قلنا – غير مرّةٍ – إننا لسنا ضد ظهور الفنانين الشباب.. بل إن ذلك يُسعدنا إن كان هؤلاء الشباب سيكونون امتداداً جيداً للسابقين.. لكن الذي يحدث دائماً هو أننا سرعان ما نصطدم بظهور فنان شاب يُضاف الى هذه الجوقة.. لأنه يعتمد على تقليد السابقين, وعلى اجترار الأغاني التراثية والقديمة.. ويظل حبيس هذه الدائرة لا يبرحها ولا يتجاوزها.. بل يكون وجوده الفني عبئاً على الغناء عموماً.. كل فنانينا الكبار بدأوا هذه البداية.. ولكن سرعان ما شقّ كل واحد منهم طريقاً منفرداً, لم يكن ممهّداً ولا مفروشاً بالورد.. بل مليئاً بالعقبات والصعاب.. ولكن إن أردت التميّز فلا بد أن تتعب.. لكن أن تلتقط أغنيةً من هنا وأغنيةً من هناك لتكون فناناً.. هذا يُخالف المقاييس والمعايير التي تجعل منك فناناً.. كثير من فنانينا الشباب درجوا على هذه العادة وظلوا محتضنين عيدانهم ومنكفئين على أنفسهم.. صحيح إن إعلامنا لا يُساعد الموهوبين كثيراً ولا يُذلّل لهم مصاعبهم ..لكنهم هم أيضاً بالمقابل يتراخون ولا يجتهدون للتميّز والإنجاز الذي يحدد مستوى هذا الفنان أو ذاك ، ويُفاضل بين واحدٍ وآخر.. لو استطاع الواحد منهم أن يؤدي الأغاني التراثية أداءً مُتقناً دون أن يسيء اليها ويخدشها, وظل على هذه الحال دون أن يُوجد لنفسه شخصية فنية مستقلة.. لكان الأمر مقبولاً.. لكن ما هو حاصل هو أن أكثرهم يصرّون على أن لا يُحسنون إعادة الأغنية القديمة بأداء يحفظ لها وقارها وتاريخها ومكانتها في قلوب الناس الذين تشبّعوا بها زمناً طويلاً, ولا هم أوجدوا لأنفسهم شخصيات فنية مستقلة بعيدة عن التكرار والرتابة. كنا نعيب على حسين مُحب أن يظل نسخة مكررّة من الحارثي وقتاً أطول, مع أنه استطاع أن يكون نسخة أصلية من الحارثي ,بل كان مدهشاً في قدرته العجيبة على أن يكون حارثياً آخر.. وربما هذه الإجادة التي أتقنها قد أعفته من سخط الكثيرين.. كما أن عزفه الجيد على العود يعدّ إضافة وميزة يجب أن يستغلها في سعي حثيث لإثبات نجوميته بعيداً عن الحارثي وعن التراث.. حمود السمة أيضاً يمتلك صوتاً جميلاً وله طريقة مميزة في مداعبة أوتار العود.. لكن هو كغيره مُطالب بإيجاد ألحان خاصة به تميّزه عن غيره.. وهذه الملاحظة السريعة لا تخص واحداً أو اثنين من فنانينا الشباب, بل هي رسالة موجّهة الى الجميع لشحذ سنان ريشات أعوادهم وخوض غمار العزف والتلحين والغناء الحقيقي البعيد عن التكرار الممقوت, والاستعداد للظهور الفني الذي ينبىء عن مواهب حقيقية.. تستطيع بالجهد والإخلاص والصدق أن تكون أسماءً لامعة في المستقبل.. مع أمنياتنا للجميع بالوصول الى أعلى المراتب الفنية. [email protected]