الغريب جسده يرتجف، ينظر هنا وهناك..!!. يحيط به سكان المنطقة الصغيرة، وهم يكرّرون كلمات الغضب والانتقام. عدد منهم يمسك به، وهو يحاول الإفلات منهم..!!. أمسك أحدهم الوشاح الذي غطّى به وجهه، وينزعه بسرعة فائقة. استسلم الرجل، وجثا على ركبتيه. قال أحدهم له: تبّاً لك، أنت غريب؛ فلماذا جئت هنا لكي تحاربنا نحن المسالمين..؟!. حرّك الرجل رأسه كعلامة لعدم فهمه ماذا يحدث، وماذا يقولون. ضرب أحدهم الأرض بمطرقة كبيرة كان يحملها، فرآها الغريب وعرف ما معناها، فهي علامة يقوم بها القاضي في المحكمة عندما يحكم على المتهم؛ إما بالعقاب أو بالبراءة. قال أحدهم: لقد أدرك الآن وضعه فهيا قرّروا ماذا سوف تفعلون به..؟!. معاناة يستمع إلى كليهما وهما يتحدّثان، وهو جالس بقربهم في المقهى. - أريد الهجرة، أريد أن أعمل في الخارج كما الآخرين. - أنا معك، ومستعد أن أفعل أي شيء حتى أهاجر. - اتفقنا ومنذ الآن يجب أن ننهي معاناتنا. يذرف الرجل الذي يستمع إليهم عدة دموع حزينة، ويقول بصوت منخفض: الآن بدأت معاناتكم؛ فأنتما تذكراني بشبابي وبتجربتي، فسوف تتخلّصان من معاناة البطالة والحاجة وتتذوقان معاناة الغربة والوحدة. تجارة داخل القرية الصغيرة، يصرخ بأعلى صوته ووجهه مغطّى بقماش أسود: تباً لهذه القرية..!!. يلتفت صديقه إلى وجهه، ويقول له: ما بك..؟!. يقول له، وهو غاضب للغاية وبدأ يطلق عدة رصاصات في الهواء ويضرب بقدمه الأرض بشكل هستيري: لم نجد في هذه القرية الفقيرة أي شيء يفيدنا لكي نبيعه أو نقايضه لا سلاحاً، ولا طعاماً، ولا مالاً. صمت صديقه لفترة قصيرة، وبعدها ارتسمت ابتسامة صفراء على وجهه وقال له: لقد أسرنا نساء وأطفالاً، وعبرهما سوف نحصل على ما نريد فلا تغضب. النهاية السعيدة المطر يهطل بغزارة وهو ممدّد على الأرض الباردة وجسده يرتجف من شدّة البرد، يوجّه أنظاره نحو زوجته ويقول لها: كل شيء ضاع بيتنا، وعملنا، وسعادتنا، وحياتنا الجميلة. يصمت لثوانٍ معدودات، ويقول لها: أريد “نهاية سعيدة” بعد ما جرى لنا من أحداث مؤلمة. يغمض عينيه ويستسلم للموت، تنظر إليه زوجته وهي تبكي وتقول: لقد حصلت على “النهاية السعيدة” فلقد تخلّصت من هذه الحياة التعيسة. صائد الغربان يرمي الغربان الثلاث التي صادها اليوم ببندقيته القديمة على الأرض..!!. يضع فوقهم عدداً من قطع الخشب ويشعل النار بهم وهو مستمتع بما يفعله. ترتسم الابتسامة على وجهه المنهك والمتعب، ويشعر بأنه قد حقّق انتصاراً ليس له مثيل..!!. يصرخ بأعلى صوته وهو يرفع بندقيته بيده نحو السماء ويقول: سوف أستمر في انتقامي من أجلك. إن ذكريات الماضي الأليم تلاحقه رغم أنه أصبح طاعناً في السن. إنه مازال يذكر عندما كان صغيراً عندما رأى أمّه آخر مرة قبل مقتلها حيث أخذته أمّه وحذّرته من الطائرات المحاربة وقالت له: الغربان تحلّق في السماء وتريد تدمير قريتنا, منذ ذاك اليوم وهذا الطفل زرع في داخله وازع الانتقام من الغربان وبات يصيدها ويحرقها بعد صيدها كل يوم لكي يطفئ نيران الحزن والألم التي في داخله. العنف ينتهي المعلّم من قراءة قصّة للأطفال في الصف بعد يوم صاخب من الأحداث. خرج الطلاب من الصف إلى الساحة المدرسية للاستراحة القصيرة، وإذ بعد عدة دقائق سمع المعلّم الأطفال يضحكون بشكل هستيري غريب..!!. تقدّم المعلم نحو الساحة المدرسية لكي يكتشف ما الذي يحدث. بقي المعلّم جامداً في مكانه بسبب ما رآه..!!. لقد كان الأطفال يضحكون بشكل هستيري فرحاً وبهجة لأنهم أمسكوا “قطّاً”وبدأوا يركلونه بأقدامهم كأنه كرة للاعب، أما بقية الأطفال فيجمعون الحجارة ليرجموا بها القط، قال المعلم بصوت منخفض ممزوج بالحزن: ماذا أفعل كي أخلّصكم من العنف الذي في داخلكم، كم أتمنّى أن أعرف الإجابة..؟!. الجائع يقفز من قناة فضائية إلى أخرى عبر جهاز التحكم عن بُعد، لا يهتم بالتلفاز، وينتفض من مكانه ويصرخ في وجه زوجته قائلاً: أنا جائع. تستغرب الزوجة من كلام زوجها؛ فلقد تناول طعام الغداء منذ فترة قصيرة. يمسك صحيفة اليوم ويقلب صفحاتها، ولا يجد ما يجذبه فيها بتاتاً، يرمي الصحيفة على الأرض وعلامات التقزّز والاشمئزاز على وجهه. يصرخ بأعلى صوته قائلاً: أنا جائع. تلتفت الزوجة بوجهها نحو زوجها وتقول له: سوف أقوم بإعداد طعام سريع لكي تسد جوعك، ترتسم ابتسامة على وجه الزوج بعدما انتهت زوجته من الكلام وقال لها: أنا لست جائعاً للطعام؛ ولكن عقلي جائع لتناول ما يغذّيه من ثقافة أو فن وليس تفاهات القنوات الفضائية أو الأخبار المكرّرة في الصحف اليومية.