تقوم خبراتنا في الحياة على الملاحظة وعلى الاستفادة من الدروس لمن سبقنا، وغني عن القول إنه كلما تقدّم بنا العمر زادت خبراتنا ومعارفنا وهذا لا يقبل الجدل، لذا يعدّون من هم أكبر سناً الأكثر خبرة، وكما يقال في المثلك «من هو أكبر منك بيوم؛ أعرف منك بسنة» لذا كنت دوماً أقول إن قرأت أفكار الآخرين سواء من سيرهم الذاتية أو ممن قاموا بالتأليف عن تجاربهم وخبراتهم وآرائهم فستجد علماً غزيراً ومعيناً لا ينضب، وأصف هذا بالكنز المعرفي الثمين الذي لا ينتبه إليه الكثير. فعندما تكون موظفاً في إدارة للموارد البشرية على سبيل المثال فإن قراءة كتاب واحد من خبراء هذا الحقل قد تثريك وتفيدك كثيراً، وتختصر عليك الكثير من المعابر وتزوّدك بالخبرات المهمّة الحيوية التي تحتاجها، ولو قدّر لك أنك معلّم أو معلّمة أو محاضر في الجامعة، فإن اقتناءك لكتاب لمن سبقك في هذا الحقل؛ يصف تجاربه ويتحدّث عن مسيرته سيكون زاداً لا غنى لك عنه أبداً، وستكتشف أن بين يديك كنزاً معلوماتياً بالغ الأهمية سيفيدك ويجنّبك كثيراً من الأخطاء التي يقع عادة فيها من هم أقلُّ خبرة. وأدرك أن اكتسابنا للمعارف والعلوم لها عدّة منافذ وطرق، منها ما يتم تعليمنا في المدارس حوله، ومنها ما نتعلّمه بالمشاهدة، فضلاً عن تعلمنا من القدوة التي في البداية عادة يكون الأب والأم، لكننا بمجرّد ما نخرج من مجتمع المنزل نبدأ في صناعة نماذج جديدة من القدوة كمعلمين، محاضرين، وسائل إعلام، مشاهير وغيرهم، هؤلاء جميعاً هم المورد لمعارفنا الأولية سواء أدركنا هذا أم لم ندركه، فمع الأسف قد تكون هناك نماذج سيّئة وغير صحية يتخذها المراهقون كقدوة لهم في حياتهم. موضوع القدوة وأثره على النشء؛ موضوع كبير ويمكن الحديث عنه في مقالة مقبلة مستقلة، وأعود إلى محور حديثي للتأكيد على أنه من الأهمية أن ننوّع مصادر معلوماتنا ومعارفنا؛ لأن في هذا التنويع فائدة كبيرة لنا من حيث الغزارة التي سنجدها ومن حيث الخبرة التي سنكتسبها. البعض يقتحم مجالاً جديداً دون أن يكون لديه أية خلفية عنه، ويقول إن التعلُّم سيأتي بالتجربة ومن خلال العمل نفسه، وهو في الحقيقة يرتكب خطأ مزدوجاً، أولاً خطأ على نفسه بوضعها في مواقف محرجة، والثاني خطأ بحق من أولاه الثقة، وممن أيضاً قد يتلقّى هذه الخدمة منه.. لنقرأ ونستفد من خبرات مَن هم أكبر سنّاً.