- ساعدت الفضائيات كثيراً على ذيوع وانتشار الأغنية الشبابية, هذه الموجة الصاخبة من الغناء التي أفسدت ذوقنا، وعلى وشك أن تفسد وتبدّد إحساسنا الجميل بالكلمة الراقية واللحن الجميل، والصوت العذب . نقول: ساعدت الفضائيات على نشر الأغنية الشبابية على نطاق واسع، وأصبح عدد فناني الأغنية الشبابية يفوق عدد المستمعين, فكل يوم يبرز صوت جديد يُضاف إلى هذه المجموعة وهذه الجوقة ليسهم في زيادة وتوسيع مساحة القلق والضوضاء في حياتنا. - ظهرت الأغنية الشبابية في السنوات.. وتناسلت ألحان هذه الأغاني ووصلت إلى درجة من التشابه يصعب فيها التمييز بين هذا اللحن أوذاك.. كما أن الطابع العام الذي يتسم به جلُّ هذه الأغاني هو «الركة في الكلمات والألحان» حتى لو وُجدت مسحة جمالية خفيفة في إحدى هذه الأغاني فإن طريقة أداء هذه الأغاني الذي يشبه العراك في حلبات المصارعة يبدّد ويُذيب ويلاشي تلك المسحة الجمالية.. هكذا نحن مع الأغاني الشبابية التي تبثّها الفضائيات.. يحيط بنا القلق ويساورنا الشك بل يقذف بنا اليأس إلى حد بعيد فلا نرى مجالاً للأمل في أن تُصلح الأغنية الشبابية ذات الايقاع الصاخب حال الأغنية العربية أو أن تضيف لها شيئاً ذا أهمية تُذكر في دنيا الغناء والطرب الأصيل. - ويمكن القول أيضاً: إن الأغنية الشبابية لا تحمل مضامين جمالية وتعبيرية وفنية راقية.. فمعظمها إن لم يكن كلّها بلا هدفٍ سامٍ يمكن أن يسهم في إثراء جانب الإحساس بالجمال وبالذوق الرفيع .. فالفن إذا لم يُسهم في إثراء الجوانب الوجدانية والحياتية عموماً لدى المستمع .. والفن أيضاًَ إذا لم يسمُ بالإنسان ويهذّب ويصقل مشاعره وأحاسيسه وعواطفه على نحو جميل ليس فناً.. وعلى ذلك فأغاني الفيديو كليب بما فيها من «زعيق» وصخب لايمكن أن تضيف إلى الأغنية العربية الأصيلة شيئاً.. بل يصل إخراج بعض أغاني الفيديو كليب إلى حد الاستهتار بالمستمع الناضج والواعي بما فيها من إسفاف يبدأ بالأضواء والانتقال السريع للكاميرا بين المَشاهِد, فلا تستقر على مشهد في الأغنية إلا وتنتقل إلى سواه في لمح البصر.. وكل ذلك يُجهد العين.. ويثير الامتعاض والقرف أكثر مماهو باعث على الهدوء والانسجام. - أين الأغاني التي تحلّق بك في فضاء جميل .. تطير بك على أجنحة النشوى والجمال .. تنقلك إلى مدى بعيد من الانسجام والصفاء والانشراح, تضيء أعماقك بفيض من التجلّي والحب.. تُنبت في ربيع أحلامك أجمل الزهرات الفوّاحة بعطر يملأ حياتك بهجةً وصفاء .. وتضيء في سمائك أكثر من نجمة مؤتلقة تبدّد وحشة الحياة وبؤسها , ولذلك أقول: أين الأغنية الشبابية الحديثة من كل ذلك؟ - وُجدت الأغنية القصيرة, بل القصيرة جداً في معظم الأحيان في كل مراحل الأغنية العربية التي مرّت بها كانت موجزة وإيقاعها خفيف وراقص.. لكنها لم تخدش حياءنا وإحساسنا.. كما فعلت الأغنية الشبابية.. لعل القراء في أوقات مختلفة قد فتحوا قلوبهم ومسامعهم رغبةً منهم في أن تتسلل إليها أغاني فيروز القديمة والتي لاتزيد بعضها عن جملة أو جملتين ولكنها إلى اليوم مازالت نابضة بكل جميل.. فصوت فيروز الساحر هو الذي جعلها متجدُدة في قلوب الناس لاتبلى. - وختاماً يمكن أن نُجمل ما قلناه آنفاً بأن هذه الموجة الغنائية العاتية إذا لم تراعِ جانب الابداع والإجادة واحترام ذوق المشاهد والمستمع وإحساسه فإنها حتماً ستندثر ولن يبقى إلا صداها كعزيف الجن في الأرض العراء.. ولعل الكثيرين قد لاحظوا سرعة اندثار هذه الأغاني .. فتظهر في بداية العام ولا ينتهي العام إلا وقد خفّ صداها وخبا ضوؤها وبريقها.. وهذا يؤكد أن الاغاني الشبابية إذا لم تختط لنفسها خطاً إبداعياً هادفاً يخدم المستمع ويؤثر إيجاباً في ثقافة أفراده فإنها لن تُعمّر طويلاً .. فهي لاتمكث في الوجدان إلا قليلاً. [email protected]