من الأمور البديهية عند الفقهاء بل وعند الكثير من العامة أن من المقاصد العظمى للشريعة الإسلامية ( حماية النسل ) = الطفولة : ذلك أن الطفولة تدخل دخولا ً أوليا ً في موضوع الحماية والتي تعد من أهداف الشريعة . فحماية الطفولة – حماية المجتمع - ، حماية الطفولة – حماية مستقبل الأمة في تطلعاتها ونهضتها الحضارية ، فلا نهوض بدون عناية بالطفولة ، وتوجيهها التوجيه الأمثل نحو الريادة . غير أن هذا المقصد الشرعي الخطير في الواقع اليمني اليوم يعيش في مثلث الدمار ، يعيش حالة تهديد ونذر خطيرة ماحقة للطفولة – مستقبل الأمة – فكم سمعنا ولا زلنا بين آونة وأخرى ما تلاقيه الطفولة من سحق تنخلع لسماعه القلوب ، الأمر الذي يجعلنا ندق وندق أجراس الإنذار كي نلتفت إلى الأسباب التي أدت ولا زالت تؤدي إلى هدم هذا المقصد الشرعي ، وما لم يتحرك العقلاء لتجفيف المنابع والأسباب التي تطالعنا كل يوم بكارثة في حق الطفولة سببها أشد وأغرب فضاعة من الأسباب التي حصلت ؟ فإذا كنا بالأمس نبكي إزاء فاجعة – أب يقتل أبناءه عنادا ً لأمهم المطلقة ؟؟ فكارثة اليوم أمهات أغلقن البيوت وذهبن والضحية (8) أطفال في أسرتين في القرية وفي المدينة وفي زمن قياسي ؟! . وسبب آخر طفل يبيع ماء فيلقى حتفه بطلقة طائشة وآخر يعبث بقنبلة أو لغم من مخلفات الأعراس أو الحروب الطائفية القبلية ؟! ويأتي تقرير الأممالمتحدة أن (564) طفلا ً في اليمن خلال (2011-2013م) لقوا حتفهم ( رقم مفزع ورب الكعبة ) دفعني اليوم للخروج عن المألوف في حلقاتنا السابقة ، إستقراء ً واقعيا ً للأسباب السابقة تؤدي إلى هدم هذا المقصد الشرعي الحيوي الهام فأقول : ا كل البراءة والطهر .. من الذي دفعك إلى مثلث الرعب – عمالة ، قتل ، خطف ؟ !!يعيش وطننا اليمني عموماً ، وعاصمة الثقافة اليمنية ( تعز ) خصوصاً ، حالة من الفوضى في مجالات مختلفة وبنسب متفاوتة ! غير أن الجانب الأمني - وفي تعز بالذات – احتل مرتبة الصدارة ، هذا الاختلال الأمني امتدت ذراع الإجرام في غيابه إلى جانب مخيف جداً ، أنه جانب الطفولة ! وأصبحت الطفولة – مستقبل الوطن- في مثلث الدمار :عمالة ، قتل ، خطف .إزاء كل زاوية من زوايا هذا المثلث المرعب ، نماذج وصور من الإجرام ( العار المتطور ) ؟! إنها نماذج إجرامية يتحاشى فعلها إبليس ذاته .. نموذج مقتل الطفلة ( مرام ) في حارة الروضة بتعز ، في الفترة الماضية ، والذي خلَّف رعباً اجتماعياُ غير مسبوق ، ونماذج لا تقل عنه رعباً سنوردها لاحقاُ . كان المجتمع في منتصف التسعينيات يتألم إزاء سرقة الفرحة والبسمة من الأطفال ، كسرقة حقه في اللعب في الحدائق في المناسبات العامة كحد أدنى ، لكن هذه المحنة تصاعدت إلى التسرب من المدرسة ، حيث بلغ رقم الطلاب المتسربين من المرحلة الأساسية في منتصف العقد الماضي قرابة ( 800 )ألف طالب وطالبة ، حسب الإحصاء الرسمي !! هذا التسرب تشكَّل منه مثلث الدمار ، بدءاً من عمالة الأطفال ، إلى جرائم قتل بصور مختلفة ، واغتصاب وقتل ، وخطف ، وأمور أخرى : تسول ، ِشلَل فساد ،..