وحدة الأرض والإنسان والمصير مثلت الهدف الأسمى والغاية المثلى للثوار في شمال الوطن وجنوبه، فمثلما احتضنت رموز المناضلين والأحرار أمثال الزبيري والنعمان فقد مثلت محافظة شبوة قاعدة لتنفيذ الهجمات على أوكار الإمامة في البيضاء لتكون الأخيرة رافداً بالمؤن والسلاح والذخيرة لثوار ثورة ال14 من أكتوبر المجيدة ثوار من أقاصي المهرة حتى أطراف صعدة تسري في عروقهم وحدة اليمن مدركين أن الواقع التشطيري فرضه الاستعمار الذي انتهج قاعدة “فرق تسد” بتواطؤ مع الإمامة التي تخلت عن وحدة اليمن مقابل اعتراف الانجليز بإقطاعيتها المذهبية.. مناضلون من أبناء شبوة يسردون حقائق تاريخية ل«الجمهورية» تؤكد بأن اليمنيين لم يتخلوا يوماً عن وحدة وطنهم. الثورة الأم شبوة كغيرها من محافظات الجمهورية اليمنية كان لأبنائها شرف الإسهام في الدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة كما يقول المناضل محمد عوض سالم الذي بلغ به العمر مداه مؤكداً أن الثورة السبتمبرية تعد الثورة الأم التي تمخضت عنها ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م، وصولاً إلى طرد المستعمر الانجليزي، والسعي الحثيث لتحقيق الوحدة المباركة، ولقد شارك الكثير من الثوار في شبوة مع إخوانهم بنصرة الثورة السبتمبرية وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل التخلص من الإمامة والاستعمار وهنا في محافظة شبوة كانت جبال حطيب القاسية هي الشرارة التي تفجرت في وجه الانجليز وفاجأتهم المقاومة هناك، وفي كل ربوع محافظة شبوة، وكانت مناطق البيضاءوبيحان ومرخة هي الطرق الآمنة التي يتنقل من خلالها الثوار بخفية وسط متاهاتها الوعرة، ولقد كان القضاء على النظام الإمامي والكهنوتي في الشمال الحافز الكبير لشحذ الهمم ورص الصفوف وطرد البريطانيين من جنوب الوطن اليمني بعد مائة وتسعة وعشرين عاماً من الهوان. طائرة محطمة على بعد مائتي كيلومتر من مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة كانت بيحان المديرية بتلالها وجبالها ووديانها التي قاومت الإنجليز. وعلى حافة وادي خير في إحدى القرى المطلة على الوادي المزدحم بأشجار السدر صادفت إناءً بلون أجساد الطائرات المقاتلة، ورغم عملقته كان وزنه أخف من المتوقع، وهناك التقينا الأخ عوض ناصر حميدة الذي اوضح أن هذا الوعاء الكبير ماهو إلا بقايا طائرة محطمة إنجليزية أسقطها الثوار وتحطمت بطاقمها العسكري فتقاسم الناس أشلاءها للانتفاع بها، ووالدي كان نصيبه هذا الوعاء ربما أنه ذيل الطائرة أو غلاف محركها، ويستطرد الأخ عوض في سياق حديثه بالقول: لقد كانت بيحان تضم في طياتها عسيلان وعين اللتين أضحتا في الوقت الحالي مديريات مستقلة، وكان الثوار في الشمال والجنوب متفقين على رأي واحد وهو تطهير اليمن بشطريه من الإمامة والإنجليز، وتوحيد الإخوة في كلا الشطرين والحمدلله تحقق الهدف الأسمى وهو الوحدة المباركة. مقاومة شرسة بمحاذاة مديرية حطيب المكفهرة الملامح الجبلية كانت منطقة عبدان التابعة لمديرية نصاب فيها التقينا أحد الكهول الذي بلغ من العمر قرابة المائة والخمسين عاماً، إنه الشيخ صالح الجنيدي الذي نبت في رأسه قرنً طويل لطول سنه، والذي شارك الثوار في النضال ضد المستعمر الإنجليزي، يقول الشيخ صالح: لقد كنت انقل للثوار الطعام متجاوزاً وعورة الصخور، متستراً بالليل تارة، وبأشجار النهار تارة أخرى، كما كنت أحمل بندقيتي الطويلة، وفي لحظات حُمّى الوطيس أنضم إلى جانب أصحابنا في المقاومة، وكم هي المرات العديدة التي زودت فيها المقاتلين الصناديد بمؤن وطعام، وعلى كتفي حملتُ كل الأشياء الثقيلة، وصادفت الكثير من الأهوال، لكن المستعمرين تابعوا تحركي، ولم يستطيعوا القبض علي ، فلجأوا إلى المكر، وفي أحد الأيام وفيما كنت ذاهباً لإمداد الثوار بالطعام صادفني لغم تفجر بي بعد أن داسته إحدى قدمي فبترت إحدى سيقاني – وأشار الشيخ صالح لساقه المبتورة.. ثم يختتم حديثه بالقول : أهم الأشياء التي أحس بها كلما ذكرتها في غرفتي هذه بعد أن أصابني العجز والشيخوخة هي الوحدة المباركة ومنجزاتها العملاقة ولقد التقيت بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح حفظه الله قبل بضعة سنوات، و سألني نصيحتي، فقلت له: سر باليمن السعيد إلى بر الأمان والله ناصرك رغم الحاسدين، ووالله أنني أشعر أن نضالي ونضال كل الرجال الذين مات أغلبهم لم يذهب سدى، طالما وأن الوحدة المباركة قد تحققت، والله يحفظ وطننا ووحدتنا وشعبنا وقيادتنا السياسية. قطع رؤوس المستعمرين بالأسلاك المناضل ناصر عوض تحدث بأسارير متهللة عن ثورتي سبتمبر وأكتوبر بالقول : في البداية تم استدعاؤنا للالتحاق في الجندية اعتقد في العام 1955م، وكان الانجليز هم المشرفون على هذا التجنيد، وتم نقلنا إلى عدن، وكان التدريب والأوامر العسكرية من الضابط الانجليزي تلفحنا على طول النهار، ولكن الأمر في الليل مختلف، حيث يتحول الغالبية منا إلى مقاومين ضد الإنجليز، ولقد كنت أسافر إلى المناطق في شمال الوطن في لحظات لا يحس بها أحد،وانقل الأسلحة في أكياس على ظهور الحمير، وبعد قيام الثورة السبتمبرية ارتفعت الهمم، وتجددت الاستراتيجيات المتطورة، ودعمنا إخواننا الثوار.. فكنا ننصب الفخاخ للإنجليز ونضع أسلاكاً رفيعة منتزعة من الإطارات، ونوصلها معلقة على عرض الطريق بحيث لا تُرى، مع تثبيتها بإحكام، وكان الإنجليز يأتون بسياراتهم المكشوفة.. تقطع رؤوسهم، وبعد عدة عمليات نصبوا السكاكين المثبتة على سياراتهم، وعمموا صورنا أنا وبضعة أصدقاء إلى أن كانت إحدى الليالي وبينما نحن ماضون إلى مهمتنا اعترضتنا نقطة جديدة وأنزلونا لتفحصنا والمقارنة بين صورنا وشعرت بأن تلك اللحظة هي نهايتي، وإلى خيمة تم اقتيادنا، وبعد طول تمحيص ودعاء وسرد الآيات القرآنية أطلقوني وأنا لا أكاد أصدق ولكنهم استبقوا زملائي، وبالتضحيات المستمرة، تم طرد آخر جندي بريطاني من عدن.