من أين أبدأ وماذا أقول وكيف أتكلم.. لا أعرف تماماً كل ذلك، أصبحت لا أفقه شيئاً، لا علم لي ولا عقل، كأني تأئه ومضيع في هذا الزمن، الذي لا يرحم أحداً ولا يفرق بين أحد كيفما كان هذا وذاك.. صرت مشتت الأفكار، انتابني خوف شديد وفزع فظيع، لم أصدق أن هذا هو حالي، وأني في وضع عقلاني يرثى له.. كل ذلك أصابني وبشكل أبشع نتيجة هول وفظاعة، بل وبشاعة التفاصيل، التي تخص إحدى جرائم القتل الشنيعة، تفاصيل ولا أشنع منها بمختلف جوانبها، طريقة ارتكابها علاقة القاتل بالضحية السن الكبير للضحية المشهد اللاإنساني الذي عايشته الضحية على مرأى ومسمع طفلتي القاتل ومن ثم الطريقة الموحشة التي سلكها الوحش في التخلص من فريسته السهلة بعد أن أنقض عليها، دون رحمة أو خوف من أحد.. و الأهم أنه مهما كانت الأسباب والدوافع، وكيفما كانت لا يشفع للمجرم أن يقوم في ارتكاب جريمته الشنعاء لأسباب إلهية وربانية ودينية وإنسانية.. جريمة أعجزتني تفاصيلها عن كتابتها وسرد وقائعها ونزلت دموعي غصباً عني، ووقفت عائقاً لي في تناول قلمي العادي والبدء في الكتابة لكني لم أضعف أمامها وأمام هول تفاصيلها، التي أسردها في الأسطر التالية، التي تحكي كيف تخلى فيها المجرم عن إنسانيته، التي كان يخفيها وراء قناعه الزائف رغم بلوغه من العمر عتياً في الأربعين عاماً.. متزوج ولديه طفلتان في عمر الزهور الأولى خمس سنوات والثانية ثلاث سنوات، تعيشان معه في منزل جدتهم “والدة أبيهم” التي صارت في السنوات الماضية القليلة، تحل مكان أمهما المطلقة، فلم تبخل الجدة على عمل أي شيء لحفيدتيها، وكل ذلك لم يشفع لها، أمام ابنها الأربعيني الذي يعمل في بيع الفحم الأسود، الذي ربته أمه ذات ال60عاماً منذ طفولته ونمو أظافره وبلوغه شبابه إلى أن صار رجلاً مفتول العضلات، حتى شاب شعره المقارب جداً لشيب شعر رأس أمه العجوز نسي في ليلة وضحاها من تكون هذه المرأة العجوز وماذا تعني له!. اختفاء غريب فجأة وفي يوم جمعة مباركة اختفى هذا الرجل وشهد اختفاؤه الغريب غياب مريب لأمه العجوز وبقاء الطفلتين وحيدتين في إحدى غرف المنزل الواقع في إحدى مناطق مديرية حبيش، محافظة إب. وقتها أحس بعض من أفراد الأسرة ذلك الاختفاء للرجل والغياب للأم، فسارعوا في البحث عنهما والعمل على الاعتناء بالطفلتين اللتين أرهقهن التعب من شدة الجوع طوال فترة تواجدهن داخل الغرفة وهي مغلقة من الخارج ومن شكلهن يتضح الخوف ظاهر عليهن بمثابة اللغز المحير للجميع مع حيرتهم من اختفاء الأب وأمه..تم اللجوء إلى أمن المديرية بعد أن فُقد الأمل في العثور عليهم بعد البحث الطويل في كل مكان يحتمل تواجدهم فيه، أو ذهابهم إليه، ولا فائدة من استمرار البحث ولكن كان لا بد من اللجوء إلى الوسيلة الأخيرة والوجهة الأهم لأفراد الأسرة بدءاً من الإبلاغ عن اختفاء الأم وابنها في ظروف غامضة مع ظهور الإشاعات المختلفة المفسرة لهذا الإختفاء كلاً بحسب فهمه وتحليله وحتى جهله فالكلام مسموح لا يفرض أحد على أصحابه أية ضريبة مقابل الثرثرة العمياء، التي ينتهجها