إن الإرهاب لا دين له ولا وطن له ولا يصحّ نسبة أية جريمة إرهابية إلى المسيحية أو الإسلام أو اليهودية، وأن التطرُّف الديني والتعصُّب القومي المصحوب بالتفكير الإجرامي هما المسؤولان عن ارتكاب الجرائم الإرهابية ضد المدنيين الأبرياء بغض النظر عن دينهم، ومن المؤكد أيضاً أن هزيمة التفكير الإرهابي وترسيخ مفهوم التسامح الديني هو مسؤولية كل الحكومات والشعوب؛ لأن الإرهاب له هويّة واحدة فقط لا غير وهي استخدام قتل المدنيين الأبرياء كوسيلة لإرهاب الشعوب والحكومات لتغيير سياساتها ومفاهيمها التي تدعو إلى التعايش السلمي العرقي والديني، وهو مسلك مرفوض قانونياً وأخلاقياً، فالرأي الآخر المخالف يجب أن يواجه بالمنطق والحجّة، ولا يجوز مطلقاً قتل صاحب الرأي الآخر بطرق انتهازية جبانة تتعارض حتى مع قواعد الحرب الشريفة أو قواعد الفروسية التي تتطلّب تكافؤ الفرص ولا تبرّر هجوم المسلّحين المتربّصين على العزّل الغافلين بأي حال من الأحوال.. لأن بعض من الدول العربية صارت أضعف من أي وقت مضى، وأصحاب القرار لم يعد لهم وجود، فأضاعت السلطة قوتها وتماسكها، فضعفت أمام المصالح التي تكبر باضطراد، وضعفت أمام المصالح الخارجية وحساباتها، فصرنا نعتمد تصورات وحلولاً عفا عنها الزمن، فكل أطراف السلطة الأساسية أكدوا توجهاً مخيفاً نحو الاستحواذ على كل شيء، إما بالتحالف مع السلطة أو مع عصب سلطوية بشراء الذمم بالمال كل المال وخاصة الفاسد منه، فكانوا يستخدمون عملية الإرهاب كفزاعة ضد الأمريكيين والدول الغربية بغرض الارتزاق وكسب المال الحرام على حساب أمن اليمن واليمنيين، واليوم نراهم مشغولين في توجيه التهم ضد بعضهم البعض في عملية مساندة الإرهاب والإرهابيين، ولم يجلبوا لليمن واليمنيين غير الويلات والحروب والفقر والإرهاب، وصاروا يتحينون اللحظة التي يسقط فيها هذا الوطن في حرب مستعرة لا تبقي ولا تذر، غير مدركين أن تأجيج الأزمة السياسية وتوسيع نطاق حرائقها ليس في مصلحة أحد، وإذا كان هناك مستفيد من وراء هذه الأزمة أو تفاقمها وتعديات بشرية وتعميات إعلامية يحاول كثير منها صبغ الإرهاب والتطرف بصبغة إسلامية وهو تعدٍّ سافر وصريح على الهوية الإسلامية؛ وإن مارسه من يمارسه ظلماً وعدواناً باسم الإسلام؛ فالإسلام منه براء، فالإرهاب لا دين له ولا وطن ولا حضارة، والإسلام محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وإذا كان تسليط الضوء على أخطاء بعض المسلمين التي تقع منهم، فليس معناه التخلص من الخطأ بخطأ أكبر منه وهو: التساهل والتفريط والانسلاخ من الدين القويم. إن السيارة تسير بانسيابية وهي في أقصى اليمين؛ فلو انحرفت مباشرة إلى أقصى اليسار فما من شك فيما قد ينجم عن ذلك من الأخطاء والأخطار الفادحة؛ لا يتوقف أثرها على من قام بالفعل وحسب بل إن ذلك قد يمتد إلى عدة أشخاص وأرقام أُخرى مهولة من التلفيات، بل قد تؤدي إلى أكثر من ذلك حينما يكون هذا الأمر من أسباب نهاية الإنسان وفقد حياته بالموت أو التفريط في حياة أشخاص آخرين ليس لهم في الموقف ناقة ولا جمل. إن المسار الأوسط هو الذي به تتحقق الموازنة بين اليمين والشمال، هو نهج هذه الأمة القويم وصراطها المستقيم (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً…) إن أي خطأ يصدر عن طبيب أو غيره من مزاولي المهن الصحية - مثلاً- لا يُعقل أن يتهم أحدهم الطب بانعدام أثره وإمكانية الاستغناء عن ممارسته، ويطالب بإغلاق الكليات والمعاهد التي تعتني بالطب خاصة والتخصّصات الصحية الأخرى. إننا نرفض مثل هذه التسميات التي تزيد من نار العداوات بين الشعوب وأتباع الديانات، فما يجري في أفريقيا الوسطى من قتل للأبرياء ليس إرهاباً مسيحيّا ضدّ المسلمين؛ لأن المرجعيّة الروحيّة للمسيحيّة لا تجيز تلك الأعمال وتستنكرها وتدين الفاعلين لها، وما جرى في العراق من تهجير للمسيحيين والإيزديين ومن قتل للأبرياء ليس إرهاباً إسلاميّاً ضدّ المسيحيين وغيرهم؛ لأن المرجعية الدينية للمسلمين المجتمعة اليوم في رحاب الأزهر الشريف تحرّم كل أشكال العنف والإجرام التي تسيء إلى الإنسان