تعد الموسيقى عاملاً مهماً في حضارة الإنسان فقد اهتم بها منذ عهد قديم كونها تمثل غذاء الروح بالنسبة له, لذلك فقد ظهرت الآلات الموسيقية القديمة كالسمسمية وآلة القمبوس والتي ساهمت في تقوية الإحساس بحلاوة الغناء والميل إلى الموسيقى لدى الكثير من الناس ومع مرور الزمن تطورت تلك الآلات واستبدلت بآلات موسيقية حديثة مثل العود والكمان والبيانو وغيرها، وأسست الفرق الفنية والموسيقية والغنائية لنقل هذه الموسيقى من العمل الفردي إلى العمل الجماعي، حيث أسست الفرق الموسيقية داخل المدارس، وبعد ذلك في الأحياء والمدن, وهنا نقف أمام فرقة فنية موسيقية تعد النواة الأولى للموسيقى والتراث الغنائي بمديرية القطن، إنها جمعية فناني حضرموت للموسيقى والتراث الغنائي فرع القطن لنسلط الضوء حول تأسيسها وتاريخها الفني وذلك من خلال اللقاء الذي انفردت به الصحيفة مع رئيسها الفنان الموسيقي عازف الإيقاع الفنان عوض عبود باحشوان الذي تحدث إلينا عما تختزنه ذاكرته من ذكريات وتاريخ عريق للحركة الموسيقية بالمديرية فوجدناه بحراً من المعرفة في هذا الشأن ونبراساً للعطاء، كان كريماً معنا كفنّه وخرجنا معه بالحصيلة التالية: - في البداية نرحّب بك أستاذ عوض ويسعدنا أن نلتقي بك على صفحات صحيفة الجمهورية لنتعرّف من خلالكم على تاريخ الحركة الموسيقية في مديرية القطن وتأسيس الجمعية؟ شكراً لكم على زيارتكم لهذه الغرفة المتواضعة التي تعد (ملتقى للفنانين) ونشكر هيئة تحرير صحيفة الجمهورية لتسليط الضوء على تاريخ الحركة الموسيقية والجمعية بالمديرية ولولاكم لظل حبيس الأذهان والأدراج, في البداية أحب أن أعرّج قليلاً على الماضي وأعيد الذاكرة لكي نعطيكم ونعطي القارئ الكريم فكرة عن تاريخ نشوء الحركة الموسيقية حيث تعتبر المدارس المهد الأول للحركة الثقافية والفنية بمختلف ألوانها (المسرح, الموسيقى, الغناء) لقد كانت المدارس تبرز المواهب والمبدعين في هذا الشأن، ففي معظم مدارس المديرية تكونت الفرق الفنية لتقديم الأناشيد الدينية والوطنية والأغاني العاطفية والموضوعية الهادفة وذلك من خلال الأماسي الأسبوعية والحفلات الختامية لكل عام دراسي وكذلك في المناسبات الوطنية والدينية وغيرها, وكان أول من أعطى هذا الجانب عناية خاصة بمدرسة القطن الابتدائية هو الأستاذ عبدالعزيز بن علي القعيطي أيام السلطنة القعيطية, وعلى المستوى الشعبي فقد كان النشاط الغنائي في المديرية كثيراً ما نسمعه عبر الألعاب الشعبية الراقصة التي تعتمد في موسيقاها على الطبول والمراويس والطار والطاسة والمزمار والمدروف والدف الصغير (الرق) مع التوقيع بالرقص والحركة الخفيفة والرقص بالأيدي, ومن هذه الألوان على سبيل المثال زامل منطقة الخبة ويتغنون بلحن (يا طير يا شامي بلغ سلامي) وزامل منطقة حوطة النور والعنين ويتغنون بلحن (جابها الرحمن زينة) كذلك شرح القطني وبني