الاضطرابات التي تصيب حياة الأطفال بسبب تغيّب الآباء عن المنزل، وتسيّب الحياة بسبب غياب التربية.. إن قضية غياب الآباء عن المنزل لساعات طويلة أولأيام وأسابيع له أثر خطير على نفسية الطفل، فالأب هو الترجمة الحرفية لقصيدة الحب والحنان، ويعتبر بالنسبة للطفل مصدراً للأمن والحماية، وهو ربان سفينة الأسرة يقودها بفطنته ليحمل أبناءه إلى شواطئ الدفء والأمان.. وبَرّ الثقافة الفكرية والعلمية، ولا بد أن ندرك مسؤولية تربية الأبناء وآثارها السيئة نتيجة تغيّب الآباء عن المنزل.. فهل غياب الأب يؤثر حقاً على نفسية الطفل؟ وما هي أسباب تغيب الآباء ومكوثهم مدة طويلة خارج المنزل؟ وهل هناك طريقة لجذبهم إلى عشهم وبوتقتهم؟ أسئلة شائكة وقضية ساخنة تحتاج إلى نظرة ثاقبة ودراسة واعية تجعل من البيت معلماً ورافداً ينهل منه الأبناء ما ينفعهم في حياتهم ومستقبلهم.. «إن قضية غياب الأب عن المنزل أو رب الأسرة ومكوثه لساعاتٍ طوالٍ بعيداً عن أبنائه مسألة خطيرة ولها أثر كبير في فقدان السيطرة الأبوية، لأن قوة السلطة الأبوية تقي الأسرة كثيراً من المشكلات التربوية الأسرية، وهناك سؤال غاية في الأهمية وهو: كيف نجمع بين فقدان السيطرة الأبوية وبين تواجد بعض الآباء مع أبنائهم جل أوقاتهم في المنزل؟» «إن وجود الأب في المنزل مع الأبناء ليس هو مطلب في ذاته، بل يجب على الأب أن يعرف ماذا يجب عليه أن يفعل أو لايفعل في حال تواجده في المنزل؟ وهنا سيدرك كلٌّ منا هل هو من الآباء الغائبين، أم من الآباء الحاضرين الغائبين». فما فائدة تواجد الأب في المنزل إذا كان يفرّط في تدليل الأبناء ويحرمهم من توجيهاته التربوية والتأديبية؟ وما فائدة تواجد الأب إذا كان لا يعدل بين أبنائه، ويفضّل بعض الأبناء على بعض؟ وما فائدته إذا كان يتعامل مع أبنائه بالقسوة والعنف، ولا يتحدث معهم، ولا يقبلهم، قد نزع من قلبه الرحمة؟ هناك صور توضح أسباب تغيّب الأب عن المنزل وهي كثيرة نذكر بعضاً منها: العمل: كثيراً ما تكون بعض الأعمال تتطلب من صاحبها المكوث خارج البيت أو في المناطق النائية لأسابيع وأشهر وقد تصل إلى سنة كاملة بشكل متواصل، فتسبب في انفلات زمام السلطة من الأب وبروز سلوكيات سلبية لدى الأبناء بشكل غير متوقع، يسبب آثاراً وخيمة، تعود بأثر سلبي على نفسية الأبناء، رفقاء السوء الذين هم عبارة عن مجموعة من الأصحاب درجوا على قضاء أوقاتهم في السهر والسمر واللهو إلى ما بعد منتصف الليل، وقضاء ما تبقى من اليوم في وظائفهم، فليس للأبناء سوى سويعات معدودة يكون الآباء فيها عادة نائمين، وعامل آخر وهو تعدد الزوجات، إذ ليس تعدد الزوجات سبب في تفكك الأسرة، ولكن إذا أسيء استخدام هذا الحق، وبالاستهتار به، أوعدم تسخير الوقت الكافي لكل من الزوجة والأبناء، فقد يكون ذلك سبباً في تحطيم كيان الأسرة، كما أن الطلاق يستحوذ في كافة المجتمعات على نصيب الأسد في ابتعاد الأب عن أسرته مما يعرّض الأبناء لكثير من الانحرافات التي يمكن الوقاية منها لو استطاع الأب والأم بعد الطلاق أن يتساميا على جراحاتهما وأن يشيعا جواً من اللاعدائية والاحترام المتبادل بينهما، هادفين بذلك إلى خلق أجيال أسوياء تربوياً ونفسيا». «إن هناك سلبيات خطيرة في غياب الآباء عن أبنائهم وهي: ضعف الجانب العاطفي الأبوي، فانعدام المشاعر الأبوية تجاه الأبناء يؤدي إلى انعدام الحنان والمحبة بين الطرفين وحدوث حالات نفسية مكتئبة لدى الأبناء.. فقد تحدث بعض الاضطرابات في حياة الطفل، ويتجلّى ذلك في مشاعر الخوف والقلق التي تنتاب الطفل بين الحين والآخر، لاسيما أثناء النوم، أوبشكل أعراض نفسية جسديه (قضم الأظافر، تبول لا إرادي، عدم التركيز، كثرة النسيان، الميل للعزلة)، وشلل الهيكل التربوي نتيجة لغياب الأب المستمر، فتضعف الجوانب العلمية والفكرية والثقافية لدى الأبناء، وتحمل الأم العبء الأكبر من مسئولية تربية الأبناء في جميع الجوانب، وهذا يؤدي بلا شك إلى تقصيرها في التربية، بسبب غياب دور الأب ومسؤوليته في المنزل ، والسلوكيات التربوية الحياتية اليومية مثل متابعة الأبناء واجباتهم المدرسية، انحراف الأبناء خاصة مع وجود عوامل مؤثرة كالتلفزيون والإنترنت.