جامعة تعز، والوظيفة التعليمية: في ضوء كل ما ذكرناه من تأصيل نظري لدور المؤسسات التعليمية في مجال التعليم العالي، والبنية التشريعية التي تؤسس وتوجه أنشطة التعليم العالي في الجمهورية اليمنية، نحاول معرفة ما تقوم به جامعة تعز في مجال التعليم ليتضح مدى قدرة الجامعة على تحقيق الأهداف العامة للتعليم العالي في الجمهورية اليمنية، وكذا ما احتوته الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، وذلك على النحو الآتي: أ- برامج التعليم التي تقدمها جامعة تعز: يتبين أن نوعية التعليم الذي تقدمه الجامعة تعليم إنساني (نظري) لا يخدم التنمية في المجتمع بل يؤدي إلى تكديس الخريجين من ذوي التخصصات النظرية في المجتمع كعاطلين عن العمل، بينما تقل التخصصات التطبيقية التي يحتاجها المجتمع، مع العلم بأن هناك بعض التخصصات التي يحتاجها المجتمع سواء في الكليات الإنسانية أو الكليات التطبيقية، وينعدم توفر هذه التخصصات بين القوى العاملة الوطنية بشكل ملحوظ وأكثر العاملين فيها من خارج اليمن في الوقت الذي تستطيع الجامعة أن تمد المجتمع بهم إذا تم تبني هذه التخصصات في برامج الإعداد في الجامعة، وبالمقابل تستطيع الجامعة إغلاق بعض التخصصات التي يعاني المجتمع من تكدس الخريجين فيها، ومن التخصصات التي يحتاجها المجتمع والتي لا تتضمنها برامج جامعة تعز (معلم التربية الرياضية، معلم التربية الفنية، معلم التربية الموسيقية، معلم تعليم الكبار، علوم البيئة، علوم الفلك والأرصاد، العلوم الزراعية، هندسة مدنية ومعمارية، هندسة النفط، علم الأورام، طب الأسنان..........إلخ من التخصصات التي يحتاجها المجتمع). ب- الطاقة الاستيعابية لجامعة تعز: كما يتبين أن عدد الطلبة الذين يتم استيعابهم في جامعة تعز مازال أقل من المستوى المطلوب إذ بلغت نسبة الطلبة الذين تم استيعابهم بالمتوسط سنوياً (23.9 %) طالب وطالبة من خريجي الثانوية العامة، وهذا يعني أن (76.1 %) طالب وطالبة من خريجي الثانوية العامة يواجهون الحرمان في حصولهم على حق مواصلة التعليم الجامعي، الأمر الذي يدفع بهذا العدد الكبير من الطلبة للذهاب باتجاهات ثلاثة وهي: - البحث عن فرصة قبول في الجامعات الحكومية الأخرى المنتشرة في محافظات الجمهورية. - الالتحاق بجامعات ومعاهد وكليات خاصة وذلك لمن لدى أسرهم القدرة على نفقات المعاهد والجامعات الخاصة. - الخروج من مسار مواصلة التعليم في اتجاهات شتى منها البحث عن فرص عمل، أو الانحرافات الاجتماعية بمختلف صورها. ج- توزيع الطلبة على كليات جامعة تعز: يتبين من خلال توزيع طلبة جامعة تعز المستجدين على الأقسام والتخصصات المختلفة في الكليات، للعاميين الجامعين من 2005 – 2010م، الآتي: - غلبة التخصصات الإنسانية (النظرية) على التخصصات التطبيقية. - زيادة عدد الذكور على عدد الإناث في بعض التخصصات. - إغلاق الجامعة لبعض التخصصات في كلية التربية مثل تخصص التربية الإسلامية، والجغرافيا، والتاريخ، بينما تم افتتاح تخصصات