العشق جزء أساسي وهام من كيان الشعر الغنائي اليمني.. وقد جادت به قرائح الشعراء فتدفّق غزيراً دفّاقاً في قصائدهم.. وسنطوف مع مجموعة شعرية غنائية يمنية مُنتقاة .. وسنبدأ مع شعر الغناء الصنعاني في المقطع الذي يقول: يامُكحِّل عيوني بالسهرْ أنتَ ألبستني ثوب الضنى قالوا الناس بُكره في سَحَرْ فُرقتك ياغزال المُنحنى عاشقك رام يصبرْ ما قَدَرْ ما فراق الحبيب إلّا عنا آه من فُرقتك يا ذا القمر ليتنا ما اعترفنا ليتنا فالمقطع السابق يوضح حالة السهد والأرق التي تصيب العاشق .. إذ ليس من السهل أن يتسلّل الكرى إلى جفنيه بعد أن أزمع معشوقه الرحيل , ولشدة ما يعانيه جرّاء هذا العشق الجارف تمنى لو أنه لم يتعرّف بمعشوقه ذات يوم.. وللشاعر الفُسيّل مقاطع شعرية جميلة اخترتها لأنها تتجانس مع ما أردنا الحديث عنه في هذا السياق ..وهي مقاطع شعرية يذوب فيها الشاعر عشقاً ووجداً.. فمما قاله: وكيف يلتاذ عاشقك بالرقادْ وأعْيُنَه كل ليلة باكيةْ ومَنْ عِشِقْ باع روحه واستفادْ نظرة من الخل هِيْ لُهْ كافيهْ والعشق إنْ فيهْ عفاف طبع الجيادْ وكل من كان رقيق الحاشيةْ إلى أن يقول: يهيم من عشقتك في كل وادْ وقلبه الصبْ عندك عاريةْ من الصعب أن يُخفي الإنسان عشقه، لأن للعشق أمارات وعلامات سرعان ما تظهر وتفضح صاحبها .. فالعشق يُسقم صاحبه وينحله ويقلب حياته رأساً على عقب ..هذا المعنى يختزله المقطع الآتي: سُهاد عيني بالمحبة دليلْ والدمع من أقوى الدلائلْ والسقم والجسم الضعيف النحيلْ والنار في الأحشاء تشاعلْ وتشهدْ على عشقي العريض الطويلْ ذي فاق عن عشق الأوائلْ وهذا مقطع من أغنية «زمان الصبا» التي تألّق في أدائها الفنان الرائع محمد مرشد ناجي: فيا من بحُب الملاح يدّعِي أنا أكبر العُشّاقْ إذا كان معك في الهوى ما معي من الوجد والأشواقْ فساجل بدمعك غزير أدمُعي ولا تطلب الإشفاقْ لقد عشقتك كثيراً.. وصارت عشقتك جزءاً من جسمي وروحي .. لكأنها تجري في عروقي .. ولكنني أتعجب كثيراً كيف لم تفطن لكل ذلك؟ .. مع ان علامات السُقم والعشق بادية علي ولا أحتاج إلى الإفصاح عن عشقي .. هذه الصورة تتبدّى في هذا المقطع: عِشْقَتَكْ قد جرت ما بين لحمي وعظمي والمحبّة من الله كيف يخفى عليك هذا وقد بان سُقمي أح يا غارة الله أسألك بالذي قد خط نون الحواجب ترحم الصب تيّه وهذا مقطع آخرمن أغنية «الله يعلم انني مستهام» وهي واحدة من الأغاني التي غناها مجموعة من الفنانين اليمنيين لعل أبرزهم المرشدي ومحمد سعد وعبدالقادر بامخرمة. الله يعلم أنني مستهامْ بمن سلب عقلي و ولّى ياليت شعري هل رشيق القوامْ يدري بعشقي فيه أم لا؟ والله لو أنّي أذوق الحِمامْ ما قلت لك يادهرُ مهلا ومن سِهِرْ لابدّ لَهْ ما ينامْ ومن بكى لابُدّ يسلا وفي قصيدة الدكتور/ محمد عبده غانم «زفرة» التي لحّنها الفنان أحمد قاسم.. مقطع يصوّر فيه الشاعر حالته كعاشق أرّقه السهر وشفّه الوجد والهيام، فطال ليله محاصراً بين أكوام الشجون .. يتحسّر على نفسه لما آلت اليه من جرّاء العشق ومعشوقه خلي البال لا يسهر له جفن ولا يصطلي بنار الغرام مثله .. لنتابع المقطع ونتلذّذ بجماله: أنا العاشق المُصطلِي بنار الجوى والهُيامْ أنا الساهر المختلِي بجيش الشجون اللّهامْ يحاول أن يجتلِي معاني الأسى في الظلامْ وأنتَ الحبيب الخلِي لعينيك طاب المنامْ وللدكتور محمد عبده غانم قصيدة غنائية أخرى هي «يتحداني وانا صابر عليه» والتي لحنها وغناها الفنان الراحل – قبل بضعة أعوام - عثمان علي عثمان.. اخترت منها هذا المقطع الذي يقول : أيش يفيد القُرب والعاشق غريبْ قد بَعَدْ مهما يكون خِلّهْ قريبْ فين با ألقاك قُلْ ليْ يا حبيب وأنا هايم أدوِّر لك سنة والهوى شاهد علي أو حُنبلي ونختتم هذا الطواف بإيراد مقطع من قصيدة للشاعر الغنائي عباس الديلمي غناها – على ما أتذكّر – الأخفش الابن.. أي الشاب عبد الرحمن الأخفش .. وهي قصيدة «يابدرطالع». أما المقطع المجتزأ فيقول: من سكرتي فيك حاشا لا أفيقْ لأنني ما خُلقت الّا اعشقكْ وإنْ غوى القلب أو ضل الطريقْ هداه- يا بدر- مبسم بارقك (2) وما تأوهت من كُربة وضيقْ إلا جلتها عذوبة منطقكْ إليك وجّهت روحي وارتضيت وكل عاشق إلى ما قد نوى .. الهوامش 1 حُنبلي :بلدة في جمهورية جيبوتي كان الشاعر يرتادها أثناء زيارته لجيبوتي. 2 مبسم بارقك: وجدتها في ديوان الشاعر عباس الديلمي غنائيات هكذا «مبسم بارقك» ولا أدري إن كان قد حدث فيها تقديم أو تاخيرغير مقصود.. أم إن الشاعر أرادها أن تكون كذلك مع أنها لو كانت «بارق مبسمك» لكانت أجمل وأكثر منطقية.