تمارس الطب دون أن تعرف أبجديات القراءة والكتابة ..الحاجة غالية البناء امرأة سبعينية برعت في طب العيون ،فأضحت الطبيبة الوحيدة التي تداوي الفقراء والمحتاجين في قرية دمنة نخلان بمديرية السياني محافظة إب التي زارتها صحيفة الجمهورية إلى منزلها فمع التفاصيل: منذ زمن لا أتذكره كان هناك الكثير من الفلاحين في محافظة إب الذين تصاب عيونهم بالأمراض والعلل ،وكانت حالاتهم المادية الصعبة لا تسمح لهم بالذهاب إلى المستشفيات ،فكانوا يلجأون إلى امرأة أمية لا تعرف التعليم ولا أبجديات القراءة والكتابة ،ولم يكونوا يعودن إلا وقد برأت عيونهم ،وظل حب الاستطلاع يراودني بين حين وآخر لمعرفة هذه الطبيبة التي أنقذت أبصار فقراء المناطق المختلفة ،وتوجهت لزيارتها في منزلها في دمنة نخلان بمديرية السياني بمحافظة إب ،واستقبلتني بتجاعيدها السبعينية وبشاشتها ،وكان بضعة فلاحين منتظرين أدوارهم لعلاج عيونهم ،فتركت مرضاها للتفرغ للحديث قائلة: في البداية لم أكن أعرف شيئا سوى مشاغل الحياة الريفية اليومية،تماما كما هي حياة غالبية الناس في منطقتي التي أعيشها ،إلى أن صادف ذات يوم أن أصيبت طفلتي بشظية من شظايا قصب الدخن ،وبدأت عيناها تميل نحو الابيضاض ،فأخبرت زوجي بذلك لكنه نهرني.. مؤكدا عدم قدرته على مداواتها ، واضطرتني الحاجة أن أدخل لساني إلى عينيها، وبقدرة الله امتصت لساني كل ما أصاب طفلتي،فزال الألم على الفور، ومنذ تلك اللحظة اكتشفت نفسي فعرف الناس بقصتي، وتوجه إليّ الفلاحون شاكين آلام عيونهم، فنجحت في مداواتهم ،مجنبة إياهم خسارة المستشفيات ،مع العلم أن الحياة الزراعية تعرض الكثير من الفلاحين إلى خطر إصابة عيونهم بالعيدان وأشواك التين والغبار والحصى. كذلك الحدادون معرضون للإصابة ببرادات الحديد الصغيرة، والحمدلله عالجت كل هؤلاء، ولا أتعاطى أجرة عملي من الفقراء أبداً؛ إذ كيف بالله عليك آخذ منهم فلوسا وهم معدمون ، أما الأغنياء فإنني آخذ أجراً منهم مقابل علاجهم. إحساس طبي وتستطرد الحاجة غالية البناء حديثها بالقول : من المواقف التي أتذكرها أنني نزلت للتداوي بمعية زوجي عند احد الأطباء في تعز ويدعى الدكتور الآنسي ،وبالمصادفة عندما كنت أتداوى لحظت مريضا مغطيا على إحدى عينيه بالشاش الأبيض، فسألته وأجابني عن حالته، وعلى الفور انتزعت ذلك الشاش المغطي به إحدى عينيه ،واستخرجت شظية الحديد الصغيرة العالقة بعينه بواسطة لساني، وشفي على الفور رغم أنه مضى عليه بضعة أيام وهو ماكث في المستشفى بلا نتيجة ،وحاول الطبيب الآنسي إقناعي بالعمل، لكنني رفضت، ولو حاولت إحصاء الذين جاءوا للتداوي عندي لتجاوزت أعدادهم الآلاف ،حيث يأتونني من مختلف مناطق محافظة إب ومن عدن ،حتى الدكتور طه النخلاني صاحب الباع الكبير في الطب ولديه عيادة خاصة ،جاء بابنته فداويتها له،ووالله أن هناك الكثير ممن جاءوا إليّ فداويتهم في ظرف خمس دقائق ،حيث أدرك ما الذي يعانيه المريض. وأي عين تحتاج إلى عملية أشير إلى صاحبها بالتوجه إلى المستشفى، وبعض العيون لا تحتاج أكثر من بضع قطرات من دم من أصبعي الصغيرة ، وبعض الذين تكون عيونهم مليئة بالغبار والحصى وأشواك التين الصغيرة وبرادات الحديد فإنني أستخرجها، أما المصاب بغشاشة على عينيه فإنني أنصحه بعمل الإثمد عليهما كل مساء، ولكي أصدق حديثها فقد اختبرتها في عيني، فأدخلت لسانها السحرية فيهما ،ثم أخبرتني أنها مصابة بغشاشة، وكان كلامها صحيحا، فعملت بمشورتها وشفيت عيني على الفور طبيبة الفقراء وتواصل غالية البناء حديثها بالقول: والله ليس في طبي أي كذب أو دجل، فالله سبحانه وتعالى معيني على هذا العمل الذي نذرته لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وليعلم الجميع أنني لا أعرف أقرأ أو أكتب حرفا واحدا،،ويؤكد ابنها أمين صدق حديثها بالقول : الحمد لله على هذه النفحة التي وهبها الله لوالدتي التي لم ترد من بابها فقيرا يريد أن يعالج عينيه أو عيون أولاده ،كما أنها تقدم المشورات الطبية لكل من تعرف ومن لم تعرف خالصة نصيحتها لوجه الله، والحمد لله فمرضاها لا ينقطعون عن زيارتها أبداً، وها هي في السبعين من العمر وما زالت تعالج عيون الناس بلسانها . قبل مغادرة منزلها كان لا بد من الالتقاء بأحد مرضاها، وتحدث احمد محمد علي الحبشي قائلا: إنني أعمل في الحقول الزراعية التي أملكها، وكثيرا ما تؤلمني عيوني إما لتعرضها بطريقة مباشرة للإصابة بأحد العيدان أو دخول الحصى والغبار والعيدان الصغيرة فيهما ،فأجيء إلى الحاجة غالية لمعاينة عيوني، وقد قررت لي في المرة الماضية عودة جديدة إليها، والحمدلله استخرجت كل ما علق بعيوني بواسطة لسانها، ثم وضعت تلك الحصوات بين يدي، وهاأنذا قد برأت من ألم عيني بإذن الله، وأكد حاتم حمود عبده المريض الآخر صدق حديثه ، مؤكدا أنها استخرجت بضع حصوات من عينيه،وغادرت المنزل وغالية ما زالت تشرح ما يضر العيون وما يفيدها ،والدواء المناسب لها ،والتفاصيل الدقيقة للعين، ورغم أنها لم تتخرج من جامعة أو كلية طب تسرد لي محتويات العين كطبيبة حاذقة ماهرة، فقلت لنفسي: ذلك كرم من الله وهبة لها لمعالجة الفقراء والمحتاجين.