وتعمل على تشويه الأديان، كما لا نقول إن ما يجري للمسلمين في بورما من أعمال الإبادة والتهجير هو إرهاب بوذي، إن الإرهاب هو فعل جماعات وأحزاب لا تمثّل المذاهب والأديان، وإنما تمثّل أنفسها وأتباعها بأعمالها الوحشيّة الهادفة من ورائها السلطة والسيطرة والنفوذ، فالأحزاب والجماعات المتطرّفة لا تختزل شعوبها ومذاهبها وأديانها. وخلاصة القول في هذه الأفعال الشّنيعة: إن الإرهاب هو عمل إجرامي لا مسيحي ولا إسلامي، والإرهاب هو جنّي، لا شيعي ولا سنّي، من هنا شرح الإسلام المعتدل للعالم وجهة نظره حول هذا المفهوم للإرهاب والتميّيز بين مصطلح الجهاد والإرهاب؛ فكل من يدافع عن وطن محتل بحمل السلاح ومواجهة الأعداء بكافة أشكال المعارك دون استهداف الأبرياء يسمّى «جهاداً» غير ذلك من استهداف المدنيين العزّل الأبرياء الذين لا ذنب لهم يسمّى «إرهاباً» الإرهاب لا دين له ولا يوجد أي دين في العالم يُسمح له بعمل ما يعمل أو يبرّر أعماله البشعة مهما أعلن عن نوايا صالحة كهدف أسمى؛ فلا تبرير لأعماله، ورغم اشتراك المقاومة والإرهاب في العنف؛ فإن الأولى عمل مشروع ،والإرهاب فعل غير مشروع. وهناك إجماع على أن المقاومة قد تكون فردية أو جماعية، أي يمارسها الأفراد والجماعات والدول، وكذلك الإرهاب، وهناك إجماع عالمي أيضاً على حق الدول والجماعات والأفراد في المقاومة بكل أشكالها المادية والفكرية بما في ذلك الكفاح المسلّح. أما الإشكالية والخلط فيقع في مفهوم «الوطنية» وهو مفهوم حديث ظهر بعد سقوط الخلافة، وتفتت العالم الإسلامي وانشطاره إلى دويلات صغيرة، وهو مصطلح قد يعمل على إثارة النزعات والعصبيات بين أفراد الأمة الواحدة، بعيداً عن رابط الدين والعقيدة، ويعني الانتماء إلى الأرض والناس والعادات والتَّقاليد والفخر بالتَّاريخ والتفاني في خدمة الوطن بعيداً عن لُحمة الدين، وبذلك تفتت الهوية الإسلامية العامة إلى هويات خاصة، فظهرت هوية مصرية وأخرى جزائرية وثالثة عراقية وصارت العصبيات هي المحرّك الأساس لهذه القوميات والهويات وربما نشبت بينهم الحروب لأتفه الأسباب. ولذلك نقول: إن أحب الأوطان لنا هي مكةالمكرمة ثم المدينةالمنورة ثم بيت المقدس، وأما عدا ذلك من بلاد الإسلام فلا نفاضل بينها عصبية مع احتفاظنا بالحب الفطري والجبلي لأماكننا وبلادنا التي تربّينا فيها، ورتعنا وشربنا من مائها. يجب الاعتراف أن موضوع الهوية يتحرّك ضمن حقل ألغام شديد الحساسية؛ لأنه صعب المعالجة داخل كل ادعاء نظري كيفما كان تخصّصه، فداخله تلتقي السوسيولوجيا بالسيكولوجيا والانتروبولوجيا والإيديولوجيا والسياسة. يضاف إلى ذلك التقاطع الموجود بين الذاتي والجماعي، بين الفردي والاجتماعي، بين الواحد والمتعدّد، بين الثبات والتغيُّر، بين الانفصال والاتصال. هذه التداخلات تصبح أكثر حدّة خصوصاً أن الانفعال الواعي أو اللا واعي في كثير من الأحيان يصبح هو اللازمة العامة التي تسود كل حديث عن الهوية. في عصرنا حيث قيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان تحاول أن تصير ثوابت عالمية وكونية يشكّل التعصب أخطر ما يهدّد العالم، وللتعصب جذور تنتشر في مجتمعات دون أخرى بدرجات متفاوتة، ولذلك نتساءل: ما الذي يجعل مجتمعاً ما يتجه نحو التعصب، وما علاقة خطابات الهوية المتماهية ما المطلق الديني في ذلك..؟!. لقد لقي التعصب الديني اهتماماً كبيراً من طرف عدد من التخصّصات وخاصة من قبل علم النفس الاجتماعي، فقد وجد أن الدين يلعب دوراً مؤثّراً في التعصب، وهذا ما أثبتته معظم الدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع؛ حيث لاحظ وليام جيمس في كتابه «قناع التديُّن» 1902 “أن المتديُّن يميل إلى أن يتخذ الدين قناعاً لكل أنواع الأفعال القاسية التي يرتكبها”. إن الدين بهذا المعنى يسهم في ظهور التعصب نحو بعض الشعوب أو الطوائف خاصة مع صعوبة انتزاع وتغيير الأفكار التي تنقل من خلال الدين عبر الأجيال. لكن أهم ما يجعل الدين عنصراً أساسياً في انبثاق التعصُّب حسب Kleinberg 1982 هو الاستعلاء الديني الذي تصنّف بمقتضاه الشعوب إلى كافرة ومؤمنة.