إلى ما هو أدنى من ذلك، أو تلغى تماماً في حق بعض الأشخاص، بمعنى أن القضاء يكون في سعة من أمره ليقرر ما هو الأصلح والأنسب والأليق بمقاصد الشريعة.
.. الحرية قبل الشريعة... هل أنت مع هذه المقولة؟
هذه المقولة هي إحدى المقولات الشهيرة للعلامة الدكتور يوسف القرضاوي، وهو قد أوضح مقصودة بها، عندما بين أن الأنظمة المستبدة تحول بين الشعوب الإسلامية وبين ما تريد وتطمح إليه من تحكيم الشريعة، وبالتالي تصبح الحرية مقدمة ضرورية لتحكيم الشريعة، وهذا هو المقصود بكون الحرية قبل الشريعة، لكن البعض حمّل هذه المقولة ما لا تحتمل، وأراد أن يعطي لها بعداً ليبرالياً، وأخذ البعض هذه المقولة ووظفها في سياق الإعلاء من قيمة الحرية على سائر القيم الأخرى، وهو ما عكس تأثراً واضحاً بالمذهبية الليبرالية حتى لدى بعض الإسلاميين، ونحن إذا نظرنا إلى الحضارات الكبرى سنجد أن لكل حضارة نظامها القيمي، فالحضارة الغربية في شقها الرأسمالي ونموذجها الليبرالي لها نظامها القيمي الذي تحتل فيه الحرية أعلى درجة في سلم القيم، وهي تبعاً لذلك القيمة الحاكمة والموجهة والمقدمة على ما سواها من القيم عند التعارض. وفي الشق الآخر من الحضارة الغربية المعاصرة حيث كان النموذج الاشتراكي رأينا المساواة تحتل الدرجة العليا في سلم القيم، وكل القيم الأخرى تتبع المساواة وتدور في فلكها.
وأما في الإسلام فالأمر مختلف، ذلك أن نظام القيم في الإسلام يجعل العدل في الدرجة العليا من سلم القيم، وهو ما يعني أن القيم الأخرى تفهم في ضوء (العدل) كقيمة موجهة وحاكمة وكمعيار تنضبط به القيم الأخرى، فتأخذ في ظله حقها ومكانتها دون إفراط أو تفريط.
إن الحرية على ما لها من أهمية في الإسلام، هي في الرؤية الإسلامية قيمة مقيدة بالعدل، باعتبار العدل القيمة العليا والمطلقة في ذاتها والمقيدة لغيرها، وهذا المنظور يختلف عن المنظور الغربي في شقه الليبرالي الذي يعتبر الحرية هي القيمة العليا والمطلقة، وهو ما نتج عنه فقدان الأمن الوجودي، ذلك أن الحرية بلا عدل هي نوع من الفوضى تقود نحو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وتقود نحو التحلل والفساد، وكذلك المساواة بلا عدل تتحول إلى ظلم وعدوان ومصادرة للحقوق والحريات المشروعة، ومن هنا كان تحفظ بعض علماء الإسلام ومفكريه على جعل الحرية أو المساواة قيمتان مطلقتان، وهو تحفظ في محله.
.. ألا تعتقد أن القرضاوي أخطأ في تلك المقولة حين جعلها مبهمة بحيث يلتبس الأمر على العامة؟
هو لم يجعلها مبهمة، ولكنه أوضحها وبين مقصوده بها.
.. كيف تقرأ واقع الحركات الإسلامية؟
واقع الحركات الإسلامية يختلف من حركة إلى أخرى، لكن لو نظرنا بداية إلى حركة الإخوان المسلمين باعتبارها أكبر الحركات الإسلامية، وأكثرها تأثيراً سنجد أن الحركة في الفترة التي سبقت ثورات الربيع العربي تميز خطابها بالانفتاح الفكري والسياسي وتبني القيم الحضارية الإنسانية المشتركة، وما نأمله هو أن يتعزز هذا الخطاب وذلك التوجه بعد ثورات الربيع العربي، وأن لا يطغى السياسي على الفكري، وحركة الإخوان لديها الكثير من الكفاءات والقدرات الفكرية وعليها أن تولي جانب الفكر المزيد من الاهتمام. ومن يتأمل في واقع الحركات الإسلامية يمكنه أن يلحظ التقدم الفكري والنضج السياسي، الذي باتت تحرزه الدعوة السلفية يوماً بعد يوم، فاليوم لدينا في اليمن حزبان يمثلان التوجه السلفي، وهما حزب الرشاد وحزب السلم والتنمية، وهذا يعتبر تقدماً كبيراً ونقلة هائلة إذا ما قارناه بحال الدعوة السلفية قبل عقدين فقط من الزمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.