إلخ إذن نحن أمام محنة تؤرق كل عاقل .. لقد وقفت إزاءها مراراً ، وكتبت عنها نقاطاً في مذكراتي الخاصة. قتيل أخطأ المكان وفي يوم 5/5 / 2013 ظهراً انتشر خبر مقتل طفل في الحوبان ، كان يبيع ماء على المارة ، فخطتفة طلقة الموت الصادرة عن جماعتين تابعتين لنافذَين ! وأيا كانت الحادثة ، سقوط طفل أم كبير فإنني وجدت نفسي أمام أسئلة حاصرتني لساعات طويلة ، حاولت ضبط الأسئلة المتشعبة ، مستحضراً روح الطفل (القتيل ) فوجهت الأسئلة إليه أولا ، ومن خلاله إلى الطفولة في اليمن عموماً ، ثم إلى المجتمع.. هدفي تحريك أقلام الكتاب صوب مناقشة هذه المحنة العمياء والجريمة غير المسبوقة في كل الشرائع والأعراف . فيا أيها الطفل القتيل ، يا كل البراءة والطهر: ما الذي دفعك إلى هذا المصير المرعب ؟ علام قتلوك ؟ ومن الذي قتلك؟ وإليكَ سؤال أهم : أين كنت ؟ وسؤال الأسئلة : ما هي الأسباب التي أخرجتك من ميدانك الحقيقي بين أقرانك في الفصول الدراسية ؟ ما الذي دفعك إلى غير ميدانك ؟ هل أنت أول وآخر قتيل ؟ أيها البرعم المنسحق تحت أقدام أشباح ينتسبون إلى البشر ، إن براءتك جديرة بالانسحاق بمجرد رؤيتك تلك الوجوه التي نبتت وترعرعت بجوار شجرة الزقوم.. أيها الزهرة الذاوية المبعثرة الأوراق تحت أعاصير خريف الضياع العابث ، هل طالك سهم القدر (عشوائياً ) ؟ .. إن تفكيك جذور المحنة قد يفهم منه القارئ المتسرع أحد أمرين ، إما أننا نلومك ، وإما أننا نبرئ المجرمين ،والصواب هو هذا وذاك ، فكل ما نريد الوصول إليه هو معرفة الأسباب التي قذفتك إلى الشارع ( غير ميدانك) والهدف هو السعي الجاد والسريع إلى إعادتك إلى المدرسة (ميدان عمرك المناسب) إننا إزاء جرح متقيح مزمن ، فاغر لفمه في عدة اتجاهات ، والذي أحدث هذا الجرح ( قوة جاهلة ) رأيت لسنوات تدميرية ممنهجة في مجالات شتى ، وكنت أيها الطفل الجريح الأنكى والأخطر .. فيا رمز البراءة ، يا مستقبل وطن لفحتكم ريح السموم، وستستمر في عبثيتها التي يعجز القلم عن تصويرها ، ستستمر العبثية القذرة التي لا تستطيع ريشة الفنان الملهم التقاطها . نعم ستستمر إذا لم يبادر العقلاء الغيورون على هذا الوطن ، مُجندين أقلامهم وتفكيرهم في سبر أغوار هذا الجرح المتقيح ، بل والمتهيج المنذر بمزيد من التجرثم الوبائي ! أيتها الطفولة : وأنت تواجهين مثلث التدمير ، أيها الطفل القتيل : هل واقعك الأسري هو السبب المباشر في مقتلك ؟ حاول أن تجيب .. كيف ولِمَ تخلت الأسرة عن عودتك إلى المدرسة؟! لا جواب.. إذن نحن أمام عبثية .. مرارتها زلزلت التفكير، فانجرف السؤال .. أسئلة كسيناريوهات مُبكية !! دعونا نستنطق الواقع الموارى بما فيه .. لعلك يتيم.. إخوانك كثيرون لا عائل لهم ، فخرجت لتنقذهم من الهلاك ، فهلكت .. ربما والدك تزوج بأخرى ، وتركك مع أمك وحشد من الإخوة لقمة سائغة لهذا المشهد العبثي ، فكان مصيرك .. لعل السبب هو وليد تصرفات معروفة ( دراما عابثة متكررة ) تزوج أبوك بأمك تحت الإكراه وإغراء النقود التي اقتادت أمك كالشاة .. فأنجبتك ، لكن بعد وفاة أبيها انطلقت لا تلوى على شيء ضاربة بعواطفها تحت قدميها ، وفسخت نكاحها ، فعاقبها أبوك بأن تزوج، وتركك لهذا المصير الملعون ، وربما أن أباك اللامسؤول يدفعك لتوفير حق القات أو الدخان ، مع أن هذا السبب كان نادراً لكنه يتنامى بشكل ملحوظ . هل سقط أبوك في حرب صعدة العبثية ، وضاع اسمه من الكشف المحال إلى الضمان الاجتماعي ، فخرجت لتلاقي هذه الجائزة تكريماً لأبيك الشهيد ؟ .. ربما كان الأمر أسوأ فأدى إلى إعاقة معاش أبيك ، وحجزه ، كونه لم يُسلَّم سلاحه الشخصي..! لم لا يكون السبب المباشر هو رفاق السوء ( شلة التدخين والتخزين) فهي ظاهرة ملحوظة وسط شريحة الأطفال ؟ ألا يكون أبوك عائداً مطروداً من دولة الجوار، مُزقت الفيزا الخاصة به ، أو بطاقة عمله ، في حين أنه لم يتمكن من سداد ثمنها الباهظ ؟! ربما هو متسلل، وقد أُلقي القبض عليه مراراً، وأُودع السجن لأشهر، فعاد محبطاً بعد مُلاقاته إهانات قاسية ؟ أو يبدو أن أباك سجين بسبب ديون عجز عن دفعها ؟ .. لعل أباك كان ميسوراً في عمل تجاري شعاره الصدق إلى حد كبير ، لا يعرف اللف والدوران ، ولا الذهاب إلى منزل مدير الجمارك والضرائب ، ولا يدفع 60 % من الزكاة للنافذين ، فضاعفوا عليه الضرائب ، وافتعلوا له المشاكل ، فكان مصيره الإفلاس كنتيجة طبيعية في مجتمع تحكمه مواخير الفساد ؟ أنخشى أن مصيرك هذا كان وسام ضياع كان قد لبسه أبوك ، وهو يرافق أحد النافذين بحثا عن التخزينة واستعراضات ( ذاتوية ) جوفاء ، وسقط صريعاً ، فنسيه النافذ..نظراً لتنامي هؤلاء الجوَّف ..! والنتيجة أنك دفعت الضريبة ثلاث مرات : انحراف أبيك ، والصنم الصغير نسيه ، وجاء سقوطك على يد صنم آخر .. ألا يكون أبوك هو الذي خرج بالأمس باحثاً عن عمل - كحالك اليوم - فسقط بطلقة أحد المتهبشين على الأرض ، أو المتعصبين مع أو ضد ؟ لا.لا. لعل الصواب أن أباك هو أحد المظلومين ، إذ جمع تحويشة العمر، واشترى قطعة أرض ، وحاول حجزها ، فجاء متهبشون ، وأطلقوا النار، وسقط أحد المارة قتيلاً ، فتحمل أبوك هذه الجريمة ، وباع الأرض ، واستدان الكثير، ولم يصل إلى النهاية بعد ، وهو الآن يعيش حالة ( فقر مدقعة ) فخرجت إلى مصيرك !! يساورني شك أنك أيها البريئ ضحية وعد من مدير مدرسة ، أنه سيمنحك شهادة نهاية عامك الدراسي مقابل مبلغ معين .. فخرجت لاهثاً تريد الفوز بالمال والشهادة في آن .. لعل ما أغراك أكثر هو مشاهدتك طابوراً طويلاً من داخل مديريتك ومن خارجها أمام بيت هذا المدير أو ذاك ، ممن تجمعهم عصابات الفساد .. عصابات أُقسم لو أن فلساً سقط في القذارة وشاهده أحد من هؤلاء وكان مكتوف اليدين ، لالتقط الفلس من بين القذارة بفمه دونما خجل أو تأفف !!