سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأحزاب الجديدة في اليمن..هل ستتلافى الأخطاء وتقدِّم نموذجاً بديلاً..؟! مطالب بممارسة الديمقراطية في داخلها وإتاحة المجال للشباب والنساء لتحظى بثقة المواطن..
تباينت ردود وتصريحات مختصين ومسئولين حكوميين وأكاديميين حول الجدوى المتوقعة وأسباب الحراك السياسي الواسع الذي أعقب الثورة الشبابية الشعبية في اليمن عام 2011م، والمتمثّل في زيادة تأسيس أحزاب سياسية جديدة، ما بين التشاؤم والتفاؤل، وذهب البعض إلى القول: إن الواقع يستدعي تغيير في الخارطة السياسية في البلاد، غير أن الأحزاب الجديدة لم تنشأ لطلب اجتماعي ووجود قاعدة حقيقية، وأنها أحزاب مفرخه ومرهونة لقوى المشهد القديم. 20 حزباً منذ 2011م 42 حزباً سياسياً في الساحة اليمنية اليوم نصفهم انضم منذ الانتفاضة الشعبية عام 2011م، وهو رقم يساوي ما أفرزته عقود من الديمقراطية الهشة في البلاد. يقول سكرتير لجنة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية بجاش المخلافي: «إجمالي الأحزاب السياسية لدى اللجنة حتى الآن هي 42 حزباً وتنظيماً سياسياً منها 22 حزباً كانت قبل 2011م، و 20 حزباً تم تسجيلها لدى اللجنة منذ عام 2011م.. شروط تأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية هي شروط ميسرة، ومن بينها التقدم بطلب إلى لجنة شؤون الأحزاب يشتمل على توقيعات 75 مؤسساً يمثّلون أغلب محافظات الجمهورية، بالإضافة إلى 2500 عضو وقت التأسيس يمثّلون أيضاً أغلب محافظات الجمهورية، وأن يكون لدى الحزب نظام داخلي وبرنامج سياسي ولائحة مالية ومقر». وأوضح المخلافي ل “الجمهورية” إن هذه الشروط هي ذات الشروط قبل عام 2011م، “هناك قانونان تم التوافق عليهما بعد الوحدة اليمنية (1990م) هما قانون الصحافة والمطبوعات وقانون الأحزاب، وهذان القانونان لم يتم تعديلهما حتى الآن”. وأضاف: “ربما قد يكون هناك عزوف من قبل (أي قبل 2011م) لكثير من الناس عن الانضمام إلى الأحزاب باعتبارها لم تقدّم نموذجاً يمكن الاحتذاء به، ولم يكن لها أثر على الواقع السياسي، مع أنه بعد الوحدة وصل عدد الأحزاب التي أعلنت عن نفسها إلى حوالي 46 حزباً، لكن لم يستمر منها أو لم يتم تسجيل إلا 22 حزباً...”. وجودها ضرورة.. والراهنة غير مكتملة غير أن هذا العدد المتزايد في الأحزاب اليمنية الجديدة لا يعني أن تحسناً طرأ على المشهد السياسي وفقاً ل أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء الدكتور فؤاد الصلاحي: «وجود الأحزاب ضرورة في إطار أي نظام ديمقراطي، لأنه من غير الأحزاب لا يتبقى أي تعدد يعبّر عملياً عن هذه الديمقراطية، والأحزاب تعتبر الوسيلة الأفضل حتى اللحظة في تاريخ البشرية في إطار الصراع على السلطة والتناوب الديمقراطي، ومن ثم الأحزاب تنظيمات مدنية يجب الارتباط بها لخروج الناس من القبيلة والعشيرة والطائفة، أي أنها وسيلة تتجاوز التنظيمات الطائفية السابقة وبالتالي هي تنظيمات مدنية مفتوحة...». وأضاف ل “الجمهورية”: «ولكن للأسف الأحزاب الراهنة في اليمن غير مكتملة وغير ناضجة لا بأفكارها ولا بأيديولوجيتها ولا رؤاها حول الدولة والديمقراطية والقواعد الاجتماعية، حول المسار السياسي، ولها رأي مختلف وقاصر حول المشهد السياسي الراهن بأزمته.. الأحزاب اليمنية تعاني من أزمات كثيرة، أزمات بنيوية أزمات في القيادة، في الخطاب، في فقدان ثقة بينها وبين المجتمع وبينها وبين قواعدها، وبالتالي لم تكن في محل احترام المجتمع خلال الثلاث السنوات الأخيرة، لأنها لم تقدم للمجتمع ولم تدعم مطالبه السياسية والثقافية...». وتابع الدكتور الصلاحي: «ما حدث في 2011م الثورة والانتفاضة الشعبية الكبيرة، المفروض أنها أحدثت هزّة في النظام والمجتمع وفي المعارضة، وكان