في منفذ الطوال الحدودي، ليس لك الحق أن تتساءل: لماذا يتم ترحيل هؤلاء؟ إذا كان الصمت سيد الموقف، لكن يبقى عليك أن تجيب على تساؤلاتك بنفسك، حتى لو اقتضى اقتفاء الإجابة من قطرة عرق مالحة في جبين أحد العائدين.. في هذا التحقيق، سنحاول البحث عما يدور خلف الكواليس لنعرف تداعيات عودة العمالة اليمنية إلى الوطن. وتأثير هذه العودة على نفسيتهم وعلى الاقتصاد الوطني في ظل الوضع الصعب الذي تمر به البلد، وتداعيات القرار على مستوى السلطة والأحزاب وعلى الشارع اليمني، كما سنحاول أن نبحث عن الأبعاد الأخرى لتوقيت هذا القرار في مثل هذا الظرف الحساس. مخاوف يتخوف الكثير من المراقبين من قدرة الحكومة اليمنية على وضع أي خطة لمواجهة تداعيات عودة المغتربين المرحلين في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، وجراء الاعتداءات المتكررة على أنابيب النفط والغاز. وأن أي خطط يعني إضافة أعباء جديدة على الموازنة العامة للدولة. وتزداد المخاوف المحلية وسط تحذيرات خطيرة من صندوق النقد الدولي وخبراء اقتصاديين دوليين من انهيار الدولة اليمنية. التي تعاني أصلاً من ضعف الموارد، ويقدر عدد العاملين اليمنيين في السعودية بقرابة مليوني عامل, حوالي 20 % منهم لم يستطيعوا تصحيح أوضاعهم حسب إحصائية وزارة المغتربين اليمنيين، ويتركز أغلبهم في مجال المهن الحرة, وتبلغ تحويلاتهم سنوياً ملياري دولار, وان توقيت ترحيلهم في هذه الفترة العصيبة هو إغراق للاقتصاد اليمني، وتجفيف مورد ضخم من الموارد التي كانت الحكومة اليمنية تعتمد عليها. تجاهل دراسات مسبقة وكانت لجنة وزارية شكلتها الحكومة لمتابعة قضية المغتربين في مارس آذار الماضي, خلصت في تقريرها المرفوع للجهات المختصة آخر مايو أيار الماضي أن ترحيل آلاف اليمنيين من السعودية سيؤدي لحالة من عدم الاستقرار على حدود البلدين وارتفاع وتيرة الجريمة المنظّمة العابرة. وحذرت اللجنة من أن عدم مراعاة خصوصية العلاقات المتميزة بين البلدين سيؤدي إلى توسيع دائرة التذمّر والاحتجاج لدى الرأي العام غير المساند لمسار العلاقات اليمنية - السعودية والانتقادات الموجّهة لتوقيع اتفاقية جدة للحدود بين البلدين عام 2000, وتوقعت حدوث حالة عدم استقرار على حدود البلدين وارتفاع وتيرة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود الوطنية. إلا أن مثل هذه التحذيرات لم تلق آذاناً صاغية وهو ما نشهده اليوم من اندفاع العديد من المرحلين تجاه الأسوار السعودية واقتحامها . قائمة سوداء وما يقلق العمالة اليمنية في السعودية أكثر، هو أن اسم المرحّل سيوضع – حسب الإجراءات الجديدة هناك - على القائمة السوداء ويُمنع من دخول السعودية مرة أخرى. كما يقضي القانون السعودي الجديد بعدم تجديد الإقامة لكل من يقيم أكثر من ست سنوات ما عدا ذوي التخصصات النادرة، وعدم نقل كفالة من بلغ السن القانوني من مواليد جميع الجنسيات وإلزام ولي أمره بترحيله إلى بلده على نفقته الخاصة، وفي حالة عدم التزام ولي أمره بترحيله يتم ترحيل الجميع. تطبيق للقرار وشهد منفذ الطوال الحدودي حركة غير اعتيادية خلال الأيام القليلة الماضية من قبل هؤلاء لأخذ الإجراءات اللازمة لمغادرتهم