«1 - 3» يميل الغالبية العظمى من البشر إلى تبني نظرية المؤامرة لتفسير أي نجاح عظيم يحققه مشروع أو فكرة جاءت عن طريق غيرهم خاصة ممن لا يتوافقون معهم، فعندما يحصل نجاح وإقبال على شخص ما أو فكرة ما فالمرجح عندهم أن ذلك النجاح تقف خلفه قوى خارقة تحالفت مع اطراف بشرية عادية لا يميزها أي شيء عن حضرتهم، ذلك التحالف بنظرهم قام لاستمالة الكثير من الشعوب إلى مخططات وأهداف ماكرة في سياق غايات شريرة بمنظورهم الأخلاقي. هذا التفسير يبدو رجعي و بدائي لنتحدث به في الألفية الثالثة حيث التكنولوجيا والتقنية الرقمية حققت معجزات علمية وصناعية مذهلة لكن للأسف مازالت عقلية الشعوب في غالبيتها تفكر هكذا.. لماذا؟؟ لأنهم أولاً: لا يمتلكون الشجاعة والجرأة على الاعتراف أن هناك من هو أفضل منهم وأكثر براعة ومهارة ويستحق النجاح الذي حدث. ثانياً: لا يمتلكون الأمانة والمصداقية الأخلاقية للحكم على الأمور بحياد بعيداً عن معادلة (من قومي أو من قوم مخالفين لقومي)، الموضوعية مستوى عالي من الانضباط يعجز عنه الغالبية. ثالثاً: لا يمتلكون القدرات الفكرية والمهارات العقلية لبحث وجمع واستنباط القوانين التي يدار بها الكون.. تلك القوانين التي لو فهمها أي شخص يمكنه الحصول على ما تستوجبه.. قوانين كبرى محايدة لا تعرف خيراً أو شراً بل هي سلسلة ديناميكية من التفاعل والتسلسل لنتائج تتابعية. كل ما سبق صعب جداً للفهم فضلاً عن التطبيق والأسهل منه أن يعتقد احدهم كفرد أو كجهة انه مستهدف لشخصه الجليل ضمن مؤامرة كبرى لقوى ظلامية خارقة القوة ومجهولة الهوية وأن عليه عدم السؤال كيف ولماذا.. بل عليه اتخاذ أحد خيارين لا ثالث لهما، أما الاستسلام لكونها اقوى منه فيسلمها زمامه بلا مقاومة أو عليه إعلان الحرب عليها وتدميرها تماماً. هذا التفكير الثنائي القطب (إما و إلا).. يا معنا يا ضدنا.. يا أبيض يا أسود.. يا أخذه كله أو اطرحه كله.. هذا التفكير الأعمى جعلنا بعيدين تماماً عن فهم من أين تُؤكل الكتف وراحت فرصتنا في صنع شيئاً ما ذا قيمة لأننا لا نعرف أسرار الصنعة و الامتياز البشري للأسف. دعونا نأخذ الفايسبوك كمثال منذ انطلاقه قبل بضع سنين حدثت ثورة حقيقية في الحياة الاجتماعية للعالم وقادت لثورات على المستوى الفكري والسياسي والأخلاقي وووو.... تسلسل ديناميكي لمشروع ناجح لكننا انشغلنا بتكفيره ورجمه وإنكاره والتنقيب في حياة اصغر ملياردير في العالم لنثبت انه مجرد حقير ماسوني كل ذلك لندعم النظرية السالفة الذكر ولسان حالنا يقول كيف لهذا الأحمق أن يفعل كل ذلك؟؟!!!. ذلك الأحمق صار ملياردير ومازال في توسع ومهما كان في حياته فلا يبدو الأمر مهماً أمام الملايين الذين يستعملون مشروعه بل و يحتاجونه. مكثنا طويلاً في الحرب العقيمة والمقاطعة الهزيلة للفايسبوك حتى اكتشفنا أن كل من حولنا ومن فوقنا ومن تحتنا يستعمله واضطررنا لأخذ دروس خصوصية على يد اصغر أبنائنا لنستطيع إكمال حياتنا بدون عقبات كبيرة في التواصل ،واااااو ألا تبدو لكم هذه القصة مكررة؟! وتدعو للغثيان لكثرة حصولها معنا منذ اختراع الطابعة إلى الفضائيات والمحمول وووووو يا لسخافتنا!! كيف لا نتعلم مما مضى؟! خذوها قاعدة بلا استثناء أي مشروع يلقى إقبال عدد كبير من البشر على اختلاف أعمارهم وانتماءاتهم الفكرية والعرقية فهذا المنتج أو المشروع يلبي رغبات أساسية في البشر مما نصطلح على تسميته (احتياجات فطرية).. وكلما كان المنتج يشبع احتياجات أعمق كلما استقبله البشر اسرع لأنه يعمل على المادة الأساسية التي يتكون منها البشر قبل تفرقهم وتنوعهم ولذلك سهل عليهم الشعور بالتوافق معه والاستمتاع به بل وإدمانه أيضاً. في المقالتين القادمتين سنعدد الاحتياجات الفطرية التي يلبيها الفايسبوك في الإنسان والتي جعلته متداول ومنسجم مع الملايين بل وأدمن عليه الكثير. . كما أننا سنبحث لماذا حدث أن البعض هجر الفايسبوك بعد فترة من استخدامه، فلو أنه يلبي احتياجات فطرية لديهم فلماذا تركوه؟؟!!! كل ذلك لندرس قواعد منظومة الامتياز البشري في الإنتاج و العطاء.. تابعونا.1 - -------------------------------- * خبيرة تنمية بشرية