لم تبلغ سعاد الثامنة من عمرها عندما كانت تشاهد أولئك الناس ذوي اللبس النظيف الذين يأتون بسياراتهم الفخمة إلى قريتها الواقعة في ريف مدينتها الجميلة، كانت تسأل أمها عنهم.« فتجيب: إنهم ضيوف من الخليج أتوا ليتزوجوا من هذه القرية يقولون: إن بناتها جميلات وأنهن يمتلكن مهارة في صناعة الطعام».. تتابع وأنت تعرفن يا ابنتي أنهم ناس أغنياء يحبون الأكل النظيف والحياة المريحة. سعاد تستغرب صامتة لماذا اختار ذاك الرجل فاطمة بنت جارهم الذي عمرها لا يتجاوز الثانية عشرة ولم يختر اختها التي تكبرها بستة أعوام كونها أجمل منها بكثير؟! تتساءل أمها عن سر صمتها لمدة قصيرة، تخبرها سعاد ما كان يدور في خيالها، لتجد إجابة من أم لا تفكر سوى في ذلك اليوم الذي يأتي لتجد السيارة الفخمة واقفة أمام دارهم يطلبون يد سعاد الطفلة كذلك هو الأب الذي يتمنى ذلك. لتقول:«يا بنتي هم يختارون البنات الصغار عشان يعلموهن على أيديهم فيطلعن كما يريدون هم لا كما تعلمهن أمهاتهن». لم يكن ذلك الجواب مقنعاً لسعاد. تذهب سعاد لمذاكرة دروسها ليس لديها من يعينها على فهم بعض المسائل فهي الأكبر في أخواتها، تمر الأيام تشعر بأن اهتمام والديها نحوها قد زاد عن حده لقد أصبحا يأتيان لها كل صباح عند ذهابها إلى المدرسة بعض الخلطات لتأكلها لا تعلم ما هي، غير ما يقدمانه لها عند المساء من خضروات، وبيض ولحم. هي تظن أن هذا كله تدليل لها كونها الأكبر في أخواتها، هي لا تعلم أن كل هذا الاهتمام نحوها لكي يأتي ذلك الرجل الأجنبي وقد امتلأ جسمها باللحم ليأخذها مقابل ما تم الاتفاق عليه دون علمها. لقد بلغت سعاد سن الحادية عشرة مقابل ذلك قربت الفرصة لافتراسها. يدخل أبواها ذات ليلة يجلسان بقربها يدللانها، أمها تقول:«كيف القمر حقنا قدك مره ما شاء الله ما عاد بقي إلا يجيء ويتزوج ويدفع ثمن القمر».. تتابع موجهة سؤالاً لزوجها كم تقول: سيدفع مهر القمر؟. هذا؟ يجيب بصوت متسول: نريد وزنها ووزن أمها ذي أنجبتها ذهب. سعاد لاتزال في حيرة هل هي في حلم؟ لكنها تجد نفسها في واقع عندما خرج أبواها من جانبها تاركين خفقاناً في قلبها يذكرها بأن ذلك حدث، لم تنم سعاد فقد ظلت سارحة الذهن حتى الصباح لا تدري هل عليها أن تحزن لمثل هذا الأمر؟ لكن ما إن وشت ذلك الخبر لزميلاتها وباركن لها حتى بدأ الفرح ينعش جسمها، كيف لا تفرح لا سيما وإن من أكدن لها بأنها محظوظة سيصبحن فرائس مثلها. تخرج سعاد من سور مدرستها ومن حولها زميلاتها يحدثنها كيف سيعملن بعد رحيلها لكنها تؤكد لهن بأنهن سيتبعنها عندما يأتي آخرون ليطلبوهن زوجات لهم، سعاد منهكة من سفر الطريق إلى البيت وهي عائدة من المدرسة وقد اقتربت من منزلهم لمحت عيناها البريئتان إثر عجلات سيارة وقفت أمام منزلهم، لم تخطئ في شعورها بأن تلك أثار السيارة التي أتت في زواج فاطمة، تدخل وهي مسرورة متبسمة إلى أمها لتحتضنها وتخبرها أنهم جاءوا ليحددوا موعد العرس ثم يأخذها العريس ليقضيا شهر العسل في محافظات ساحلية. فعلاً يا أمي سأذهب معه لنشاهد البحر، تهز أم سعاد رأسها الفارغ مبتسمة نعم، نعم. بينما الأب منشغل في جمع الفلوس التي جلبوها معهم مهراً لسعاد بعد أن أعطوه مبلغاً يغطي تكاليف العرس خارجاً عن مهر سعاد، تلقت سعاد من زميلاتها كثيراً من الهدايا في حفلة أقيمت على شرف العروس – الفريسة - بينما الضيفان الأجنبيان مع عريسهما في المجلس يمضغان القات وسط رجال بعقول متحجرة يتقدمهم رأس المجلس والد سعاد يضحك معهم.يخرج العريس بعد أن ملأ فمه بورق القات متجهاً إلى سعاد ليقدم لها هديته التي تليق بها لا سيما أنها قد أصبحت زوجته بعد أن تم العقد، يتفق مع عروسته أنهم سيغادرون صباحاً، سعاد ليست فرحة بزواجها أكثر من أنها ستشاهد البحر. يأتي الصباح بينما سعاد تسمع وصايا عديدة من أمها ماذا عليها أن تفعل؟ وما وضيفة القطعة البيضاء التي من خلالها سترفع رأس أبيها بين الناس. تركب سعاد سيارة زوجها مودعة أسرتها لأيام قليلة، بينما الأب قد رتب للسفر مع زوجته وأولاده للذهاب في رحلة إلى صنعاء وعند مرور الأب بمنطقة تشتهر بنوعية القات أوقف الأب سيارته ليشتري رزما من القات ليتابع بعد بضع دقائق سفره. سعاد وزوجها في أحد الفنادق يستنشقان نسيم البحر القريب منهما، منتظرة أمر زوجها لكي تفعل ما وصتها أمها أن تفعله إذا طلب منها ذلك. يصل الأب أحد فنادق العاصمة ليبدأ في مضغ القات مع زوجته بعد فترة وجيزة يرن هاتفه ويتلقى خبر وفاة سعاد متأثرة بتمزق في جهازها التناسلي؛ كونها لم تتجاوز السن الذي يسمح بزواجها، وهكذا انتهكت تلك الطفولة البريئة وودعت أبويها للأبد بعد أن كانا قد أخذا وعداً منها بأنها ستزورهما بعد أيام.