مغراة والشبواني والمغنى والدحيفة وزوامل بعض شرائح المجتمع كالقبائل وبعض الفنون الشعبية كالبرعة والقنيص, وعلى المستوى الشخصي فقد كان أول من أدخل آلة العود إلى مدينة القطن هو الفنان صالح عبدالرزاق باعطوة، حيث كان يجيد العزف على العود ويتغنّى بها وسط المقهى التابع له الذي فتحه لكسب لقمة العيش. وقد شرفني بأن أشارك بعض حفلاته الخاصة وجلساته الفنية عازفاً له على الإيقاع وكان يجتمع حوله أصدقاؤه ومحبوه في بيته الصغير المتواضع الواقع في الناحية الغربية من المدينة القديمة (الريضة) واستمرت الجلسات حتى وفاته رحمة الله عليه عام 1970م, بعد ذلك قدم للمدينة الفنان القدير عوض سعيد باسيف (أبو سعيد) رحمة الله عليه, وكان له الأثر الكبير في تطوير الحركة الفنية والموسيقية والفنانين بالمديرية حيث كان يجيد العزف على عدة آلات موسيقية مثل العود والكمان والإيقاع وآلته المفضلة (الدف) والفنان باسيف فنان معاصر حيث عاصر الفنان الموسيقار محمد جمعة خان وكان أبرز أفراد فرقته عازفاً للدف ومن أعز أصدقائه, وقد كان هذا الفنان البسيط الأمي (باسيف) أول من أسس أول فرقة موسيقية قبل اتحاد الموسيقيين اليمنيين وقام بتدريبها بآلاته الموسيقية الشخصية مستأجراً بيتاً صغيراً لتدريب الراغبين وكان يطلق عليه (المنتدى الصغير) لمجال الموسيقى والغناء حيث يرتاده الكثير من الراغبين على دفعات, حيث ضمت الدفعة الأولى حسن علي بامطرف, صالح يسلم باسواد، سالم بن علي القعيطي, محمد عبود باحشوان، جمعان صالح باحرز، سعيد محمد بامطرف ومحمد أحمد بن طاهر, والدفعة الثانية من ضمنهم الفنان المعروف بدوي زبير وكان يأتي يومياً على دراجته النارية من مدينة شبام وعوض عبود باحشوان وسالم سعيد الهجري وبلعيد صالح باحرز ومع مرور الوقت توقف البعض لأسباب خاصة واستمر الآخرون إلى يومنا هذا وفاءً وتقديراً لأستاذهم القدير باسيف الذي وافاه الأجل في 6/8/1993ثم واصل الأستاذ عوض حديثه قائلاً: بتأسيس اتحاد الموسيقيين اليمنيين في المحافظة في نوفمبر 1972م فقد تم فتح فرع له في مديرية القطن وتشكيل هيئة إدارية له برئاسة المعلم سعيد حسن باخميس وتم تشكيل فرقة موسيقية تسمى فرقة 15 يوليو الموسيقية في 16/8/1973 كان معظم أعضائها من الفرقة التي كوّنها الفنان باسيف وبقيادته ومنهم حسن علي بامطرف، عوض عبود باحشوان، عيظه سالم بلعجم، سالم سعيد الهجري (رحمة الله عليه)، بلعيد صالح باحرز، والإداري صالح شيبان بن سحاق ومن ثم توسعت عضوية الفرقة لتصل إلى (20) عاملاً وإدارياً, ونظراً لظروف الحياة المعيشية والدراسية ابتعد البعض بعد أن أسهموا إسهاماً كبيراً في تنشيط العمل الموسيقي بالفرقة ولهم الشكر والتقدير والاحترام ومنهم الأستاذ عمر علي بن وبر، والدكتور محمد محفوظ جوبان والدكتور عبدالله سالم بن سحاق والأستاذ فيصل سعيد محيمدان (رحمة الله عليه) وفرج سعيد