يحدث أحياناً أن تلتقي إحدى الفضائيات بفنان من الفنانين وخاصة الفنانين الكبار «سناً وفناً» وأثناء اللقاء يطلب مقدّم أو مقدّمة البرنامج من الفنان المُستضاف أن يؤدي مقاطع قصيرة من أغانيه القديمة أو الحديثة أثناء اللقاء وأنا أرى أن مثل هذا الطلب يُثقل على الفنان ويسبّب له حرجاً خاصة الفنانين الذي تقدّموا في السن قليلاً ولم يعد بعضهم قادراً على تلبية هذا الطلب مباشرة وعلى الهواء, لأن بعض الفنانين تقدّموا في السن ولم تعد إمكانياتهم الصوتية بنفس الصفاء والنقاء والقدرة على الأداء بالشكل المطلوب.. يحدث هذا كثيراً في الفضائيات أتذكّر أنني شاهدت ذات مرة لقاءً من هذا النوع مع الفنان الكبير الراحل «طلال المداح» في قناة الفضائية السعودية، فكان مقدّم البرنامج يطلب بين حين وآخر من طلال مداح أن يؤدي مقطعاً من أغنية.. تكرّر ذلك طيلة اللقاء، وفي كل مرة كان طلال يحاول إعفاء نفسه من تأدية المقطع المطلوب ويشير إلى المذيع بأن يبحث بمساعدة المخرج عن هذا المقطع أو ذاك في مكتبة التلفزيون التي تحتفظ بمعظم أغاني طلال إن لم يكن كلّها، وهذه الطريقة هي الأفضل تقريباً لعدة أسباب أولها: إن الفنان لا يحفظ دائماً كل أغانيه، فمسألة تذكّرها في برنامج مباشر لا تجدي شيئاً.. ثانيها: إن الفنان في بعض اللقاءات لا يكون على استعداد لذلك لاعتبارات تختلف من فنان إلى آخر.. ثالث هذه الأسباب وهو الأهم: ما فائدة التسجيلات التي تحتفظ بها الفضائيات في مكاتبها إذا كانت غير قادرة على اجترارها وبثّها في الوقت المناسب والحرج كهذا الذي حدث لطلال المداح؟ لقد حدث هذا ويحدث كثيراً لكثير من الفنانين لعلّنا مازلنا نتذكّر اللقاء الذي أجرته الفضائية اليمنية مع الفنان محمد محسن عطروش في فترة مضت، لقد فوجئ العطروش عندما أعدّ مخرج البرنامج مقطعاً من إحدى أغانيه القديمة المسجّلة تسجيلاً مُتقناً عندما كان العطروش شاباً، فعندما انتهى المقطع واتجهت الكاميرا صوب العطروش كان مازال شارد الذهن ومشدوداً إلى شاشة التلفاز ولم يصحُ من حلمه الذي عاد به كثيراً إلى الوراء إلا حينما وصل إليه صوت مايسة ردمان قاطعاً عليه هذا الاستغراق ها.. أستاذ محمد.. مستكملة معه الحديث.. لحظة بالله خلّينا أشوف نفسي كيف كنت زمان وكيف أنا الآن، ليضحك الاثنان معاً.. فكما قلنا يجب أن يكون هناك استعداد مُسبق يمهّد لمثل هذه اللقاءات عند استضافة بعض الفنانين والتركيز على هذا الجانب الذي يسبّب حرجاً لبعض الفنانين خاصة كما قلنا لمن فقدت أصواتهم بريقها وأصابها شرخٌ أفقدها جزءاً كبيراً من صبابتها. طبعاً هذا لا ينطبق على كل الفنانين الذين تقدّم بهم السن قليلاً فما زال بعض الفنانين قادراً على الأداء المتمكن بغير مشقة أو كلفة، ومازالت أصواتهم هادرة وقادرة على العطاء والتألق رغم أن الأيام أكلت بعضاً من نقائها, فمن يشاهد ويسمع الفنان وديع الصافي يجد أنه بنفس القوة والعنفوان والتأثير رغم أن أكثر من ثمانين عاماً من عمره قد تصرّمت وهذا أيضاًَ ينطبق على فناننا الكبير أيوب طارش أطال الله عمره, فمازال صوته مجلجلاً وهادراً رغم بعض الانتكاسات الصحية التي رافقته طويلاً خلال مشواره الفني.. رغم كل ذلك مازال صوته آسراً للقلوب والألباب ينفذ إلى عمق الوجدان بسهولة ويسر.. وإلى الملتقى.