Samia Mikhail من أجل بعض الظلال في وادي قاديشا لا شيئ مفرح في الوصول الى مطار أو مدينة ملبورن، مزيد من حماة المربعات على جانبي الطرقات والمزيد من الكاميرات لرصد حركة المواطنين وإجبارهم على الإلتزام بألأمكنة المخصصة لهم، دقائق في مكان خطأ تكلّف المخطئ اموالاً تشفطها الدولة فلا يهنأ المواطن بالوصول الى هذه المدينة. ليس مهماً أبداً من يستقبلني في ملبورن فأنا لا أشتاق لشيئ، لمكان، لحالة، لشجرة، لبيت لظلال، لشارع ولا حتى لفراشي المريح. تركت ورائي جبالاً وصخوراً وإخضرار ضحكات على امتدادات لا مثيل لفرحها وهدوئها ويؤسفني أن أستيقظ هنا وأنا أخزّن هناك في منامات لا تنتهي عن وادي قاديشا، أنام وأشعر أنني هناك استيقظ وأشعر أنني هناك فوق الصخور أمام الصخور أو في قلب الجبل، أستيقظ وأتساءل: أين أنا؟ أين الجبال، أين الظلال والأصوات والزراريع؟ وأكتشف أنني أمام المسافة الفارغة لمدينة فارغة من كل ما أحب ومن أحب. أشفق على أولادي لأنه لم يتسنّى لهم أن يعشقوا مكان ولادتي كما عشقته أنا.. أتمنى أن أغزل المكان على المكان علّ روحاً من ظلال ونور تشرق هنا، أتمنى فقط أن أرقد هناك يوماً ما، أن أستمع لمزيد من الترحيب بي في مكان أشرقت فيه طفولتي وحلمت بمغادرته. كنت أبحث عمن يدرك إشراقة طفلة وليس عن امتداد جغرافي وابتعدت كثيراً ولم أنتمي لا في روسيا ولا في أستراليا ولا حتى في بيروت ولكني تعلّمت في كل الأمكنة أن أحب مكاني وأشتاق للظلال ولإنعكاس الشمس على الحجارة وظلال شجر التين والسنديان ومناظر هائلة لجبال لا يزحزحها طوفان ولا عواصف ولا تبريها ثلوج، ولمناظر تحلو من خلال شجر العريش والجوز لا تنتهي ومن هواء. لم أكن أرغب في الكتابة ولكني لا أنام لأني لست هناك ولأن هناك فيني والأرض هنا تبدو غريبة ومسطّحة. محمود ياسين أفكّر ان الفيسبوك غير موجود أنفيه هكذا فأحصل على فراغ بالمقابل لاعلاقة له بالخواء لكنه فجوة لحياة غير هذه المكتظّة بالروابط وحيث هناك حرية ما، حرية تجول ذهني عاطفي في القرى والريح ومنعطفات السيارات المتأخرة في طفولتك. انحرف فقط متجنّباً الفيسبوك فأحصل على وجهة فيها أصدقاء ليس لديهم موقف سياسي. إنهم أصدقاء فحسب. ربما يشبّهني البعض في أخذ العالم الافتراضي هذا على محمل الجد حيث يتألم الانسان وقد يبيت حزيناً، خائر القوى وقد حاول الوصول الى تسويات متلاحقة ومتعذّرة مع عدد كبير من الأمزجة المتباينة التي تفوق بثقلها وتقلبّاتها طاقة الإنسان. ربما انه ليس لدينا حياة حقيقية، فقمنا نعيش في الفيسبوك والنت والألوان والروابط التي تقود إلى روابط متخلّين بذلك عن المتبقي لنا من حياة لا تزال جديرة بالعيش.