أولويات التحديث أن هذه الأحزاب تحدث تغييراً في خارطة تحالفاتها في أفكارها، لكن الأحزاب اليمنية أنا أسميها أحزاباً بائسة في قياداته، لم تحدث تشكيل خارطة جيدة، استمر اللقاء المشترك بتكتلاته والمؤتمر بتحالفاته واستمر الوضع، والأحزاب الجديدة اصطفت معهم، هذه كارثة، هذا نوع من التبلّد السياسي الأبعد وعدم الوعي». الأحزاب الجديدة مفرّخة وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور فؤاد الصلاحي: «الأحزاب الجديدة هي أحزاب مفرخة، يعني ليست أحزاباً ذات قاعدة اجتماعية حقيقية أو حاجة لها، الحاجة نعم في حاجة إلى أحزاب جديدة، نحن نحتاج إلى أحزاب لأن هذا الواقع يستدعي تغييراً في الخارطة السياسية كلها، لكن ليس على هذه الشاكلة التي ارتبطت إما بقيادة قبلية أو أشخاص مرتبطين بالسفارات الأجنبية.. الكتلة الكبيرة من الذين كانوا في الساحة وهم مستقلون من الشباب كان يجب أن يشكّلوا لهم حزباً إما يسار جديد أو قومي جديد حتى إسلامي جديد، وأنا دعيت إلى هذه الفكرة في 2009م، دعيت لوجود أحزاب للشباب، أن يشكّلوا خروجاً عن الأحزاب التقليدية والقيادات البائسة ويشكّلوا يساراً في كل الأحزاب، يساراً جديداً يساراً قومياً، يساراً اشتراكياً، يساراً إسلامياً”. أسباب التوجّه إلى تأسيس أحزاب ورغم هذه الصورة السلبية للمشهد الراهن كما يراه المراقبون، إلا أن أسباباً عديدة وراء ظهور كل هذا العدد من الأحزاب السياسية اليمنية الجديدة، كما يقول سكرتير لجنة شؤون الأحزاب بجاش المخلافي: “أعتقد أن هذا التزايد في تأسيس الأحزاب منذ 2011م له مرجعيات وأسباب أدت إلى توجه كثير من الأشخاص نحو تأسيس أحزاب جديدة، من هذه الأسباب ربما الطريقة التي تم بها تسوية أحداث 2011م من خلال الدخول في تسوية سياسية سلمية تمت عبر توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وباعتبار أطرافها الأساسيين هم الأطراف السياسية (المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه والمشترك وشركاؤه)، وتنص هذه المبادرة والآلية على إشراك الأطراف السياسية، هذه التسوية دفعت بالكثير من الأشخاص نحو تنظيم أنفسهم سياسياً من خلال أحزاب جديدة للمشاركة في التسوية السياسية أو إجراءات الانتقال إلى اللسلطة، سبب آخر إنه الصراع والانقسامات التي أحدثتها 2011م أو عدم رضى بعض الأطراف عن الدخول في هذا الطرف أو ذاك أو الأطراف السياسية دفعت بالكثير منهم إلى إنشاء أحزاب وتنظيمات سياسية للتعبير عن رؤاهم وتوجهاتهم بعيداً عن إملاءات الأطراف السياسية التي كانت موجودة في 2011م، سبب آخر من وجهة نظري أن بعض الأطراف رأت أن مصالحها قد تُفقد فدفعت بالكثير من الأشخاص نحو تأسيس أحزاب سياسية...». وبشأن الدعم الحكومي للأحزاب قال المخلافي إن «قانون الأحزاب حدد أوجه ذلك الدعم، وإن كان هذا الموضوع من المواضيع التي يجب إعادة النظر فيها، حيث يكون الدعم على النحو التالي 25% تقدم للأحزاب الممثلة في مجلس النواب بالتساوي، و75% تقسم على سائر الأحزاب بحسب عدد الأصوات التي حصلت عليها في آخر انتخابات نيابية، وأي حزب لم يحصل على نسبة 5% من أصوات الناخبين في الانتخابات النيابية لا يحصل على أي دعم، أما الدعم الخارجي فلا يسمح لأي حزب بتلقيه، بالتالي الدعم الموجود حالياً يوجه للأحزاب الكبيرة التي لها ثقل أو تمثيل في مجلس النواب، أما بقية الأحزاب خمسة أو ستة أحزاب لا تحصل على أي دعم من الدولة». نحن حزب مستقل وتدافع آمال لطف الثور، التي ترأس حزب الربيع العربي كأول امرأة يمنية تتولى هذا المنصب عن استقلالية حزبها رؤية وتمويله: «نحن نعتبر هذه اتهامات (تقصد القول أن الأحزاب الجديدة مفرخة وليست ذات قاعدة حقيقية وأنها تابعة للأحزاب الكبيرة القديمة في الساحة). نحن منطلقون في حزب الربيع العربي