ولما كان قيام الليل والتهجد من أشق العبادات، ومن أعظمها أجرًا؛ فإنني جمعت - بحمد الله- مجموعة من التنبيهات التي تيسر لك القيام، بل قد تجعلك تقوم وأنت فرح مسرور سعيد، لا ترى أنك قد أُعطيت من قرة العين وفرحة القلب مثله. 1 تذكر أنك بحضرة الملك: تذكر وأنت تقوم في الصلاة أنك بحضرة الملك الذي تناجيه ويناجيك، ويذكرك حال ذكرك له، فإن الله قد قسم الصلاة بينه وبين عبده، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليَّ عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. وتذكر أنك عندما تذكر الله في نفسك فإن الله يذكرك في نفسه، وتذكر أنك أقرب ما تكون من الله عندما تكون ساجدًا، وإذا تذكرت ذلك كله علمت أنك في مقام القرب، ومن كان في مقام القرب تنزلت عليه الرحمات والبركات. فأيُّ سعادةٍ هذه من يستشعر هذا الشعور!! 2 الصلاة أحسن عملك: لا عمل للإنسان قط أشرف وأنفع من الصلاة، فأما عمل الدنيا فركعتان يركعهما العبد خير له من الدنيا كلها وما فيها، وهذه على الحقيقة واليقين، فقدِّر أنك لو كنت في عمل دنيوي يدر عليك ألف ألف (أي مليونًا) في عشر دقائق، فإنك بصلاة ركعتين قد حزت أكبر من ذلك وأفضل آلاف الآلاف من المرات، ولتكن موقنًا بذلك. وأما عمل الآخرة فالصلاة أفضل العمل؛ لقوله : “الصلاة خير موضوع”. 3 اتعب في الصلاة.. فالنصب مقصود: النصب في الصلاة مقصود ومحبوب للرب فانصب في صلاتك: طولَ قيامٍ، وطولَ ركوعٍ وسجود؛ فإن الله لما أمر رسوله وأصحابه بقيام الليل قال لهم: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 5، 6]. فالتهجد وترك النوم ثقيل على النفس، والقيام الطويل متعب، ولكن اعلم أن هذا مقصود ومحبوب عند الله. فلتحب ما يحب الله، وقد قال الله لرسوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] أي: إذا فرغت من عمل الدنيا فانصب في العبادة، والنصب هو (التعب)؛ ومن أجل ذلك قام رسول الله حتى تفطرت قدماه. 4 إذا نصبت في الصلاة فاذكر الأسوة: إذا نصبت في صلاتك فتذكر رسول الله الذي كان يقوم حتى تتفطر قدماه، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وتذكر قيام الصحابة والسلف الصالح فقد أتوا في هذا الباب من العجائب، فكان منهم من يقرأ القرآن كله في ثلاث ليالٍ فقط ويعيش على ذلك عمره كله، ومن يختم في سبع، ومن يختم في عشر... وكانوا كما قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17، 18]. وقال أيضًا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16]. 5 تفكر فيما تقول: يجب أن تصلي وأنت حاضر القلب تفكر فيما تقول، وتتدبر ما تقرأ من القرآن، وما تسمع منه، وكان رسول الله عند قراءته لا تمر عليه آية فيها رحمة إلا وقف عندها وسأل الله، ولا تمر عليه آية فيها عذاب إلا وقف عندها واستعاذ بالله. فتدبر معاني التسبيح والتحميد والتكبير، وكلمات تعظيم الرب وتمجيده وذكره. 6 طهر فاك.. ونظف ثيابك.. وتعطر.. وخذ أحسن زينتك: لا تأت صلاة الليل إلا وأنت في أكمل الزينة، وأتم الطهارة والنظافة وأطيب رائحة تقدر عليها، بدءًا بتنظيف الفم بالسواك أو ما يقوم مقامه من فرشاة ومعجون، وإياك أن تصلي بفم ينبعث منه رائحة كريهة، فإنك بهذا تؤذي المؤمنين وتؤذي الملائكة التي تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. وبهذا تكون محل السخط لا محل الرضا والقبول، وخذ أحسن ما عندك من الثياب، وقد كان السلف يحتفظون بأفضل ما يقدرون عليه من الثياب لقيام العشر من رمضان. وتطيب بأحسن ما قدرت عليه من الطيب، وأعلم أن هذا كله محبوب لله، محبوب لملائكته، والله جميل يحب الجمال، طيب لا يقبل إلا طيبًا. واعلم أن الاغتسال ونظافة الفم والثياب والطيب يشرح النفس ويبعث النشاط، وبالتالي يسهل عليك الصلاة ويطيب لك القيام. 7 لا تصل وأنت حاقن أو حاقب أو جائع تشتهي الطعام أو ناعسًا يغلبك النوم: لا تأت الصلاة وهناك ما يشوش ذهنك ويصرف فكرك، وأعظم ما يشوش الذهن ويذهب الفكر أن تكون حاقنًا يدافعك البول، أو حاقبًا تدافع الغائط، أو جائعًا بحضرة طعام تشتهيه، وقد قال : “لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان”. والأخبثان هما البول والغائط. فيستحسن أن يستعد لصلاة القيام بالفراغ التام مما يشوش ذهنك، وبأن تتناول شيئًا من طعام يقيمك ولا يثقلك، وقد أخذت قسطًا من النوم استعدادًا للقيام، واحتسب نومتك كما تحتسب قومتك. 8 أخلص عملك لله: وأعلم أن ملاك ذلك كله أن تقوم لله لا مرائيًا بعملك؛ فإن المرائي لا يقدر من عمله على شيء، ولا يناله منه حسنة واحدة، ولم يستفد إلا نصبه وتعبه. 9 من كانت تنبعث منه رائحة كريهة فانصح له بالخروج من المسجد، قال : “من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئًا فلا يقربَنَّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس”، وكانوا يُخرجون من المسجد من تُشم منه رائحة خبيثة. فإذا رأيت من هو كذلك فانصح له بالخروج من المسجد؛ حتى لا يأثم ويؤذي عباد الله وملائكته. 10 ليلة القدر فرصة عُمر فلا تضع منك: قيام ليلة القدر وحدها خير من قيام ليالي ألف شهر، أي أنها أفضل من أن تقوم ليالي ثلاث وثمانين سنة وشهرين، وهذا فضل عظيم عظيم لا يتصور مقداره، وقد تضاعفت فيه الحسنات ثلاثين ألف مرة.. فإياك وإضاعة ذلك. وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان حتمًا، وفي لياليها الوتر (21 - 23 -25- 27 - 29) كما جاء به الحديث، وقد أعلم الله بها نبيه في المنام، ثم لما خرج ليخبر الناس بها كان هناك رجلان يتلاحيان (يستبان سبًّا شديدًا)، فانشغل النبي بذلك فنسيها، ثم قال : “هي في الليالي الوتر من العشر الأواخر”. فاستيقظ لها وأيقظ أهلك، وحتى أولادك المميزين، وخرج لصلاة الليل فيها في أحسن ثيابك وأكمل هيئتك، وأحسن عطرك، وكأن هذا يوم عرسك، فإن السموات كلها محتفلة والملائكة فيها نازلة، وجبريل في الأرض مع المؤمنين، قال تعالى :{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1- 5]. والروح هو جبريل. فادخل هذا الحفل العظيم المشهود، وفز بالجائزة الكبرى. ولا رثاء ولا عزاء للضائعين والضائعات والغافلين والغافلات، الذين آ ثروا الحياة مع الشهوات والتفاهات.