جديدة في الكلية مثل تخصص علوم القرآن، ومعلم المجال بفروعه المختلفة ( اجتماعيات، إسلامية، رياضيات، علوم، إنجليزي)، ومعلم الصف. - إغلاق الجامعة لبعض التخصصات في كلية العلوم وهي: بيولوجي كيمياء، وكيمياء بيولوجي، كيمياء فيزياء، فيزياء رياضيات، رياضيات فيزياء، وتم فتح تخصص عالم الطفيليات. - فتح الجامعة لتخصصي التسويق وإحصاء ونظم المعلومات في كلية العلوم الإدارية. - فتح الجامعة لتخصص الإنجليزي آداب في كلية التربية. - افتتاح شعبة التربية بمخلاف. ومن الملاحظ أن جامعة تعز في افتتاحها للتخصصات الجديدة في بعض الكليات أو إغلاقها لتخصصات أخرى يأتي بطريقة ارتجالية وعشوائية وليس وفقاً لتخطيط مسبق يدرس احتياجات المجتمع ومتطلباته من القوى العاملة، مما يؤدي إلى تدفق الخريجين وتكدسهم في المجتمع بدون عمل، وهذا يزيد من بطالة الخريجين لعدم احتياج المجتمع لهذه التخصصات، في الوقت الذي يعاني المجتمع عجزاً كبيراً في تخصصات أخرى. د- مخرجات جامعة تعز: يبين أن ترتيب الكليات حسب النسبة المئوية جاءت متقاربة في العامين الجامعيين (2007/2008)، حيث جاءت كلية التربية في المرتبة الأولى فيهما بنسبة (34.01 %) للعام الجامعي 2007/2008م، وبنسبة (33.13 %) للعام الجامعي 2009/2008م، مما يعني أن دور جامعة تعز يقتصر فقط على تخريج عدد هائل من التربويين الذين لا يحتاجهم المجتمع، فضلا عن القصور في إعدادهم وتأهيلهم، وفق الدراسات التي أجريت لهذا الغرض، بينما جاءت كلية الآداب بالمرتبة الثانية للعام الجامعي 2008/2007م بنسبة (14.15 %)، والمرتبة الخامسة للعام الجامعي 2009/2008م بنسبة (7.53 %)، واحتلت كلية التربية والآداب والعلوم في التربة المرتبة الثالثة في العام الجامعي 2009/2008م بنسبة( 21.03 %)،واحتلت نفس المرتبة في العام الجامعي 2008/2007م، بنسبة (13.35 %)، بينما احتلت كلية التجارة المرتبة الرابعة في العام الجامعي 2008/2007و، بنسبة (13.17 %)، والمرتبة الثالثة في العام الجامعي 2009/2008م بنسبة (14.12 %)، بينما احتلت كلية العلوم المرتبة الخامسة في العام الجامعي 2008/2007م بنسبة (10.27 %)، والمرتبة الرابعة في العام 2009/2008م بنسبة (9.06 %)، واحتلت كلية الحقوق المرتبة السادسة في العام الجامعي 2008/2007م بنسبة (9.96 %)، والمرتبة الرابعة في العام الجامعي 2009/2008م بنسبة (6.37)، بينما احتلت كلية الهندسة المرتبة السابعة في العام الجامعي 2008/2007م بنسبة (3.67 %)، واحتلت شعبة التربية بمخلاف المرتبة السابعة في العام الجامعي 2009/2008م بنسبة (3.76 %)، بينما جاءت كلية الطب في المرتبة الأخيرة في العامين الجامعيين 2009/2007م بنسبة (1.44 %، 1.20 %) على التوالي. وهكذا نجد أن التخصصات التطبيقية جاءت في أسفل الرتب أو بنسب متدنية جداً، بينما احتلت الكليات الإنسانية الرتب الأولى، مما يعكس غلبة الخريجين في هذه الكليات وقلتهم في التخصصات التطبيقية التي يحتاجها المجتمع. الرؤية المستقبلية: ويمكن للتدريس