في ظل انتشار حوالي ثمانمائة ونيف مفتش يعملون على تمشيط المدن والمواقع والشركات للتأكد من تطبيق القرار ،ويتخوف الكثير من العمال من تنفيذ عقوبة المخالفة عليهم ما جعلهم يتوجهون نحو المنفذ البرى «الطوال» طواعية. وكانت صحف ومواقع سعودية، أفادت بوجود شلل تام أصاب الحياة اليومية السعودية جراء الحملة التي تنفذها السلطات السعودية على العمالة المخالفة بعد انتهاء المُهلة المحددة لتصحيح أوضاعها، وهو ما يؤكد أن المجتمع السعودي لا يستطيع الاستغناء عن العمالة اليمنية التي تمتلك الخبرات، وتقبل العمل في الأعمال الشاقة .بسبب تردي الظرف الاقتصادي الصعب في بلدها وقلة فرص العمل.. تعالوا نعرف أكثر آراء المختصين: ردود الفعل تجاه القرار قال رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر: ما حدث مؤخراً من إقرار تشريعات جديدة في المملكة العربية السعودية ،احدث الكثير من الضغوط على العمالة اليمنية وكانت العمالة اليمنية على مر الوقت لها خصوصيات معينة داخل المملكة كونها دولة شقيقة. وأضاف: هذه الإجراءات بكل تأكيد لها تأثير مباشر ليس على الوضع الاقتصادي فحسب وإنما على الوضع السياسي والاجتماعي، لأن عودة الآلاف من الشباب اليمنيين في سن العمل إلى اليمن، يترتب عليها فرص عمل في الداخل ،وبكل تأكيد ستشكل مشكلة كبيرة للاقتصاد الوطني، وقد يتضاعف من مشكلتنا الاقتصادية والاجتماعية داخل البلد، كان يفترض أن يراعى وضع العمالة اليمنية بأن تعطى بعض المميزات لكي ترتب أوضاعها. ترحيل بشكل محترم فيما قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء فؤاد الصلاحي إذا كان هناك مخالفون يمنيون يجب التنسيق بين الحكومة اليمنية والسعودية على ترحيلهم بشكل محترم، عبر رحلات منتظمة وعبر كشوفات للمخالفين، الآن يتم ترحيلهم عبر ناقلات سيئة إلى الحدود وبأوضاع سلبية، ويضيف: “هذا الترحيل كان متوقعاً من زمان لأن الحكومة السعودية أعلنت عن تسوية غالبية العمال وأنت تعرف أن غالبية اليمنيين يدخلون بشكل غير شرعي عبر التهريب. أستاذ العلوم السياسية عبد الباقي شمسان قال: توقيت الترحيل يطرح الكثير من الأسئلة، وهي إجراءات مؤسفة من الجانب السعودي، صحيح انه من حقهم اتخاذ الإجراءات المناسبة لتنظيم بلادهم، لكن من ناحية التوقيت هم يعلمون من السابق أن كثيراً من اليمنيين مخالفين للقوانين، حتى أولئك السعوديين من يسمون أنفسهم بالكفلاء. وأضاف : اليمن الآن تمر بمرحلة حرجة ولا تتحمل أي أعباء اقتصادية إضافية ، وهذا يتطلب من الجانب السعودي الإجابة عن سؤال: لماذا هذا التوقيت بالذات؟ وما هي مقاصده. جلال الواحدي مواطن قال: أن من حاول الهرب عبر الأسوار ليس من الذين لديهم قضايا جنائية وإنما هم هاربون من نظام البصمة، وأن هؤلاء قد يكون لديهم معاملات تحتاج إلى إكمال، ويعتقدون أنهم سيعودون حين تهدأ الأوضاع لاستكمال معاملاتهم. مرحلون أم متسللون؟! وكيل وزارة المغتربين اليمنيين لشئون الجاليات عبد القادر عائض قال أن من تم ترحيلهم، ليسوا مرحلين ولا يجب أن نطلق عليهم صفة مرحلين، وإنما هم عمال يمنيون دخلوا السعودية تسللاً، وأضاف: أن الحكومة السعودية اعتمدت البصمة بالكمبيوتر لمنع خروج