هي قضية موسمية اعتدنا أن يحتدم حولها الجدل في كل عام! دبجت في نقدها الخطب وكتبت في هجائها القصائد, بل وصدرت في تحريمها الفتاوى! إنها برامج ومسلسلات رمضان.. كلنا نستعد لرمضان، وأكثر الناس استعداداً لرمضان هم أصحاب القنوات التلفزيونية وأهل الفن والتمثيل, فبرامج ومسلسلات رمضان يخطط لها مع انتهاء رمضان الماضي وربما تبدأ الأفكار ويتم التعاقد مع شركات الإنتاج أثناء رمضان لرمضان القادم, كل هذا حرصاً على جني الأرباح والمكاسب والشهرة. في رمضان يظل التلفزيون هو مصدر الاهتمام ومحط الأنظار في السهرات الرمضانية فتسجل مشاهدة التلفزيون، في مختلف أنحاء العالم العربي أعداداً قياسية من ساعات اليوم والليلة. لا يوجد لدي إحصائيات، بل ولست أعلم ما إذا كانت هناك دراسات ميدانية قد تم إنجازها في هذا الصدد، ولكني أميل إلى الاعتقاد أن مشاهدة التلفزيون في الوطن العربي تبلغ مرتبة “الذروة” في الشهر الفضيل. هنالك مؤشرات عدة تؤكد هذا الزعم، أهمها عندي احتفال القنوات والفضائيات العربية بشهر رمضان وإكثار الحديث عن الاستعداد له وعن البرامج التي يعلن عنها.. أعتقد أنني لن أبالغ في القول إن رمضان هو شهر الاستهلاك الأقصى للتلفزيون في العالم العربي، مثلما هو شهر الدرجات العليا من الاستهلاك الغذائي عامة من الحلويات والسكريات خاصة. بحيث تتحلق الغالبية العظمى حول مائدة الإفطار فيما الأعين مشدودة إلى الشاشة الصغيرة تترقب أذان المغرب. فيظل التلفزيون بؤرة الاهتمام ومحط الأنظار في السهرات الرمضانية، حيث إن التزاور والسهر من عاداتنا العربية الراسخة، نحن على بعد أقل من 19 يوما من رمضان .. وها هي القنوات والفضائيات العربية تتحدث عن جديدها, وهناك نوع من التباري والمنافسة الخفية تقوم بين مختلف المحطات الفضائية. والركيزة الأساسية لها هي “مسلسلات رمضان” والتي تتسابق في بثها الفضائيات العربية, تلك المسلسلات التي أصبحت لدى البعض من لوازم الشهر الكريم! بل أن الدعاية لها في كثير من القنوات و الصحف تستهل بعبارة (رمضان كريم مع مسلسل...) وهذه العبارة تحكي مدى تعلق العرب بالدراما في هذا الشهر. نأتي لواقعنا اليمني.. وسأركز ما سأكتبه عن الدراما أيضاً, حيث أن اليمنيين ينتظرون سنة، قبل أن يجددوا الموعد مع مسلسلات رمضان اليمنية، التي تكاد تكون موسمية وفي رمضان فقط. ثم لا تلبث تغيب بقية العام تاركة وراءها المشاهد اليمني دون أن يكون قد روى عطشه. المتابع للدراما اليمنية سيلاحظ أنها شهدت في الأعوام القليلة الماضية “نقلة نوعية” في حجم ومستوى الإنتاج الدرامي لكن للأسف لازال المحتوى والقصة لا ترتقيان الىمستوى الإنتاج, فلازلنا نعاني من ضعف النص، وتكرار المواضيع وعدم التصاقها الحقيقي بمشاغل المواطن اليمني وهمومه. ففي كل عام تطهر الدراما اليمنية خوفاً أكثر وتردد في ملامسة الجراح مما يجعل الاقتراب من هذه المواضيع اقتراباً موحشاً ومشوهاً. سأعطي مثالاً المسلسل الأكثر شعبية في الخمس سنوات الأخيرة “همي همك” والذي أتمنى أن لا يكون جزأه السادس كسابقيه وأن يركزوا على الحبكة الدرامية ولا يلتفتوا لرغبات المعلن المسلسل بالعادة تدور أحداثه في حلقة مفرغة، قطباها حياة المواطنين في تهامة، وفي الضفة الأخرى حياة “البداوة” التي هي أقرب للبداوة الأردنية ولا تمت للبداوة اليمنية بصلة”. وفي كلتا الحالتين، يكون التهريج والفكاهة المجانية والسخرية السطحية، السلاح الوحيد لشد المشاهد واستجداء الضحكة منه هذه المعادلة، ولئن نجحت ولعديد السنوات، في شد المشاهد إلا أنها، ومع فتح الفضاء، أمام القنوات العربية المختصة، والتي أصبحت تقدم باقة متنوعة من المسلسلات، وتتطرق إلى مواضيع حساسة، لم تطرح بعد على شاشات اليمنيين وفي نظر الكثيرين، الدراما اليمنية الناشئة ستخسر رهان استقطاب المشاهد اليمني.