ليس من قبيل الصدفة أن تؤدي رواية تاريخية تحتمل الصواب والخطأ إلى الاهتمام بمنطقة أثرية من قبل جماعات مجهولة قد يكون البحث عن الآثار وتهريبها من صميم عملها، لكن أهالي قرية القطين والسليف في مديرية مقبنة بمحافظة تعز يريدون أن يبقى تاريخ أجدادهم أو بالأحرى تاريخ منطقتهم محمياً من أي محاولة اعتداء أو تهريب ما لم يكن اكتشاف ذلك من قبل جهات رسمية تحفظ للمنطقة حقها التاريخي فهم يدافعون عن ذلك الإرث الذي لا يعلمونه إلا بما حكى عنه الأسلاف وتناقله الآباء والأجداد.. الحكاية الكاملة لمحاولة الاعتداء على جبل الجن القفل وأسبابها وتبعاتها نلخصها من خلال نزولنا الميداني... ارتبط جبل المقفلة في مديرية مقبنة بتعز بأسطورة تقول: إن ملك الجن يسكن هذا الجبل. ما جعل الأمر عندهم أكثر تصديقاً هو وجود صخرة أمامية واضحة للعيان تشكل بوابة ضخمة للجبل وصخرة أخرى بالخلف، لكنها ليست بنفس الوضوح حتى أصبح الرعاة يصعدون الجبل حذراً وينزولون مع غروب الشمس دون أن يحملوا شيئا من أحجاره؛ لأنه يخال لهم أن ذلك يزعج ملك الجن وهو ماتناقلوه عن أجدادهم. هل هي قرية أثرية أم...؟ صعدنا فوق الجبل فلم نجد شيئا سوى بقايا أطلال لديار وأحجار.. وحفر كالآبار تمتاز بالسماكة، وكأنها كانت مرتعا لحياة خصبة ظلت رابضة فيها لسنوات حتى حل عليها الخراب، لكن الغريب أن أهالي القرية التي تقع تحت الجبل لايعلمون من تاريخ هذه القرية الأثرية "الجبل" شيئا سوى أنهم سمعوا أن اليهود كانوا يسكنون فيها ويكنزون الذهب والمجوهرات، لكن كبار السن ممن قابلناهم يؤكدون أن أكثر من عشرة أجداد لم يعرفوا.. أهالي هذه القرية من قبل. مدير عام الآثار بتعز العزي مصلح يؤكد أنه نزل بنفسه إلى الجبل بناءً على توجيهات من المحافظ حمود الصوفي وقال: نزلت ولم أجد أي لمسات للتدخل البشري على الإطلاق والمسألة أن عوامل النحت والأسباب والتعرية الطبيعية هي التي شكلت بروز الجبل كهيئة ظله لتتعامد الشمس عليه، وتتوزع الأشعة البنفسجية على الجوانب، وبقي في الوسط ما يشبه الذهب. وقرية الجن هذه كل ما فيها أنه يوجد باب شكلته عوامل التعرية وجعلت الرؤية عليه من بعيد يخيل بأنه باب، وحينما تصعد عليه تجد أنه ليس به أي شيء. قرية مجاورة وقصة مشابهة القصة الأسطورية الأخرى تدور في جبل القشعة المجاور، حيث يقال إن أهالي القرية كانوا يدعون (يا الله بحرب أو حراب أو دولة تدق التراب) فسلط الله عليهم حشرة، اسمها الحراب قتلت بعضهم وهجرت آخرين نقلوا قديماً إلى مديرية تسمى اليوم الظهرة. الاعتداء الأخير يقول أبناء القرية إنهم لاحظوا منذ غروب الشمس، الخميس الماضي مجموعة مجهولة تصعد جبل المقفلة دون أن يكون لديهم علم بنية هؤلاء، وما إن بدأت الساعة الأولى من منتصف الليل حتى سمعوا صوت حفر وتكسير من الجبل اجتمع بعدها عدد كبير من الرجال والشباب من قريتي القطين والسليف لمنعهم، وعندما باشروا الصعود قوبلوا بإطلاق نار باتجاههم واتجاه قراهم، لكن علمهم بتضاريس المنطقة جعل بعضهم يلتف عليهم من الخلف وتمكنوا من محاصرتهم. يقظة أمنية خمس دقائق فقط من اتصال الأهالي بمركز الشرطة في المديرية حتى كان الطقم موجوداً يحاصر العصابة مع المواطنين الذين طوقوا على العصابة حتى وصول الشرطة وألقت القبض على ثلاثة عشر شخصاً من أفراد العصابة مع أسلحتهم وأدوات العمل الخاصة بهم وثلاث سيارات كانت تنتظرهم وتحميهم على الخط العام. فتحي قصة بطل أبناء هذه المناطق يعتزون أنهم من الأخلود وما إن نسأل أحدهم عن اسمه حتى يكون الخليدي سابقاً له.. كما هو معهود عن قيم التكافل الاجتماعي الذي يتصفون به.. فتحي الخليدي أحد الشباب الذين دافعوا عن القرية يقول بحرقة وغيره: إذا كانت هذه المناطق هي مناطق آثار فعلى الجهات الرسمية البحث عنها وحمايتها نحن قمنا بدورنا في المرات السابقة التي تعرضت لها المنطقة من اعتداء على آثارها وتاريخها، ودافعنا عنها، واليوم تعرضنا لإطلاق نار على قريتنا من قبل مجهولين سبب الخوف والهلع للنساء والأطفال، وهذا يزيدنا إصرارا على الحفاظ على تاريخنا. فحم وكتب وخرائط بعض سكان المناطق القريبة من الجبل يقولون إنهم يشاهدون باستمرار مجاميع مجهولة تحمل أكياسا (شوالات) يعتقدون أن بداخلها قطعا أثرية من القرية التي تعلو جبل المقفلة، خصوصاً أنهم وجدوا معهم كتبا وخرائط للعثور على أماكن الكنوز، لكن ما يراه غريباً أبناء المنطقة هو اصطحاب الذين يعتدون على القرية كميات من الفحم ومشعوذين مما يجعل الرواية الأسطورية مفتاح هؤلاء للمجيء إلى القرية ..والسؤال لايزال قائماً: هل القصة حقيقة أم مجرد أسطورة؟! مدير هيئة الآثار أوضح لنا أن الأشعة الذهبية التي تصنعها هالة من ضوء الشمس أغرى مجموعة من الناس الذين أولوا هذا الباب بأن منه سوف يخرج المهدي المنتظر وانتشر الخبر بين الناس بأن المهدي سيخرج من هناك ورواية أخرى تقول: إن ملك الجن "عيرود" يسكن فيه، وهم ينتظرون الكنوز، وهؤلاء قد حفروا حفرا صغيرة في قرية تسمى قرية اليهود، لكن لم يجدوا شيئا.. الناس لايزال لديهم موروث من الأساطير والجن والعفاريت؛ لدرجة يخيل للفرد أن الناس لايزالون في العقلية القديمة في تصديق الخرافة.