الجامعي في جامعة تعز الإسهام في تعزيز تنافسية مؤسسات التعليم العالي عبر توجيه اهتمام مؤسسات التعليم العالي إلى بعض المتطلبات مثل: سياسة القبول في الجامعات، أنظمة تقويم الطلبة، سياسة استقطاب أعضاء هيئة التدريس وتقويم أدوارهم وتطويرهم، تطبيقات التعليم الالكتروني، نوعية البرامج التعليمية المقدمة، الاعتماد الأكاديمي لتلك البرامج، برامج الإرشاد الأكاديمي للطلبة (الصالح، 2012) نوضح ذلك على النحو الآتي: أولاً: سياسة القبول: يجب أن يفتح القبول للقادرين على تحقيق متطلباته، وينبغي استبدال شهادة الثانوية كأساس للالتحاق في الجامعة بامتحان للقبول في الجامعات حيث يتم وضعه من قبل مركز وطني للامتحانات والقياس. ثانياً: أنظمة تقويم الطلبة: يجب وضع نظام لتقييم تعلم الطلاب يضمن امتلاك الطلاب المعارف والمهارات والجدارات المتوافقة مع أهداف المؤسسة والأهداف المنشودة من التعليم العالي (الأغا والأغا، 2010). ثالثاً: سياسة استقطاب أعضاء هيئة التدريس وتقويم أدوارهم وتطويرهم: يجب وضع سياسة متشددة للتعيين تراعي الأهلية والشفافية، ويجب وضع برنامج شامل للابتعاث للجامعات المميزة، وتأهيل أعضاء هيئة التدريس الحاليين، وربط الترقية بمستوى الأداء، واستبدال نظام التثبيت بنظام العقود (المعاني، 2009). رابعاً: تطبيقات التعليم الالكتروني: توجيه الاهتمام نحو تطبيقات الإدارة الالكترونية، الاستثمار في البنية التحتية لتقنية المعلومات بما يدعم عمليات التدريس والبحث العلمي وإنتاج المعرفة، تحديث وصيانة مصادر المعرفة وأوعيتها. خامساً: نوعية البرامج التعليمية المقدمة: يجب أن تكون البرامج التعليمية عبارة عن موضوعات بحثية وهذه خطوة أولية لتخريج الطالب الجامعي باحثاً يعتمد في الوصول إلى البيانات والمعلومات على نفسه بتوجيه وإرشاد المحاضر، لا كتاباً وملزمة محددة يتلقاها الطالب حسب طريقة التدريس القديمة، ولابد من مراجعة مستمرة للمساقات الجامعية وذلك لضمان (الحداثة، المواءمة، التفكير التحليلي، التعلم الذاتي، إكساب المهارات)، كما يجب اكتمال المراجعة خلال سنة واحدة وتكرارها كل خمس سنوات ويقترح تشكيل لجنة لدراسة البرامج التعليمية من حيث الحاجة لها، وإمكانية تطبيقها، وتوفر فرص العمل لخريجيها، وتحديثها باستمرار لكي لا تتخلف وراء التطور الدائم والسريع لعلومها، ويتضمن المساق الدراسي برامج ذات علاقة بميول الطلبة الأكاديمية والمهنية ومساقات تتركز حول مشكلات معينة بدلاً من مساقات تتركز حول مواد دراسية، ويتم التركيز في المساق على التصورات الجديدة المتعلقة بالمقارنات الثقافية والأهداف الإنسانية العالمية، وعلى فهم الطالب لنفسه ولمكانته في المجتمع، وعلى الأهداف المتعلقة بالكفايات التي سيتقنها في النهاية (الأغا والأغا، 2010). سادساً: الاعتماد الأكاديمي للبرامج التعليمية: تعد ملاءمة البرامج التعليمية للاحتياجات التعليمية وأهميتها لمتطلبات سوق العمل على المستوى المحلي والإقليمي والعلمي، ومدى توافر