نظم منتدى التجديد في الفكر الإسلامي”رؤية معاصرة” ندوة خاصة حول”مشروعية وعمل البنوك الإسلامية؟ اليمن نموذجاً”.. ولأن قضية البنوك الإسلامية جديرة بالنقاش، خاصة ما يتعلق ب”الربا” التي تقول إنها لاتتعامل معه ولأنه مرتبط بالبنوك والبنوك مرتبطة بالاقتصاد والاقتصاد مرتبط بالسياسة والاقتصاد والسياسة متلازمان فإن”الجمهورية” تنشر أوراق الندوة مع مداخلاتها للأهمية. الورقة الأولى عبدالله القيسي . البنوك الإسلامية خلفية تاريخية في البداية هناك حقيقة مفادها أن الإخوان المسلمين إذا أقروا فكرة يحصل لها نوع من الإجماع, وهنا يكون من الصعوبة محاولة تفكيكها مرة أخرى .! وإذا وجد هناك بحث مخالف لتلك الفكرة يُودى مباشرة قبل أن يولد أو حتى بعد ولادته. وقضية البنوك من خلال النظر إلى تاريخها, أستطيع أن أقول إنها مرت بثلاث محطات, المحطة الأولى وهي مرحلة دخول البنوك في العالم الإسلامي في بداية القرن العشرين والبداية كانت في مصر، وكان في تلك الفترة لا يزال الإمام محمد عبده ورشيد رضا وقبل بداية القرن بقليل جمال الدين الأفغاني ، وتعد تلك الفترة من أنضج الفترات في الوطن العربي والعالم الإسلامي, وقد تعاملت مع البنوك بشكل إيجابي كونها شيئا جديدا لم يكن عند الآباء و هي طريقة جديدة في الاقتصاد, والتحول الذي حدث في الخمسينيات هو التأثر بالنظرية الاشتراكية بشكل كبير, والاشتراكية في مشروعها نقيض للفكر الرأسمالي, والبنوك هي نتاج فكر رأسمالي, وهنا بدأت تظهر بعض الآراء على أنها يعني البنوك ربوية, باعتبار التأثير الاشتراكي في المنطقة, وهنا انقسم العلماء إلى قسمين وأستطيع أن أقول إن محمد أبو زهرة كان يقود التيار بالتحريم للبنوك بحجة أنها ربوية, والإمام محمود شلتوت وعبد المنعم النمر يقود التيار الآخر الذي يرى فيها الجواز, إلى أن جاءت فترة السبعينيات وهي المحطة الثالثة, أنشئ أول بنك إسلامي في دبي, وكانت هناك بداية تشكل لنظرية عند بعض المفكرين القريبين من فكر الإخوان المسلمين وأنشئ هذا البنك وكان الداعم الرئيسي له هو يوسف ندى منسق العلاقات الدولية الخارجية لجماعة الإخوان المسلمين في الخارج, وعندما أنشئ هذا البنك كان الغرض منه هو الهروب من بعض القضايا التي يدور حولها بعض الإشكالات وكانت توصف بأنها ربوية, ومن هنا سميت بنوك إسلامية, ومع دخول وامتداد التيار السلفي القادم من نجد مع ثورة البترول بدأنا نسمع بالرأي الوحيد والإجماع حول قضية أن البنوك ربوية, والمتأمل يجد أن الظهور لهذه الفتاوى من بداية السبعينيات, وبدأنا نسمع أن الآراء التي تتحدث على أنها بنوك عادية أصبحت شاذة ومخالفة للإجماع, مثل رأي الطنطاوي والآن الشيخ على جمعة, وهذه الثلاث المراحل الكثير من الناس لا درك غالبية علماء الأمة والأزهر يرى في تعامل البنوك شيئا طبيعيا, وغياب هذا التفصيل والخلفية التاريخية جعل يوقع الكثير في وهم وهو مخالفة الإجماع, وهنا نطرح تساؤل إجماع من ومتى, هل إجماع بداية الظهور علماء الأمة يجيز تعامل البنوك إجماع الوسط كان هناك خلاف, والعجيب أن الناس لا تعرف أن فترة 1900- 1950م هي الفترة التي ما زلنا نعتمد عليها في الفكر حتى اليوم, وهي من أخصب الفترات خصوبة في الفكر الإسلامي, سواء على مستوى الفكر أو الثقافة أو الأدب أو الفن, ولو أن الأمة استمرت على ذلك الزخم وذلك النشاط وذلك الصعود في الفكر لكان وضع العالم العربي والإسلامي اليوم مختلفا بكثير عما هو الآن, واليوم أصبحنا نعاني ردة بحيث أصبح الكثير يحاول أن يقنع الناس بآراء محمد عبده ورشيد رضا, بعد أن كانت هي السائدة في تلك الفترة؛ ولذلك سنجد أن القامات الفكرية والأدبية كانت كلها وليدة تلك المرحلة, من مصطفى صادق الرافعي إلى عباس محمود العقاد إلى طه حسين إلى محمود شلتوت هذا بالنسبة للفكر, كما أن هناك قامات كبرى في كل المجالات الأخرى كلها كانت في تلك الفترة الذهبية إن جاز التعبير, والذي حصل بعد ظهور النفط الخليجي والسعودي بوجه خاص نشهد تحولا وتراجعا كبيرا في كل شيء. وبالعودة إلى موضوع البنوك, عندما نحاول أن ندرس هذه القضية بشكل موضوعي يتطلب منا ذلك التأصيل تلك المفاهيم والعودة إلى القرآن الكريم؛ فندرس الربا في القرآن الكريم حتى نتعرف ما هو الربا الذي نزل به التحريم والوعيد الشديد, ثم نرى بعد ذلك هل ما قصده الشارع الحكيم هو ما تمارسه البنوك أو لا .؟ والمتأمل في آيات القرآن سيجد شكلا بسيطا أن الربا هو المقصود به ربا النسيئة, وهنا علينا أن نعود إلى صورة الربا في الجاهلية لنرى تلك الصورة التي نزل القرآن يحذر منها ويطلب منهم التوقف عن ممارسة ذلك الصنف مما يسمى ربا, في الصورة الأولى كان هناك فقير محتاج, وغني لديه مال, الغني يقرض المسكين من أجل الحاجة والاستهلاك وليس من أجل التجارة وهذا التفريق مهم, كون هناك خلط بين المعنيين بين الاستهلاك وبين التجارة, فالفقير يستهلك ذلك المال وتنتهي الفترة المحددة لإعادة ذلك القرض وهو لا يقدر على السداد فيطيل المدة ويزيد الربح وهو ما يحدث عنه بالمضاعفة، وهنا لفظ المضاعفة قد تكون 100 %وقد تكون 200 % أو هكذا نفهم من كلمة مضاعفة, وهكذا يزيد كل فترة 300 % , وهنا نتخيل النتيجة عندما لا يقوى على السداد كيف تكبر المشكلات وتتعقد, وفي القانون الروماني إذا كان هناك دين كبير للدائن ولا يقوى الدائن على سداده يستعبد المدين لفترة محددة, وتخيلوا شخصا حرا بسبب القرض وبسبب أنه لا يقوى على السداد يتحول إلى عبد, وربما كانت هذه هي إحدى الأساليب للاستعباد في تلك الفترة, كما أن لها أبوابا كبيرة , هذه الصورة القوي مقابل الضعيف, لو ننزلها على قضية البنوك نجد أن تلك الصورة لا تتناسب مع حالة البنوك, فالبنك والشخص المستقرض من البنك أقوياء أو لا يوجد شخص قوي وشخص ضعيف , فالشخص الذي يضع ماله في البنك لا نقدر على أن نصفه بالضعيف , كما أنه لا يوجد بنك ضعيف، كل البنوك قوية والطرفان مستفيد وفيه ربح, والقضية على أساس أنها ربا, نجد أن فرسان الربا على مدار التاريخ هم اليهود؛ فاليهود هم من صدروا الربا إلى أوروبا، وفي بحثي حول البنوك نجد أن تاريخها يعود إلى 200عام فقط, وربما أن مسرحية تاجر البندقية التي ذكرها شكسبير تحكي قصة اليهود وتعاملهم الربوي, والمسرحية تحكي قصة ذلك اليهودي الذي طلب من أحد المقترضين منه أن يعطيه بدل ماله قطعة لحم من يده, ورفع أمره إلى القاضي فقال القاضي لليهودي على أن تقطع تأخذ القطعة دون أن يكون هناك أي أثر للدم كون الشرط الذي وضعته لم يتضمن أخص القطعة مع خروج الدم, وهنا توقف اليهودي, وهنا بدأت في أوربا تأسيس بنوك, كان الأساس هو القضاء ومواجهة الربا لدى اليهود؛ كونهم أصحاب رؤوس أموال كبيرة, وبالعودة إلى البنوك لا نجد الاستغلال الذي تحدث عنه القرآن، من كون المضاعفة إلى شخص قوي وشخص ضعيف, كما أننا في بحثنا نظرنا إلى الحديث “ كل قرض جر منفعة فهو حرام أو ربا “ والغريب أن الإمام الشوكاني يصف الحديث بأنه ضعيف, والأغرب أن يتحول هذا الحديث الضعيف إلى قاعدة, وهذه المشكلة ليست الأولى, فهناك أحاديث ضعيفة ولكنها تؤسس لقواعد بحيث يختفي الحديث وتبقى القاعدة, والمثير أنه بعد إرساء القاعدة لا تقوى على أن تقول إنها قاعدة ضعيفة, والقاعدة أقوى .! وقد سمعنا من يقول مع أن الحديث الذي قامت عليه هذه القاعدة ضعيف إلا أنه أصبح قاعدة عند المسلمين, ومن هنا نجد الكثير اليوم من ينظر في المال وضيع مسألة الاستغلال, وقد لاحظنا اليوم وهذا من العجيب أن هناك قضايا فيها استغلال متوحش ومع ذلك لا ينظر لها على أنها من الربا المحرم, مثل الاستغلال الذي يجري في المدارس الأهلية “أستاذ بعشرين ألفا ومناطق بعشرة آلاف, وعندما يغيب أو يطالب بالزيادة يؤتى بأستاذ آخر مباشرة, ومن هنا فإن الاستغلال هو صلب الربا, ومن هنا نقرر أن الربا في القرآن الكريم لا ينطبق على البنوك الحالية. مزيداً من التفاصيل الصفحة اكروبات