الأشخاص ممن لديهم جنايات، وأنها كانت تسمح لمن ليس لديهم جنايات بالعبور. وعن اتهامات للسفارة اليمنية بأنها وراء هذا التأخير أوضح عائض أن القنصلية اليمنية والسفارة في السعودية تلقتا ضغوط كبيرة في العمل وكان موظفوهما يداومون إلى الساعة الثانية ليلاً، من أجل البت بقضايا المغتربين اليمنيين، وأشار إلى أن التجار اليمنيين في السعودية وقطاعاً كبيراً من السعوديين سيتضررون من هذا الترحيل، وأن اليمنيين كانوا يشاركون في كل الأعمال هناك، وأن تأخير أعمال الحرم جزء من الأعمال الكبيرة التي لحق بها الضرر لأن غالبية العمالة كانوا من اليمنيين. - قنصل اليمن في المملكة العربية السعودية -جدة -علي محمد العياشي قال: إن السلطات السعودية قامت بترحيل العمالة اليمنية التي دخلت السعودية بطريقة غير شرعية، وأضاف العياشي في تصرح لقناة اليمن الفضائية “ للأمانة من رحلتهم السعودية من اليمنيين هم المخالفون الذين دخلوا السعودية بطريقة غير شرعية فقط». وتلقى تصريحات العياشي انتقادات واسعة من قبل المغتربين اليمنيين الذين قالوا إن تصريحاته والمسئولين اليمنيين تتنافى مع الواقع بشكل تام، فيما يشهد منفذ الطوال الحدودي مئات الأشخاص الذين يحملون إقامات، تعرضوا للترحيل بسبب أنهم لم يستطيعوا تصحيح أوضاعهم. لا توجد خطة لاستيعابهم رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفي نصر قال: «يفترض من الحكومة أن تنظر إلى هذا الموضوع على انه قضية عاجلة تتطلب تصرفاً عاجلاً من قبلها وبالتعامل مع المانحين أو مع أي دول أخرى للتخفيف من هذه المعاناة التي يمثلها مئات الآلاف من العائدين». واستطرد: طبعاً أنا كنت أتمنى على الحكومة أن تأخذ الموضوع على محمل الجد وتعتبره أحد القضايا الرئيسية وتطرحها وتتفاوض مع الجانب السعودي من وجهة نظرها، وأتمنى الآن بعد أن وقع الفأس في الرأس وبدأ الآلاف من اليمنيين يعودون أن تجتمع اجتماعاً استثنائياً وتبحث في معالجة هذه المشكلة. وقال الواحدي: نحن لم نقدر على تصليح أوضاع العمال الداخلين كيف بمن سيعودون، وتخوف الواحدي من ركود السوق عند ترحيل هؤلاء وقال: من الذي سيشتري البضائع من السوق كنا قبل نبيع للعائدين من السعودية لكن الآن لا نعلم ما الجديد. ضرورات حتمية نائب رئيس الهيئة التأسيسية للحملة الوطنية للمطالبة بالحقوق الدستورية والسياسية للمغتربين احمد يحيى الماوري قال: عدم الاهتمام الحقيقي بقضايا المغتربين وعدم تفعيل دورهم في البناء والتنمية داخل الوطن، أفقد الوطن الكثير من المشاريع الاستثمارية في كافة المجالات التنموية التي كان من الممكن أن يتبناها المغتربون خلال العقدين الماضيين، وأكد الماوري أن ما قامت به وزارة شئون المغتربين من جهود كبيرة في سبيل استعادة دور المغترب وثقته باستصدار العديد من القرارات التي تعالج الكثير من قضايا المغتربين وتصحح من أوضاعهم في الخارج للأسف لم تنفذ حتى الآن. يقول الماوري: أن تأسيس هذه الحملة يأتي لضرورة حتمية تستدعيها متطلبات المرحلة الانتقالية التي يمر بها الوطن حالياً. وأضاف في تصريح لإحدى الصحف المحلية: لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية دور المغتربين في تحقيق التغيير المنشود وبناء اليمن الجديد خصوصاً متطلبات التنمية المستدامة التي نبحث عنها، وأن المغترب يمثل المورد الرئيسي والداعم الأكبر لها. وعن عمل الحملة أوضح الماوري أنها خطوة أولى لاستعادة دور المغترب الحقيقي في بناء الوطن وتنمية اقتصاده ..