البعض.. قام مدير أمن جيش العقيد/ احمد مشرح بتوجيه رئيس قسم البحث الجنائي لديه الرائد/ عبد الله القيادي بسرعة اتخاذ الإجراءات ويقيد بلاغاً بالواقعة والتعميم بأوصاف المفقودين هكذا اطلق رجال الأمن وصفهم على الأم وابنها والبحث والتحري عنهما وتكثيف الجهود كلما استمرت عملية البحث دون أية نتائج تذكر في ظل متابعة وتوجيهات العميد/ ناصر عبد الله الطهيف مدير عام أمن محافظة إب، حتى إدارة البحث الجنائي بأشرت البحث عن المفقودين عقب تلقيها لتفاصيل البلاغ وأوصاف الأم وابنها حيث كلف العقيد/ أنور عبد الحميد حاتم، مدير مباحث المحافظة قسم التحريات بسرعة التحري والبحث عنهما. استغراب أسري أفراد الأسرة أبدوا استغرابهم الشديد لهذا الاختفاء لكنهم لم يفصحوا عن ما لاحظوه من آثار غريبة على رأس إحدى بنات الرجل المختفي مع أمه، وهو ما عرفه رجال الأمن في وقت آخر من سيرهم بالبحث عن المفقودين.. مع مرور اليوم الأول “ الجمعة” والثاني”السبت” وقدوم اليوم الثالث”الأحد” شرعت التفاصيل تظهر وينزاح عنها الستار، شهد هذا اليوم البداية الحقيقية لكشف ما حدث ومعرفة الذي وقع وحل اللغز المحير للجميع، انطلق من إحدى المديريات القريبة لمديرية حبيش وهي المخادر حينما لاحظ المقدم/محمد القيادي نائب مدير أمن المخادر رجلاً غريباً بحركاته وكأنه ليس من نفس المنطقة ما جعله يقترب منه أكثر والحديث معه رجلاً لرجل، كلاهما لا يعرف من يكون الآخر، ما جعل الكلام بينهما يأخذ حيزاً لا بأس به من الصراحة والصدق والوضوح من كلمة إلى أخرى وموضوع إلى آخر.. اكتشف الضابط القيادي أن هذا الشخص هو ذاته المبلّغ بفقدانه مع أمه من مديرية حبيش، لكن أين هي أمه، لم تكن بصحبته وهو مازاد الضابط التعمق في الحديث مع هذا الشخص أكثر وأكثر.. لم يخرج حينها بأية معلومة هامة وصحيحة تؤكد شيئاً، أو تظهر أين هي أمه؟ وكيف جاء إلى هذا المكان، ظل يستمع له وقتاً طويلاً دون ملل أو كلل، وإنما بصبر وسعة القلب لعله يصل إلى شيء.. تحقق له ما أراد بعد عناء شديد أذاقه هذا الشخص الذي بقدرة قادر نطق بكلام يوحي من معناه أنه يشتكي من أمه وتصرفاتها معه وأفعالها تجاهه ظلماً على حسب قوله- هذا ما جعل المقدم القيام باصطحاب الرجل معه إلى إدارة أمن المديرية، لإكمال الحديث معه ومعرفة شكواه بأمه من عدمها. انكشاف الحقيقة - مع تبليغ أمن حبيش بالعثور على الرجل المفقود وقبل وصول مندوب من لديهم لاستلامه وإيصاله إلى أمن المديرية لإكمال النقاش هناك وهو ما تم فعلاً وفق تعامل رائع ونقاش هادىء واستماع بناء من طرف رجال الأمن وخاصة المقدم/ القيادي الذي ومن خلال شكوى الرجل وكلامه عن أمه احس أن الرجل بكلامه هذا يبرر شيئاً أو فعلاً قام به بحق أمه العجوز لطالما ولم يتم العثور عليها برفقته فهما مفقودان معاً واختفيا بوقت واحد.. لحظات ويعترف تلقائياً بانه قتل أمه تخلصاً منها إلى الأبد ودفنها بيديه، وانتهى مع رحيلها كل ما كان يحصل له من أفعالها وأعمالها بحقه.. نعم قتل أمه واختفى هو لوحده عقب دفنها تحت التراب دون أن يشاركه أحد وحدد مكان الدفن.. كان أول إجراء بعد اعترافه وتحديده مكان دفن أمه أسفل المنزل هو التحرك من قبل الأمن والتنسيق مع وكيل النيابة وبحضور أعيان المنطقة وعدد من الأهالي وكذا الابن القاتل الذي حدد المكان بالضبط.. والشروع بحفر المكان الذي مع الحفر ونبش التراب منه حيث بدأت الروائح المتعفنة بالانبعاث..