باخميس وغيرهم, وبتعديل تسمية اتحاد الموسيقيين اليمنيين إلى اتحاد الفنانين اليمنيين شعبة القطن تم تعيين هيئة إدارية جديدة برئاسة الأستاذ صالح شيبان بن سحاق وعضوية الأستاذ ناصر سالم بن نقيب وطاهر عوض بن طاهر، فقد تم تعديل تسمية فرقة 15 يوليو الموسيقية إلى إسم فرقة الجزيرة الموسيقية في يناير 1980م وبرزت في تلك الفترة مواهب جديدة في مجال الغناء والموسيقى ومنهم الفنان الشاب عبدالرؤوف عوض بن طاهر وعامر عوض باعكابة وصالح سليمان باشاذي وعبد الخالق عوض بن طاهر ومن العازفين علي سالم بلعجم ورايد صالح القعيطي وسعيد عوض بن طاهر و أمين علي بن وبر , سالم ربيع العبد، محمد عبدالرحمن بلعجم، مكرم حميد سلومة وعازف البيانو مراد بافضل والأستاذ خالد سعيد لحمدي عازف الكمان والشاعر والملحن الغنائي, لقد ساهمت هذه الفرقة في إحياء العديد من الحفلات في المناسبات الوطنية في كافة مديريات المحافظة وأبرز هذه المساهمات إشراك الفرقة في مهرجان الأسبوع الثقافي الأول بمحافظة حضرموت كما قدمت عروضاً على مستوى المديرية في أعياد المدارس بمراكز المديرية (القطن, سر, حوره, رخية) في كل عام منذ تأسيسها، إضافة إلى الفرقة الموسيقية لعب التربويون بالمدارس دوراً كبيراً في اكتشاف المواهب الجديدة وتدريبها والمشاركة في الاحتفالات بأعياد المدارس، وهناك أفراد من الموسيقيين والفنانين لم يتأطروا داخل الفرقة الموسيقية الرسمية ولنا معهم علاقات فنية وشخصية منهم الفنان فوزي علي باجسير الذي ساهم مع فرقته الخاصة في تنشيط العمل الموسيقي والغنائي من خلال إحياء حفلات الزواج والمناسبات الأخرى.. وبنشوء جمعية فناني حضرموت للموسيقى والتراث الغنائي في عام1999م أشار الأستاذ عوض باحشوان: لقد كانت فرقة الجزيرة الموسيقية التابعة لاتحاد الفنانين شعبة القطن أول من بادرت في الانضمام إلى هذه الجمعية من بين فرق مديريات وادي حضرموت وأسس لها فرع بالمديرية 19/3/1999 برئاسة الأستاذ ناصر سالم بن نقيب وعضويتنا وكان لهذه الفرقة الشرف وحظيت باهتمام ورعاية الجمعية بالمحافظة حيث تم اختيار عدد من الموسيقيين والفنانين للمشاركة في مهرجان الأغنية الحضرمية بالمكلا ومنهم الشاب عبدالرؤوف بن طاهر ومن العازفين علي بلعجم وأحمد باخميس وعوض باحشوان ورايد القعيطي واستمرت هذه الفرقة التابعة لفرع الجمعية وتم انتخابي رئيساً لها خلفاً لرئيسها السابق حتى يومنا هذا. .. ماهي أهداف هذه الجمعية؟ الأهداف هي الحفاظ على التراث الغنائي والموسيقي بالمديرية والاهتمام بالمواهب الشابة ورعايتهم واكتشاف مواهب ومبدعين في الفن والموسيقى. .. دور الجمعية في الحفاظ على التراث الشعبي؟ للجمعية دور كبير من خلال عكس التراث الغنائي والموسيقي المختزن بالمديرية ونشره بواسطة اللوحات التي تقدمها الفرقة في مشاركاتها محلياً وخارجياً سواء على مستوى الشعر أو الموسيقى. .. هل هناك دورات تأهيلية لأعضاء الجمعية؟ إلى الآن لم يتأهل أحد من أعضاء الفرقة ولكن يوجد بالفرقة أعضاء مؤهلون تخرجوا من المعاهد الموسيقية وفي مقدمتهم الأستاذ خالد سعيد لحمدي (فنان غنائي وملحن وشاعر غنائي) وقد أفاد الفرقة كثيراً كونه يملك موهبة في هذا المجال وكذلك الشاب رايد القعيطي عازف كمان وإيقاعات شعبية وموسيقية. .. علاقتكم بمكتب الثقافة؟ العلاقة وطيدة وكلّ منا يكمل الآخر لإظهار التراث والموسيقى بالمحافظة والحفاظ عليه كذلك يقوم المكتب بالتنسيق مع مكتب الثقافة بالوادي في مشاركة الفرقة في الاحتفالات التي تقام بالمناسبات الوطنية واختيار بعض الأعضاء للمشاركة ضمن الفرقة الموسيقية التابعة لمكتب الثقافة بالوادي. .. برأيكم لماذا تراجع الألق والزخم الفني عما كان عليه في السنوات الماضية؟ أنا اعتبر أن التراجع طبيعي كنتاج للمرحلة التي نعيشها وخصوصاً الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها الفنان وانشغال البعض بأمور الحياة اليومية والسعي وراء مصادر للعيش، بالإضافة إلى هجرة بعضهم وعزوف البعض الآخر نتيجة لظروف خاصة. .. ماهي أبرز مشاركاتكم؟ المشاركة في مهرجان الأغنية الحضرمية بالمكلا ومشاركة أعضاء الجمعية في إقامة حفلات موسم زيارة الهدار بالقطن واستضافة عدد من الفنانين والفنانات من مديريات الساحل والوادي بالمحافظة بمواهب جديدة منهم الفنان برك محبوب وزكي بلعجم ومحسن باحرز وفوزي باخميس وفهمي العبد وفكري جروان وعدد من العازفين ولا زالت هذه المواهب الشابة تمارس نشاطها الفني بالمديرية وخارجها. .. أبرز الصعوبات التي تواجه عملكم؟ الصعوبات كثيرة وأبرزها الجانب المالي حيث لا نحصل على أي إيراد أو دخل سواء الذي نتقاضاه في الحفلات, كذلك وجود فنانين وأعضاء في الفرقة بدون عمل, عدم وجود مقر خاص للجمعية وكما ترون نزاول عملنا في هذه الغرفة المتواضعة والتي نحن بصدد مغادرتها بسبب مطالبة من يدعي ملكيتها بمغادرتنا الموقع ، لذلك فإننا أّبلغنا السلطة المحلية بالمديرية بهذا الموضوع لغرض توفير لنا موقع ملائم للعمل الفني وإلى هذا اليوم لم تعمل لنا أي حل لذلك فإننا مهددون بالمغادرة في أي وقت. .. كلمة أخيرة تود قولها؟ نتوجه عبر هذه الصحيفة لكل المسئولين المختصين بالمحافظة بالاهتمام بمثل هذه الجمعيات وتقديم كل أوجه الدعم والمساندة لكي تقوم بأداء مهامها على أكمل وجه والإسهام في تطوير الحركة الثقافية والفنية والعمل الموسيقي لأنه يمثّل حضارة الشعوب وكذلك دعم وتشجيع المواهب الشابة المبدعة لرفد الجمعيات والحفاظ عليها وضمان ديمومة البقاء والاستمرارية ووفق الله الجميع في نقل صورة مشرفة لتاريخهم وحضارتهم العريقة, وهذه معلومات دونتها في مذكراتي الخاصة كفيض من غيض ليس إلا وفقاً ومعرفتي الخاصة وليعذرني كل من قصرت في حقهم أو لم أذكرهم في هذه السطور, وشكراًلكم مرة أخرى.