داعياً كافة هيئات ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة التضامن والتفاعل مع الحملة من خلال إثارتها في البرامج التلفزيونية والمواقع الإخبارية والصحف والبرامج الإذاعية والندوات والمؤتمرات الصحفية تحقيقاً لمبدأ الاصطفاف الوطني والتضامن الشعبي في القضايا الوطنية المصيرية. وكيل وزارة المغتربين اليمنيين عبد القادر عائض يقول: من يعمل في هذا الخط يتم استبعاده،” نحن ابعدنا من مؤتمرات مشتركة بسبب نشاطنا المعروف والمناصر لقضايا المغتربين، بسبب مطالب طرحناها للجانب السعودي لتحسين أوضاع العمال اليمنيين، منها الحوافز والمكافآت والتأمينات و كنا في الفترة الأخيرة قد تقدمنا بمشروع لحل قضية العمالة اليمنية في السعودية، والرؤى المصاحبة لها ،لكن لم نتلق أي ردود ،وعلق كيف تريد منا تصحيح أوضاعنا فيما أيادينا مازالت ممدودة لهم. تداعيات القرار يقول نصر: لا نستطيع أن نحكم عليه أنه سياسي، من حق السعودية أن تفرض قوانين تراها في صالحها، وهي تبرر أن هذا ينظم العمالة وبحكم التسلل هو شأن داخلي لكن كل ما نأمله أن يراعى فيه حقوق الجوار وأن يراعى فيه وضع اليمن، وكان على الحكومة اليمنية أن تأخذ هذا الأمر على محمل الجد. ويقول شمسان: المنطق يرى أن الموقف المستوجب القيام به مساعدة الجانب اليمني و السلطة الانتقالية لتخفيف الأعباء عنها وليس لزيادتها. ومع ذلك التناقض واضح حتى لو كانت الإجراءات المتخذة شرعيه وقانونية ولا يحق لنا التدخل في الشأن الداخلي السعودي، إلا أن العلاقات اليمنية تجاه السعودية تاريخها معروف وهناك الكثير من التجاوزات الثانوية. رؤى يطالب الدكتور فؤاد الصلاحي بتأسيس شركات تابعة للدولة أو للقطاع الخاص للتنسيق في كيفية دفع العمال للتحرك لأسواق العمل وفق دراسة ووفق عقود تشرف عليها هذه الشركة حتى لا يسافر أي عامل إلا وهنالك عقد عمل كحماية له، أما الآن لا أحد يهتم ،لكن هذا ليس مبرراً أن يتم تجاهلهم من قبل الجهات المعنية. ويرى الدكتور عبد الباقي شمسان: علينا أولاً إجراء الإحصائيات لمعرفة أعدادهم وكثافتهم، وهناك خبراء يستطيعون أن يقيموا هؤلاء ما هي أعمارهم، وماذا كانوا يعملون، وكم كانوا يتقاضون، حتى نحن نستطيع أن نعرف احتياجاتهم، ويضيف “يجب علينا فتح تبرعات شعبية لتأسيس صندوق الدعم الاجتماعي للعائدين، هذا الصندوق مهمته، إعادة التمكين الاقتصادي لهؤلاء، وإيجاد مشاريع يعملون فيها، ويتطلب هذا رأس مال كبير يجب على الدولة أن تكون المساهم الأكبر فيه، كما يجب علينا فتح مجال التدريب الفني والمهني أمامهم، وهناك الكثير من الأفكار التي يمكن أن يقوم بها الجانب اليمني، وهذا أمر ليس بالصعوبة إذا كانت هناك نية حقيقية وتقدير حقيقي لمضاعفات هذه العودة. وقال شمسان: أنا أنبه أن الآثار والانعكاسات النفسية والتوجهات الجماعية اليمنية لهذه الأحداث الأخيرة، سيكون لها انعكاسات خطيرة على المستقبل.