المفاجأة استخراج الجثة جثة "الأم" الميتة والعمل على معاينتها وتصويرها من قبل الأدلة الجنائية وتحديداًَ الرائد/محيي الدين عباس الفلاحي مدير الأدلة الجنائية في إب يتم نقلها إلى المستشفى وإيداعها الثلاجة حسب النظام حيث لوحظ على الجثة التعفن وطرأ عليها التغير في الجلد والملامح ووجود آثار للخنق على الرقبة وآثار حروق بالرأس. تفاصيل الجريمة تم عودة رجال الأمن والمتهم معهم وفور وصولهم باشروا في أخذ محضر معه ومعرفة التفاصيل الكاملة لاعترافاته بالقتل وارتكاب جريمته الشنعاء بحق أعز مخلوقة بالدنيا عنده “أمه العجوز” وفعلاً سرد التفاصيل المؤلمة والموحشة ذكر كيف قام بقتلها ومن كان حاضراً وقتها، لمعرفة كل ذلك سأوجزها بشكل سريع بالسطور القادمة. في يوم الحادث وأثناء ماكان مع أمه العجوز وبناته الصغار “الطفلتين” بالغرفة يقوم وبدون سابق إنذار أو موعد بالانقضاض على أمه كالوحش الكاسر ماسكاً عنقها بيديه الداميتين بقوة كبيرة، ويخنقها بشدة إلى أن أحس أنها قد توفيت وماتت نتيجة خنقه لها بوجود طفلتيه اللتين ظلتا تراقبان فعلة أبيهن وجريمته.. نظرات طفولية وبريئة كانت تنطلق من أعين الطفلتين، مشهد سيظل عالقاً في ذاكرتهن، فهن في عمر الزهور.. طفولة رائعة أفسدها جرم الأب بحق أمه "جدتهن" التي قتلت خنقاً، بعدها يقوم المتهم بأخذ جثة أمه إلى خارج الغرفة، ولم يكتف بما قام به فيها وإزهاقه لروحها، فقد تعرضت الأم المقتولة للإحراق بالفحم المشتعل على رأسها، والشيء ذاته حدث لابنته "فردوس" حيث قام بإحراقها بالفحم خلف رقبتها وبمقدمة رأسها مهدداً لها ولأختها الصغرى، بقتلهما إذا ما تفوهتا بكلمة واحدة لأحد عما شاهدتاه بقيامه بقتل وخنق أمه، وأغلق عليهن من الخارج، واتجه بالجثة إلى أسفل المنزل وحفر لها حفرة مستخدماً المفرس والمجرفة وإدخاله للجثة عقب إكماله للحفر في الحفرة، وأعاد التراب فيها دافناً لأمه بها وغادر عقب انتهائه، وكأن شيئاً لم يحدث، فما الذي جعله يقوم بارتكاب فعلته الشنعاء بحق أمه وأمام بناته اللتين اغتال طفولتهن البريئة بعد اغتياله لأمه خنقاً.. وقد علل القاتل والمجرم أن سبب قيامه بقتلها والخلاص منها بغض النظر عن الطريقة والكيفية هو أنه تخلص من رحيلها من الحياة التي لم يعد يطيقها منذ أن كانت تقوم أمه بعمل الاسحار ووضع ما يعرف ب”الشخاطط” له في أماكن عدة. أمه سحرته وقضت على حياته على حد قوله، وهذا ما جعله أن يقضي على حياتها وقتلها.. إنه لعذر أقبح من ذنب، أيعقل أن يقوم بقتلها لأي سبب كهذا! ومهما كانت الأسباب ويلفت الدوافع لا يعقل أن تقتل امرأة عجوز وأم كبيرة في السن على يد ابنها وفلذة كبدها.. إنها القيامة.