آثرت أن أتجنب رؤية الفنان العظيم أيوب طارش في زحام المعاناة الباحثة عن مواساة المريض، وإكرام حاجته من باب التقدير الانساني والوطني لفنه العظيم وإبداعه المجيد.. آثرت ذلك، لأني على يقين من أن الحاجة إليه أكبر وأعظم من حاجته- إن سلمنا جدلاً بذلك لأحد، فرداً كان أو جماعة، شعباً أو دولة.. أقول هذا، وأنا على يقين أيضاً، من أن الفنان الكبير أيوب طارش جزء حيوي من مكونات الهوية الانسانية لليمن المعاصر، وعنصر بنائي للنفسية الفردية والجمعية وإدراكها للخاص والعام. لم يكن أيوب مجرد فنان يبدع اللحن والصوت، بقدر ما كان إنساناً يسمو بانسانيته إلى كل جميل في المبنى والمعنى، فإذا غنى للحب غنى للقيمة الجمالية في لفظ الحب ومعناه، فالمحب لا يرتوي من ظمأ حتى إن كان في السحاب، التي تصبح بهيامه سراباً. لست أهلاً لتقديم رؤية جمالية أو نقدية للتراث الغنائي العظيم للفنان أيوب طارش، فكل الذي أقدر عليه هو التعبير عن انفعالات وجدانية وانطباعات شعورية تكونت في نفسي من خلال ارتباطها بأغاني أيوب منذ أولى لحظات وعيي بالحياة. كانت نساء قريتي يعزفن حياتهن في ريف تعز على أنغام أيوب التي تعتبر أصدق تعبير عن آلام الغربة والفراق، وآمال الحصاد والعناق، وكنت أتأثر بتلك التنهيدات الحارة بصدقها كلما أصبح يوم جديد بصوت أيوب يغني ارجع لحولك أو بكر غبش بالخضرة في الأرض والإنسان. مثلما توحدت الأرض في نفس أيوب وفنه، توحد كذلك الانسان في الوطن والتاريخ، ليكون كل هذا في أيوب نبضاً ونغماً.. حلماً ووطناً، ومن أول أغنية، تجسد هذا المزيج ولا غرابة إذا كان اسمها أيوب طارش, فإذا كان الإبداع قد تكامل في الشعر واللحن، فإن الانسان قد ارتقى بهما إلى سماوات ما طاولتها سماء حين أنجبت لنا بخت كرب توأمان. أيوبنا والغناء وإنها للحظة تاريخية تلك التي أيقظت وعينا الوطني بهويته التي كان اسمها أيوب، لا لنتذكر رمزية هذه الهوية في علم ونشيد، ولكن لندرك أهميتها في البناء المادي والمعنوي للوطن الحلم والمجد، وللثورة الوفاء والخلود، وللوحدة المجد والانتصار فهذه الهوية هي وجودنا والمصير وهي الوطنية انتماء وولاء، ولها أبدع أيوب الفن والنغم. للشعب كان هتافنا، وللوطن يبقى نداؤنا، ومن لهذا غير أيوب الذي أحيا الروح الوطنية، من أول تجسدها الانسان في حاملات الشريم وحتى توقدها الإبداعي في نشيد تردده الدنيا وتعيده، وعلى من يريد استعادة الروح الوطنية إلى الأرض والإنسان في اليمن، أن يستلهم من أمجاد أيوب طارش ذلك المعنى الصادق في الاحساس والتعبير، هذا إن كان صادقاً وإلا فالمستقبل لكل أمين على عهد العمر وسنوات صبره على لوعات الحنين. إذاَ، لا يحتا مزيداً من التفاصيل... الصفحات اكروبات