الاحتياجات الأساسية البشرية والفنية والمادية اللازمة لتنفيذ البرامج التعليمية القائمة بمستوى نوعي وكمي من شروط الجودة الشاملة ومتطلباتها، ومدى اختيار المحتوى (المادة التعليمية، والخبرات التعليمية) النظرية والعملية بدلالة الأهداف التعليمية ونوعيتها بما يحقق التوازن الأفقي والرأسي للمادة التعليمية، مدى استكمال محتوى الخطة الدراسية على المستوى المعرفي النظري والعملي والتقني الذي يمكن الطالب من امتلاك معرفة نوعية فعالة ومهارات علمية لتطبيق المعرفة المتخصصة عن طريق استخدام الوسائط التكنولوجية المتعددة اللازمة لتفعيل المعرفة المتخصصة، مدى إخضاع الخطط الدراسية إلى المراجعة والتقويم بمشاركة أعضاء هيئة التدريس والخبراء والطلبة لتطوير هذه الخطط كل 5 – 6 سنوات حتى تبقى الخطط الدراسية مواكبة مع المستجدات والمتغيرات الثقافية والمعرفية والتكنولوجية للمحافظة على فعاليتها وصدقها مع متطلبات الواقع الاجتماعي (الخوالدة وآخرون، 2005). سابعاً: برامج الإرشاد الأكاديمي للطلبة: وجود جهاز متخصص ومتفرع وكاف للقيام بدور التوجيه والإرشاد الطلابي له أثر كبير على تكيف الطلبة مع النظام الجامعي ومعرفة المتطلبات والمستلزمات التي لابد أن يتكيف معها الطالب الجامعي، كما يوجه الطلاب الجدد على اختيار التخصص المناسب لهم، ويحول دون تخبطهم بين التخصصات المختلفة في الجامعة. الملخص: في ضوء الواقع الذي تم عرضه في المحاور السابقة، نجد أن هذا الواقع عكس نفسه سلباً على تخريج أعداد كبيرة من طلاب الجامعة إلى سوق لا يحتاج إليهم وإلى مجالات تنموية لا تستفيد منهم، بما أفضى إلى وجود أكثر من شخص واحد في موقع وظيفي واحد، إذ يعد الفائض من الموظفين لذلك الموقع عبئاً عليه بكل المعايير والمواصفات الوظيفية، فضلاً عن انتشار ظاهرة البطالة بين خريجي الجامعة بمختلف تخصصاتهم العلمية والإنسانية، ومن هنا وجب التنبيه إلى ضرورة ما يأتي: تحديد ورسم سياسة قبول والتحاق مرنة ومدعمة بالمعلومات الدقيقة تحقق توسيع الالتحاق وتنويع مجالاته وهيئاته ترتبط ببنية العصر وتؤدي إلى: - ضبط سياسة الباب المفتوح. - ربط الالتحاق بمعايير ونسب محددة علمياً ومنهجياً، تقود إلى الاختصاصات المطلوبة المحققة لأهداف التنمية والمجتمع، ومتغيرات السوق وحاجات الشباب. - فتح أبواب القبول لجميع الراغبين على قاعدة التنوع في المجالات والاختصاصات والبرامج الزمنية وفق رؤية تربوية ومنهجية. - تحديد السياسة كل عام حسب مدخلات العام ومتغيراته، والارتباط العضوي بمعلومات وبيانات إحصائية وتخطيطية دقيقة مستقاة من المؤسسات الرسمية والأهلية، ومراكز الدراسات والبحث والإحصاء. - وضع ضوابط ومعايير للقبول محكمة بقواعد الأهداف والسياسة التعليمية ووظائف التعليم الجامعي. - تحديد نظام متابعة إدارية وفنية للطلاب، يستوعب دوره ويعطي معاني الالتحاق بالتعليم الجامعي، وأهمية البرامج التي تقدمها في تشكيل الطلاب ورسم مستقبلهم الوظيفي والاجتماعي والثقافي على حد سواء .