من وسط التهنئات المتبادلة بين النساء وبعضهن والمرسلة من الرجال في المناسبات مثل اليوم العالمي للمرأة والذي يوافق الثامن من مارس من كل عام، ومن وسط الأطروحات المتكررة حول واقع المرأة في المجتمع، النظرة القاصرة إليها، حضورها، مشكلاتها، طموحاتها، التغيرات اليسيرة والآمال الواسعة، الاستطلاع التالي يتناول قضية أدبية خاصة بالمرأة ما زالت محل جدل مثلها مثل قضية المرأة ككل إذ لازال هناك من يطرح تساؤلات من منطلق المساواة مفادها: هل للمرأة قضية غير قضية الإنسان بغض النظر عن النوع؟ يصير هذا التساؤل في حقل الأدب الذي نحن بصدده: هل للمرأة أدب خاص كي تتسمى مجموعة من النصوص كتبتها نساء بالأدب النسوي؟ هذه القضية الأدبية وهذه التساؤلات طرحناها على مجموعة من الأديبات في اليمن والوطن العربي أجبن عليها بآراء تباينت وجهاتها مما يكرّس من جدلية موضوع يحتاج إلى أوسع من هذه الوقفة المناسباتية.. مفهوم ملتبس في البداية كان لابد من البحث عن المفهوم المفسر لمصطلح الأدب النسوي؛ والتساؤل عن النصوص التي ينطبق عليها هذا المصطلح وعن كتاب هذا الجنس الأدبي.. الكاتبة والروائية هند هيثم بدأت مباشرة بتحديد مفهوم الأدب النسوي كما تراه مزيلة اللبس الذي يقع فيه الكثيرون معتبرة أن “ثمة خلط مستمر بين الأدب الذي تُنتجه النساء وبين الأدب النسوي بمعنى الأدب الذي يتبنى وجهة نظرٍ الفلسفة النسوية بفروعها العديدة”. وتضيف هند: “الأدب الذي تكتبه النساء ليس نسوياً بالضرورة، بل قد يجتر منظومة القيم البطرياركية في المُجتمع، ويجتر صوراً نمطية عن النساء ناتجة عن منظومةٍ فكرية ميزوجينية (معادية للمرأة). الأدب النسوي، كذلك ليس بالضرورة أن تنتجه النساء، بل الأدب الذي يُقوض المنظومة المجتمعية التي تعمل ضد مصلحة النساء - وكل من يتعرض للتهميش في المجتمع عموماً”. وعن منتج هذا الأدب تعتبر صاحبة رواية (حرب الخشب) أن “نماذج الشخصيات النسائية القوية والمستقلة في الأدب غائبة”. مفصلة ذلك: الشخصيات النسائية عادة ما تكون إما مغوية، أماً، زوجة مضطهدة، أو منبوذة، أو مسترجلة ونادراً ما تخرج الشخصيات النسائية في الأدب عن هذه الأنماط إلا لتقع في أنماطٍ أكثر سوءاً. أصوات الشخصيات النسائية في الأدب - أياً كان كاتبه - مغمورة بأفكارٍ مُسبقة وتحيزات تجعل وجود شخصيات قوية في أساسها لها أحلامها الخاصة وفلسفتها الخاصة في الحياة، شخصياتٌ لا تُعرف نفسها أو يتحدد مكانها في النص وفقاً لنظرة الشخصيات الأخرى إلى صفاتها الجسدية نادراً. وعن وضع المرأة خارج الأدب تقول هند: ثمة إشكاليات عديدة تتعلق بحياةِ المرأة، من الصعب حصرها. بشكلٍ عام، فإن المرأة لا تُعطى حقوقاً آدمية متساوية. حق الاختيار في كل مجالات الحياة، حق العمل والتنقل، حق الاستقلال المادي والمعنوي. بالإضافة، بطبيعة الحال، إلى الحقوق الاقتصادية والإنجابية والصحية”. قضية كبرى وفي السياق ذاته عن قضية المرأة خارج موضوع الأدب تحدثت الشاعرة نبيلة الشيخ الحائزة على جائزة المقالح عن ديوانها (آخر العطر) قائلة: المرأة هي القضية الكبرى, التي ستعيد الأمور إلى نصابها, ولأن دورها الحقيقي قد أخذ منها, في مسيرة الذكورة الطويلة, فكان لابد أن يكابد هذا العالم هذا الشقاء. المرأة هي رمز السلام والمحبة والعطاء في هذا العالم, وهي رمز الجمال فيه, لذلك فقضيتها تدور مع الجمال والسلام, فهي تناضل الآن عن دورها المستلب, ليس من أجلها فقط, فحين تستعيده, فإن المجتمع سيستعيد قيماً كثيرة, تسربت منه بسبب إقصائها. المرأة عُرفت اقتصادية وسياسية وأديبة وعالمة, اقتحمت كل المجالات وتفوقت فيها, فقضيتها الكبرى الآن هي النضال لاستعادة هذا الدور على كل صعيد, وبعدها سيستعيد المجتمع توازنه الطبيعي في ظل احترام متبادل, وتمكين طبيعي وحقيقي لها. تهميش مبطن وعن الأدب النسوي لا تعترف نبيلة الشيخ بهذا الجنس الأدبي بل تعتبره نوعاً من التهميش المبطن, أو التمييز متسائلةً: «هل نذكّر ونؤنث الأدب أيضاً؟ الإبداع هو إبداع وبإمكان المرأة التحدث عن مشاعرها بعمق أكثر من الرجل ومن الممكن أن يكون العكس، فالمجالات مفتوحة للجميع”. وأضافت: هناك من يرى أن هذا نوع من الاحتفاء بالمرأة, أن يطلق على ما تكتب أدباً نسوياً، لكني أرى فيه تسطيحاً، فالمرأة تكتب أدباً إنسانياً وهذا أشمل وأعم. مرآة عمياء الكاتبة والقاصة أحلام المقالح تؤكد على وجود قضايا كثيرة تحاصر المرأة: «في ظل مجتمعات مازال بعضها يحجز المرأة خلف قضبان العادات والتقاليد والأعراف قصيتها في مجملها تُبنى على احترام وتحديد وترسيم ومنحها حقوقها التي تضمن حياة كريمة بجانب شريكها الرجل»، وبالنسبة للأدب تقول المقالح صاحبة مجموعة (مرآة عمياء): لا ننكر بتاتاً أن لها في الأدب زوايا وظلال تعبر عن رؤيتها الخاصة ومشروعية وجودها بجانب الرجل في ساحات العمل ولكنها مازالت تتعرض للتعنيف والتهميش، رغم ذلك هذا الأدب شحيح في بلادنا بسبب القيود التي تتمترس للمرأة خلف كل خطوة تخطوها أماماً نحو النجاح»، وعن سؤالنا عمّن يكتب الأدب النسوي لا ترى أحلام المقالح أن بإمكان الرجل أن يكتب نصاً ينتمي إلى الأدب النسوي مؤكدة «إن الرجل يكتب نفسه والمرأة تكتب ذاتها». لا أدب نسوي الشاعرة والناقدة التونسية عنان عكروتي بدأت حديثها برفض المصطلح من أساسه، إذ قالت: إن تسميات الأدب النسوي أو الأدب الذكوري تسميات تتجنّى على الأدب وتنسى أنه إبداع إنساني لا علاقة له باللون أو الجنس أو اللغة أو الدين، وهي دعوات تريد تكبيل المرأة وتغار من مدى قدرتها على التميّز والإبداع». واعتبرت مثل هذا الطرح «استمرار لفكرة خبيثة تحاول تقييد إبداع المرأة لأنها عندنا محاطة بقيود ثقيلة». الكثير منها موروث بحكم سيطرة العقلية الذكورية على المجتمع العربي الذي ظل يراقب المرأة في كل تصرفاتها ويريد أن يتعداها إلى الرقابة على أفكارها ومشاعرها التي بقيت بعيدة عنه تحت غطاء: الحرية ليست مطلقة ولها ضوابط. اعتداءٌ صارخ وعن سؤالنا: هل للمرأة قضية؟ أجابت الشاعرة التونسية: إن مجرد طرح سؤال «هل للمرأة قضية» هو اعتداء صارخ على المرأة كونها إنساناً مساوياً للرجل. نعم يا سيدي للمرأة قضايا وهموم تحملها وتناضل من أجلها، ابتداءً من المرأة البسيطة التي لا تحسن القراءة والكتابة انتهاءً إلى المرأة الجامعية. المرأة تحمل هموم أسرتها وتربية أبنائها ومسؤولياتها في الشغل وإلى جانب ذلك تناضل من موقعها في مختلف الميادين وهي الأمل الفعلي لمستقبل أمتنا مشرقاً ومغرباً. أعطيك مثالاً عن المرأة التونسية التي ضربت أروع مثال في التصاقها بقضايا التحرر والديمقراطية في تونس. وقد أثبتت الإحصائيات أن نسبة النساء المشاركات في الحراك الاجتماعي أعلى بكثير من نسبة الرجال. علينا أن نغير النظرة التقليدية التي حكمت الصراع في وطننا العربي، هذه النظرة الدونية التي تعتبر المرأة عبئاً على المجتمع، مستخدمة مسوغات أيديولوجية من قبيل “إن شاء الله” أو “الطبيعة اقتضت”. وأن نعتنق نظرة تقدمية تنسب مسألة المرأة وتتناولها من زاوية التاريخ والعلاقات الاجتماعية معتبرة أن الوضع الدوني للنساء ظاهرة مكتسبة ولّدتها السياقات التاريخية والعلاقات الاجتماعية”. خصوصية القضية ونختتم هذا الاستطلاع والذي لاحظنا فيه اتفاق من التقينا بهن على أحقية المرأة في التأكيد على خصوصية قضيتها وسعيها لتغيير واقعها.. نختتمه دون الحصول على مفهوم مشترك لما يسمى بالأدب النسوي ناهيكم عن وجود من ينكر التسمية من أساسها تكريساً لجدلية هذه القضية التي تحتاج الى المزيد من جلسات النقاش والدراسات المتكئة على ما أنجز في هذا المبحث المهم من مباحث الأدب.