من منظور اقتصادي صناعي، وهذا ما استشفيناه من خلال ثورة الشباب السلمية أن الشعب أو الوطن بشكل عام محتاج إلى ثورة اقتصادية وثورة صناعية، نحن لسنا مفرّخين من أية جهة لسنا تبعية لأية شخصية أو أية جهة كانت، نحن حزب مستقل خرج من أجل بناء وتنمية الوطن..». وأضافت آمال الثور: «نحن إن شاء الله سنناضل في هذا الحزب إلى أن نصل إلى رئاسة الجمهورية، نحن الآن في طور عمل تكتل يضم جميع الأحزاب الجديدة والقوى السياسية التي خرجت (شاركت) أثناء ثورة 11 فبراير 2011م، نقول للشارع اليمني عليه أن يثق في الأحزاب الجديدة، وأن يوليها دعماً جماهيرياً وزخماً قاعدياً من أجل أن نستطيع النهوض بهذا البلد ونقف يداً بيد مع أبناء الشعب اليمني..». ممارسة الديمقراطية في داخلها إلى ذلك أكد بجاش المخلافي بأنه لا يمكن تقييم الأحزاب الجديدة وفرص استمرارها كونها ما زالت في طور التأسيس، لكنه لم يخف أن بعض الأحزاب الجديدة خُلقت ميتة، إذ بمجرد استكمال إجراءات تسجيلها بدأت تدب الخلافات بين قياداتها، الأمر الذي سيعيق عمل هذه الأحزاب ومسيرتها.. وأشار المخلافي إلى ضرورة أن تتلافى هذه الأحزاب أخطاء الأحزاب السابقة، وتحاول أن تقدم نموذجاً آخر بديلاً للأحزاب القائمة، فضلاً عن استهداف مصلحة الوطن، وممارسة الديمقراطية في داخلها، وإتاحة المجال للشباب للاشتراك في قيادتها، وإشراك النساء، بالإضافة إلى ممارسة الشفافية والعلانية، لكي تحظى بثقة المواطن ويكتب لها النجاح والاستمرار. مصلحة الشعب المادية وفوق ذلك لا يريد الشارع اليمني سوى توفير الأمن والاستقرار والخدمات الأساسية. يقول المواطن فتح قائد حسن: «أريد من الأحزاب بشكل عام والأحزاب الجديدة تحديداً التصالح والتسامح، وتعزيز العمل الديمقراطي في البلاد، وأن تنحاز بشكل حقيقي وملموس لصالح قضايا المواطنين. نحن نريد استقراراً أمنياً ومعيشياً وتوفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه وغيرها دون معاناة». من جهته قال علي الصالحي، هو الآخر مواطن: «بصراحة أنا لا أثق في قدرة هذه الأحزاب على إضافة الجديد والمفيد إلى الواقع اليمني، لم نسمع ولم نلمس أية أنشطة أو مشاريع لها حتى اللحظة. ولكن نريد منها أن تتنافس على تحقيق مصلحة الشعب». حزب وطني ديمقراطي بدوره شدّد الدكتور فؤاد الصلاحي على ضرورة تحقيق ما خرج من أجله اليمنيون وهو التغيير العميق والشامل،: «اعتماد المحاصصة والغنيمة هذا منهج سياسي ضد أهداف الثورة التي هي المواطنة والدولة المدنية، لأنه من سخريات الأمور في اليمن أن الطرف الذي ثرنا عليه لا يزال حاكماً، وأن الذين ثرنا عليهم هم الذين يتحكمون في الحكومة والبرلمان.. وبالتالي أنا من الذين يقولون إنه لن يحدث تغيير كبير في هذا البلد». وأضاف الصلاحي: «على الشباب أن يعملوا تقييماً قوياً لأحزابهم التقليدية، ويجب على الأحزاب وهي ممثلة في الحكومة أن تمثّل فكرة رئيسية لصالح الشعب بتحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة الانتقالية، والمواطنة المتساوية، وهذا الأمر كله غائب، نحن نحتاج إلى بديل موضوعي لهذه الأحزاب التقليدية، التي ثرنا ضدها أو التي انحرفت في مسار الثورة، وبالتالي هناك حاجة إلى أحزاب جديدة اجتماعية ديمقراطية جديدة حقيقية». وتابع: «يجب على الكتلة الكبيرة من المستقلين (أفراداً، تنظيمات جمعوية، أكاديميين، وشباباً وغيرهم) أن يبلوروا أنفسهم في إطار حزب وطني ديمقراطي حقيقي بديل (تيار ليبرالي)، أو كتلة سياسية جديدة، تشكل طرفاً ثالثاً ضد اللقاء المشترك والمؤتمر وحلفائه.. هذه الكتلة تستطيع أن تقود الشارع وتعبّر عنه، وتستطيع أن تدخل الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، هنا سيكون لدينا تغيير في الخارطة السياسية، ومعادل للأطراف التقليدية».