من المصطلحات التي ظهرت في خضم القفزات والتطورات الهائلة في التكنولوجيا الرقمية ، مصطلح مجتمع المعرفة Knowledge Society ؛ هذا المصطلح الذي بدأ يروج بكثرة في أدبيات الإعلام المعاصر المرتبط ارتباطا وثيقاً بالثورة الرقمية الحالية. عندما نتحدث عن قصص الخيال العلمي Science fiction فنحن سنستحضر الكثير من القصص الخيالية التي قرانها في مرحلة المراهقة ، ولعل (سلاسل روايات مصرية للجيب ) كانت أول منفذ ولجنا من خلاله إلى هذا النوع من القصص قراءةً ، ثم بعد ذلك كانت أفلام هوليود حول الفضاء والأطباق الطائرة وخلافه هي الرافد الذي نقل تلك العوالم من فضاء القراءة إلى فضاء المشاهدة ، وبدأ أدب الخيال العلمي ينتشر بيننا بكثرة في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة التي حدثت في الآونة الأخيرة. نوع خاص فما هو أدب الخيال العلمي ؟ وهل يدخل ضمن مسمى الأدب؟ هناك تعريفات عديدة لهذا النوع من القصص ، يسرد منها الكاتب أحمد خالد توفيق - وهو أحد كتّاب أدب الخيال العلمي - بقوله : “ هناك تعريفات عديدة للخيال العلمي نذكر: - الخيال العلمي هو خيال ممزوج بالحقائق العلمية والرؤية التنبؤية، وبالذات هو ما يكتبه جول فيرن وه. ج. ويلز. - تخمين واقعي عن الأحداث المستقبلية المحتملة، تم تأسيسه على معرفة كافية بالعالم الخارجي والماضي والمستقبل، وفهم الطريقة العلمية. - الخيال العلمي هو مصالحة بين الأدب والعلم اللذين حسبهما الكثيرون متعارضين، يقوم أحدهما على الخيال، ويقوم الآخر على التجربة والاستقراء. لعل أهم ما يميز هذا النوع أنه مرتبط بالعلم في كل جوانبه ، وهو بذلك يختلف عن أدب العجائبية والفنتازيا Fantasia الذي يحوم فيه صاحبه كما يشاء دون أن يتقيد بقاعدة، يستند الخيال العلمي لزوما إلى معطيات العلوم الصحيحة، النظرية منها والتطبيقية. وهذا التقيد بالعلم والإنطلاق من نظرياته تنفي قول منْ يرون بتجذّر هذا الأدب في فكرنا العربي من خلال استشهادهم بقصص ألف ليلة وليلة والسندباد البحري وغيرها - كما يقول الكاتب أشرف فقيه - وهو أحد كتّاب أدب الخيال العلمي - “ لأن أصحاب هذا القول قد تشبثوا بصفة “الخيال” الأسطوري ونسوا صفة العلم تماماً. وهنا تكمن الفكرة. لأن الظاهر أن القيمة العلمية هي الغائبة عن العقل العربي عموماً في تعاطيه مع الأدب وفي تجربته النهضوية والتنموية عموماً.” وهناك من الكتّاب منْ لا يعترف بالخيال العلمي كصنف أدبي بل يبقيه ضمن العلم فقط ولا دخل للأدب به ، ومن هؤلاء أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ الذي دخل في جدل الكاتب المغربي أحمد عبدالسلام البقالي صاحب رواية (الطوفان الأزرق) حول قيمة هذا الأدب.. والجميع معذورون لأن نمو مثل النوع من الأدب - إن صحت العبارة - يكون ضمن بيئة علمية بحثية ، وهذا غير متوفر في عالمنا العربي ، فتكون النتيجة أن (يستورد) الكتّاب التيمات الغربية التي يدور حولها أدب الخيال العلمي ، وهذه التيمات صنعتها وانتجتها المجتمعات العلمية التي لا ننتمي لها وبالتالي كان هذا النوع الأدبي مولودا هجينا وغريباً عن هذه الأرض ، فاصبح هذا النوع ليس له من الأمر إلا أنه كُتب بألفاظ عربية ! هل هذا تفسير متشائم؟ يعلل الكاتب أحمد خالد توفيق هذا التفسير المتشائم لأن “ أدب الخيال العلمي قد ولد خاسرًا في بيئة تستهلك العلم ولا تنتجه.” تيمات الخيال العلمي لو تتبعنا التيمات التي تدور حولها قصص الخيال العلمي سنراها “ توسيع” الخيال لأمور علمية سواء كانت مجرد نظريات أو تجارب تُجرى ، ومن هذه التيمات الغرباء الذين يأتون من الفضاء على أطباق طائرة - وإن كان ارتباط القصص بها دائماً سلبياً وذلك بتصويرهم حضارات عاقلة تريد غزو الأرض! و يعلب علم الفيزياء دوراً مركزياً في إمداد كتّاب الخيال العلمي بأفكار لقصصهم ،فتأتي النظرية النسبية Theory of Relativity لأينشتاين في مقدمة هذه الإمدادات من خلال معضلة التوائم والسفر عبر الزمن سواء ً الرجوع للماضي أو الذهاب للمستقبل ، وكذلك اختراق الفضاء عبر الثقوب الدودية وغيرها .. وتأتي نظرية الكم Quantum Theory - النظرية المشكلة مع النسبية أهم نظريات الفيزياء الحديثة - لتقدّم أفكاراً ثرية من خلال الانتقال الآني Teleportation والتواريخ البديلة والاكوان المتعددة والعوالم المتناهية في الصغر .. وتلعب تكنولوجيا الإنسان الآلي Robot دوراً بارزا في قصص الخيال العلمي بل تخصص أحد الكتّاب في النوع من القصص وهو اسحاق عظيموف Isaac Asimov الكاتب الأمريكي الشهير .. ولعلم البيولوجيا يد طولى في قصص الخيال العلمي خصوصاً مع التطورات التي لحقته من الاستنساخ إلى الخلايا الجذعية مروراً بالهندسة الوراثية ومشروع الجينيوم البشري... ولا ننسى أن أدب الخيال العلمي حفل بأفكار الإنسان المثالية كالفردوس المفقود والمدينة الفاضلة لتوماس مور وغيرها ... هذا التيمات لا تكاد تنفصل عن العلم إلا قليلاً مما يتوجب على كاتب الخيال العلمي أن يلم بأساسيات العلوم لكي يسطّر قصته ، حتى لا تكون ضرباً في الفنتازيا البعيد عن العلم... الخيال والمعرفة يعمل الخيال رافداً كبيراً للمعرفة بجوار معطيات الواقع التي لا يتقوقع الخيال عندها يل يطورها ويبني عليها ليكوّن واقعا جديداً ، لكن هذه الملَكة التخيلية تحتاج إلى تنمية ولن يكون ذلك إلا من خلال تهيئة بيئة حاضنة توجهها إلى المفيد ،والبعيد عن عوالم الخرافة والشعوذة - الذي تنغمس فيه مجتمعاتنا العربية للأسف ! بالخيال نستطيع أن نرى المستقبل ، وبالعلم سنصنع ذلك المستقبل ... يقول العالم الكبير ألبرت أينشتاين: “الخيال أهم من المعرفة. بالخيال نستطيع رؤية المستقبل”. ويقول د أحمد زويل : “الجميل في أمريكا وهو ما جعلها تتقدم على العالم علميا، أن الخيال لا يُقتل وليست له حدود وكل المؤسسات تشجعه، والعالم الحقيقي المحب لعلمه لابد أن يحلم، واذا لم يتخيّل العالم ويحلم سيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئا”. وأخيراً يقول كاتب المستقبليات الأمريكي ألفن توفلرAlvin Toffler إن” قراءة الخيال العلمي أمر لازم للمستقبل.