عفواً ، عفواً ..تذكرت أباك جيداً ، إنه أحد ضحايا الغدر القذر في دوفس ( مذبحة أبين) ضمن ( 118 ) ضابط وجندي ،حيث فصل رأس أبيك عن جسده ، وجُهلت شخصيته ، فكان هذا الضياع والعدمية هما من قادك إلى مصيرك الأسود.. لمَ لا يكون أبوك أحد متقاعدي الكادر القديم الذين يتقاضون مبلغاً تافهاً لا يفي بثمن الكهرباء والماء ؟ أكاد أجزم أنك ضحية أسرة تعيش حالة تدين ( منقوص ) أنجبتك إلى جانب أكثر من عشرة إخوان ، وهدفها المكاثرة بكُمْ يوم القيامة ! هكذا تدين أحمق شعاره الرازق هو الله ، كلمة حق صادرة عن تَديُّن فاشل .. ولم يمر على أبيك سوى عقد من الزمان فإذا به زعيم طاقم من الجوعى ، فهو ظالم لكم وظالم للدين .. نماذج من العار المتطور!! 1- نسوق إليك أيها الطفل القتيل هذه الواقعة ، والتي تجعلنا نقول لك : مهما كان قتلك ، ومهما كانت دوافع خروجك ، ومهما كانت الأسباب على مرارتها فإنها تتضاءل أمام هذا الحادثة التي كان ضحيتها طفل مثلك.. إنه فليم مرعب لا يتصوره خيال فيلم جاء ب (غُرة ) القرن العشرين في قرية تابعة لمحافظة تعز ، حيث فوجئنا بتنفيذ حكم قصاص بطفل مثلك ، أصدره (مُدَزْبِمْ ) – من ديزبام – انتصاراً لعصبيته المنتقمة ، وتم ربط الطفل على شجرة ، وجيئ بطفل آخر، فأفرغ فيه (30) طلقة ؟! علماً بأن زميلك ( في الموت ) لم يكن قاتلاً حتى يُقاصص به ؟ 2- في عام (2007 ) تقريباً في محافظة ذمار طالعتا الصحف بحادثة كشفت أن أشاوس من أحفاد الأقيال قد ترقَّى بهم العار إلى مرتبة أكثر انحطاطا .. مجموعة أشاوس (مُشوربين ) اقتادوا الطفل اليتيم (محمد ناصر ) من بيت شيخ القرية إلى وسط السائلة ، وهم يعلمون براءته تماماً ، وأن الذي قتل قريبهم هو شخص آخر ، والتهمة التي وُجَّهت للطفل (محمد ناصر ) أنه صاحب القاتل !! وتجمع المشوربون ، وعددهم فوق العشرة ، وأفرغوا جميع ما لديهم من رصاص ، وأمه بجوارهم ! غير متوقعة لما حصل ؟. 3- وقبل شهرين تقريباً أقدمت عصابة مدججة بالأسلحة ، وبصورهم الديناصورية المرعبة على خطف طفلة ( أربع سنوات) من قلب العاصمة ، والطفلة حفيدة لإحدى الشخصيات السياسية ذات التوجه المدني ، وتم اقتيادها إلى منطقة بعيدة ، فاضطر داعية الدولة المدنية لاستنفار قبيلته ، وبعد (12) ساعة أُعيدت الطفلة وهي في حالة ذهول غريب، كما قيل !! فهل من تعليق يا أرباب القلم ، أم نقول جميعاً : مليار لعنة على العار المتخلف ، والعار المتطور في آن ؟!