الصدمة يدخل الأب إلى مدرّسة ابنه فهو معتاد كل شهرين أن يقوم بزيارة لها لكي يطلع على مستوى ابنه الدراسي. كان هناك عدد من الطلاب وبينهم الابن محتشدين بشكل غريب في وسط ساحة المدرسة..!! يلاحظ الأب وجود ابنه وسط الحشد اللفت للانتباه..!! تقدم الأب بخطوات بطيئة نحو ابنه لكي لا يلاحظ ابنه وجوده لا من قريب ولا من بعيد. نظر الأب وإذا به رأى الأبناء يطالعون جهاز الموبايل ذي الشاشة الكبيرة، وأعينهم تكاد تخرج من رؤوسهم وهم واقفون كالتماثيل . يصرخ الأب بأعلى صوته قائلاً: ماذا تفعلون..؟؟ التفت الكل إلى الأب وبدأوا بالهروب مهرولين وكأنهم رأوا شيطانا أمامهم..!! وقف الابن مذعوراً من دون أن ينطق بأية كلمة بعد هروب كل من حوله. لاحظ الأب أن جهاز الموبايل الذي كانوا مجتمعين حوله قد ألقي على الأرض. مد الأب يده وأخذ جهاز الموبايل ونظر إليه، وحينها كانت الصدمة، فلقد تبين أنهم كانوا يطالعون فيلماً يحتوي على كم هائل من المشاهد الجنسية القذرة. لم يستطع الأب من قول كلمة واحدة لأن عقله أصبح عاجزا من هول الصدمة، فإبنه ومعه عدد كبير جميعهم كانوا يشاهدون هذا الفيلم وبوسط المدرسة وفي وضح النهار..!! الجبل والقبور ينظف الجبل الذي تكسوه الأشجار المتنوعة بعناية واهتمام. يجمع الأغصان اليابسة ويرميها بعيداً في مكان محدد، ومعها أوراق الشجر المتناثرة. تمر السنوات وهو يخصص كل يوم خميس وجمعة من كل أسبوع لهذا الغرض. يرفض أن يمر أي راع مع أغنامه على هذا الجبل. إن الجبل كان مكانا لتواجد مقاتلين من مختلف القرى كانوا يدافعون عن الناس العزل. لقد استشهد جميعهم وكل واحد دفن أمام شجرة إلا هذا الرجل الذي كتبت له الحياة ولهذا خصص بقية حياته لكي يذكر للأجيال قصص هؤلاء الأبطال الذي استشهدوا في هذا الجبل. وهو ما زال وفياً لهم، ويرعى الجبل الذي احتضنه واحتضن أصدقاءه، وأجسادهم الطاهرة. إناء فارغ كعادته يدخل إلى المقهى، ومعه كتاب ضخم اشتراه منذ قليل من المكتبة القريبة. هو لا يجيد لا القراءة ولا الكتابة، ولكنه يهوى أن يلصق نفسه بهذا المكان المعروف الذي يتواجد المثقفون والأدباء فيه دوما لكي يثبت للآخرين أنه مثقف وذكي مثلهم تماماً. يشعر بالفرحة والبهجة فلقد رأى كل من في المقهى ينظرون إليه، ومرسومة على وجوههم ابتسامة صفراء فتوقع بأنهم يتباهون به. إن الحقيقة كل من في المقهى يبتلعون ضحكاتهم لأن المدعي الغبي يمسك ويدعي بأنه يقرأ الكتاب وهو “”بالمقلوب””..!! كاتب الأسماء منذ أن أمسك القلم في مدرسته، أعجب المعلمين بخطه الجميل. طور هوايته على مدى السنوات، وتعلم كتابة كل أنواع الخطوط. بحث عن عمل يكسب منه قوت يومه من خلال هوايته فلم يجد..!! حتى وجد عملاً مزدهراً ومربحاً له، وقريب لهوايته..؟؟ لقد أصبح يكتب أسماء الموتى على القبور وهكذا أصبح مشهوراً وثرياً، فعدد الموتى في تزايد مستمر. اعتزال كان يصدر كل عام كتاب، أما مجموعة قصصية أو ديوان شعر. لا يترك صحيفة أو مجلة أو موقع على شبكة الأنترنيت إلا ويكتب فيها بالأدب والثقافة. اليوم مر عليه أربع سنوات وهو لم يكتب سطراً واحداً..؟؟ اختار العزلة و الانزواء بين جدران بيته. لقد رأى في ذاك اليوم المشئوم من يشتري كتب عظماء الشعراء وبعد ذلك يأخذها إلى أحد المطاعم الشعبية لكي يستخدم تلك الكتب الثمينة في “لف سندويشات الفلافل” ومنذ ذاك اليوم اعتزل الكتابة. الاستعداد الهتاف يضج بالمكان فرحين بما قام به، يخرج من المسبح بسرعة قياسية وينفض الماء عن جسده المبلل. ترتسم ابتسامة على وجهه، ويقول بصوت منخفض: أنا الآن مستعد. يحل المساء ويرتدي ثيابه ويخرج من بيته متجها نحو البحر حيث تنتظره السفينة نحو هجرته الغير الشرعية في أعماق البحر وهو فرح ومبتهج فمهما غدر البحر به فهو مستعد لكي ينتصر عليه حتى يصل للدولة الأوربية. حيوان الخلد يخرج من بيته ويصرخ عاليا وسط تبادل إطلاق الرصاص الكثيف: أنا إنسان لست حيوان الخلد أنا إنسان..!! يتحرك الجار بعدما سمعه ويدخله إلى بيته بالقوة بعدما دفعه عدة مرات، يلتفت إليه ويقول له : ما بك هل تريد أن تموت هل أصبت بالجنون. عاد الرجل للصراخ مرة أخرى: أنا إنسان لست حيوان الخلد أنا إنسان..!! يجيب الجار بالقول: نعم أنت إنسان ومن قال غير هذا..؟؟ حل الصمت بالمكان وشعر الجميع بالهدوء فالتفت الجار لجاره وقال له: ماذا تقصد بكلامك ؟؟ رد الرجل قائلاً: حيوان الخلد يعيش تحت الأرض في الخنادق ولا يرى النور ويتغذى على ما يجده وأنا وأنت وكل أهل المدينة أصبحنا بسبب الحرب كحيوان الخلد وأنا لا أريد أقضي بقية حياتي هكذا. يحرك الجار رأسه من دون أن ينطق بأي كلمة على ما قاله الرجل المسكين. *كاتب عراقي مقيم في بريطانيا