سدُ مأرب هو عنوان الحضارة اليمنية وعبقرية اليمنيين في مواجهة قسوة الطبيعة، والمتمثّلة في انعدام مصادر المياه الدائمة وشح مياه الأمطار الموسمية، وكذا في التضاريس الوعرة وتربتها غير الصالحة للزراعة والموزعة بين المرتفعات الجبلية والسهول الساحلية والصحراوية واستصلاحها وإحالتها إلى أراض تنتشر فيها المزروعات، من هذا المنطلق اتجه اليمنيون نحو بناء السدود وإقامة المدرّجات الزراعية، وكان لبناء السدود وتوابعها وما اشتق منها من الصهاريج والبرك والأحواض وكل ما له صلة بعمليات إرواء الأرض. بناء السدود في التاريخ اليمني كان أيضاً من أجل مواجهة الأضرار التي كانت تلحق ببعض المناطق اليمنية جرّاء تدفق السيول والفيضانات، والتخفيف من خطرها والحيلولة بينها وبين إلحاق الأضرار بالأرض والإنسان، هذا بالإضافة إلى أهميتها في تجميع وحفظ الماء للاستهلاك الإنساني والحيواني، وتلطيف الأجواء للمناطق بفعل تبخر المياه من تلك السدود وتوفير مصادر المياه للمناطق التي تعاني شح المياه والمرتفعة، كما هو الحال بالنسبة لسد شاحك الواقع شرقي صنعاء وسد ريدان الواقع في الغرب منها. يقدّم سد مأرب نموذجاً للحضارة اليمنية والعربية القديمة التي ظهرت في عصور ما قبل الإسلام في شبة الجزيرة العربية، وهو بمثابة معجزة هندسية تدلُّ على عبقرية الإنسان اليمني وحكمته في إدارة مياه الأمطار الموسمية والاحتفاظ بها لاستخدامها في أوقات الحاجة والشدّة. بني سد مأرب في عهد المملكة السبئية؛ وهي مملكة يمنية قديمة ظهرت في الفترة بين القرن العاشر والتاسع قبل الميلاد، أما تاريخ بناء السد فيعود إلى بدايات الألفية الأولى "ق.م" كما أن الآثار المكتشفة والدراسات التاريخية تشير إلى أن السبئيين حاولوا حصر المياه والاستفادة من الأمطار منذ الألفية الرابعة "ق.م" ما يدل على أن سد مأرب ليس هو السد الوحيد الذي بناه اليمنيون في عصر المملكة السبئية. ويشير الدكتور عبدالله علي الكميم في كتابه «هذا هو تاريخ اليمن» إلى أن قوم عاد هم الذين نالوا شرف السبق في بناء السدود، واستمرت التجربة وعمارة اليمن بعد قوم عاد آلاف السنين إلى أن ازدهرت التجربة في عهد السبئيين. لقد سخّر اليمنيون القدامى لدى تشييدهم سد مأرب الإمكانيات الطبيعية والجيولوجية الملائمة، واستفادوا من الخبرات السابقة لهم في هذا المجال؛ فشيّدوا السد في مضيق جبلي ملائم يتيح شق مخارج جانبية واسعة عبر الصخور. أقيم سد مأرب على وادي أذنة بين جبلي البلق الشمالي والبلق الأوسط، فوادي أذنة هو أعظم أودية اليمن، وجبال البلق هي سلسلة من الجبال تؤلّف الحاجز الأخير للمرتفعات الشرقية قبل أن تلتقي في الصحراء. لقد بلغ ارتفاع السد قديماً 18 متراً وطوله 700 متر ويروي حوالي 10000 هكتار من الأراضي، وبلغت مساحة بحيرة السد قديماً حوالي 8 كيلومترات مربعة، وسعته الإجمالية حوالي 55 مليون متر مكعب، أما الآن فتبلغ مساحة بحيرة السد 30 كيلومتراً مربعاً ويسع 400 مليون متر مكعب من الماء ويروي حوالي 16000 هكتار من الأراضي. بنيّ سد مأرب في الجهة التي تسيل منها السيول فتمكّن السد من حصر الماء كما زُوّد السد بثقوب أو أبواب لتسمح بقدر أكبر من التحكم بتوجيه المياه عقب استقرارها في الحوض وتم قطع حجارة السد من صخور الجبال ونحتت بدقة، ووضعت فوق بعضها البعض، واستخدم الجبس لربط الحجارة المنحوتة ببعضها، واستخدمت قضبان اسطوانية من النحاس والرصاص يبلغ طول الواحدة منها ستة عشر متراً وقطرها حوالي أربع سنتمترات توضع في ثقوب الحجارة؛ فتصبح كالمسمار فيتم دمجها بصخرة مطابقة لها؛ وذلك ليتمكن من الثبات أمام خطر الزلازل والسيول العنيفة. |المراجع 1 - الدكتور يوسف محمد عبداللة «الموسوعة اليمنية». 2 - الدكتور عبدالله علي الكميم «هذا هو اليمن».