عاد الشيخ محمد الشدادي إلى مقعده بجوار يحيى الراعي في هيئة الرئاسة بعد انقطاع دام عاماً, وأطل نائب رئيس مجلس النواب على القاعة أمس متحدثاً من على المنبر إلى النواب بحرقة عن مأساة أبين.. واستهل مداخلته بهذه الجملة الحزينة: “أتحدث إليكم اليوم وقلبي ينزف دماً”.. مضيفاً: “لقد تعرضت أبين بشكل عام لقصف بالطيران والأسلحة الثقيلة أدّت إلى دمار البيوت على رؤوس سكانها”. وسرد الشدادي، وهو النائب عن مدينة زنجبار، عاصمة أبين التي تحوّلت إلى عاصمة لأنصار الشريعة، سرد المأساة بحرارة وبوجع، قائلاًً: “لقد أدّى هذا القصف العنيف والمدمر الذي استمر 11 شهراً، إلى نزوح كبير، لكن لا أحد يكترث، وكأن أبين ليست من اليمن، لا برلمان ولا حكومة ولا شيء”. وشكا نائب رئيس مجلس النواب، من الدمار والعشوائية في القصف، قائلاً :« دمرت البيوت وأحرقت المزارع والمعدات، حتى رعاة الأغنام لم يسلموا ولم ينجوا من القصف ومن قتل مواشيهم، هؤلاء الآن نازحون في عدن وفي شبوة وفي كل مكان، في العراء لا مغيث لهم ولا راحم». مضيفاً: “سكان أبين ضحايا صراعات دفعوا ثمنها آلاف الشهداء والجرحى”. الشدادي طلب من البرلمان الوقوف بمسؤولية تجاه هذه المأساة الرهيبة “مالم فسيكون لنا مواقف أخرى قد لا تعجبكم، وسنعيش في نفس الخيام التي يعيش فيها أهلنا وأسرنا المشردون”. كانت مداخلة مؤثرة، لكن الشيخ سلطان البركاني، سخر من الرجل، قائلاً: “شكراً للشدادي الذي ذكر أبين بعد 11 شهراً”.. وأضاف رئيس كتلة المؤتمر الشعبي العام: “كان يفترض أن يكون بين هؤلاء المشردين والضحايا، بدلاً من العيش طيلة هذه الفترة الطويلة بين القاهرة ولندن”.. وطالب البركاني الحكومة أن تقوم بواجبها تجاه هؤلاء “النازحين”. وطالب البركاني بحضور حكومة الوفاق الوطني: “يجب على الحكومة أن تأتي إلى المجلس لتقول لنا ما الذي صنعته تجاه هذا الوضع المأساوي والكارثي في أبين”. نائب رئيس كتلة الإصلاح زيد الشامي، أسف لتفاقم مأساة المواطنين في محافظة أبين، وقال: “قضية أبين ليست جديدة، وهذه المشكلة بدأت من يوم حادثة المعجلة التي راح ضحيتها عشرات الضحايا بينهم نساء وأطفال، كانت مأساة حقيقية ولم يتم إجراء أية خطوات صحيحة تجاهها وسارت الأمور على هذا النحو، لم يتم التحقيق في الموضوع حينها ولم نلمس حتى الآن تحقيقاً جدياً بشأن ما حصل للجنود في دوفس، وأعتقد إذا استمر الوضع يسير على هذا النحو فالأزمة ستمتد والمآسي ستتوسع”. عقد البرلمان جلسته أمس، واستحوذت مأساة أبين على مجريات النقاش، غير أن النقاش أخذ طابعاً فوضوياً، حيث ولم يتبلور عن الجلسة أي قرارات.. ورغم حديث الشدادي الحزين والموضوعي عن موضوع أبين، إلا أن البعض ربط بين عودة الشدادي وبين موعد انتخابات هيئة الرئاسة، وسخر نائب برلماني من “العودة الحامية لمحمد الشدادي” وقال، مفضلاً عدم ذكر اسمه: “يا راجل القاعدة أخذت أبين قبل سنة والناس مشردة والشدادي قاعد في القاهرة مختفي ولوما سمع عن انتخابات هيئة رئاسة جديدة أقبل جري ليذكر بنفسه من خلال مأساة أبين”. تشتت النقاش، وأخذ البعض يطرح مشاكل محافظته بطريقته الخاصة، فالشدادي متحدثاً عن أبين, وناصر عرمان متحدثاً عن البيضاء, وعبدالسلام زابية مذكراً بحروب صعدة، ومحمد مقبل الحميري متحدثاً عن تعز. وتحدث في الجلسة الشيخ نبيل صادق باشا، متهماً قوى خارجية بالوقوف وراء فكرة القاعدة والإرهاب، قائلاًً: “الإرهاب صناعة خارجية، هناك قوى خارجية تعبث بأمن هذا البلد تعتقد أن مصالحها تكمن في دخول هذا البلد في حالة فوضى، وبالتالي عمدت إلى تصدير المشاكل وإلى تصدير الإرهاب إلى اليمن”. الباشا اتهم الحكومة بالعجز والفشل عن مواجهة القاعدة، وطلب منها “التفاوض مع أنصار الشريعة طالما وأنتم عاجزون عن مواجهة هذا الخطر المحيق” وقال نبيل باشا، وهو مقرر لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان: “هناك مائة جندي قتلوا وهناك 100 جندي في الأسر, وعلى الحكومة أن تقوم بتخليصهم من الأسر بأي ثمن، أرواح هؤلاء الجنود مهددة بالذبح”. عدد من النواب تحدّثوا عن المأساة بحرية، ولكن بمجازفة، فقد اتهم عبده بشر، الذي يتزعم “تنظيم الأحرار” سفيري الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة العربية السعودية بأنهما يحكمان اليمن في هذه المرحلة، وسخر بشر من زملائه الذين طالبوا باستدعاء الحكومة، قائلاً: “أنا أطلب وصول السفيرين الأمريكي والسعودي إلى البرلمان للتوضيح لأنهما يحكمان اليمن اليوم”. وفي الجلسة، طالب الدكتور منصور الزنداني باستدعاء الرئيس هادي للحضور والمثول أمام نواب الشعب، غير آبه بكون هذا الطلب غير مسنود بنص دستوري.. وواصل الدكتور الزنداني، قائلاً: “السيادة اليمنية منتهكة والطيران الأجنبي يقصف في كل مكان”. وقد عقّب عليه رئيس مجلس النواب يحيى الراعي قائلاً: “يا دكتور من حق رئيس الجمهورية بموجب الدستور أن يحل مجلس النواب وليس العكس”. وفي نفس السياق، ردّ الشيخ محمد الشايف على منصور الزنداني، ليوضح له بأن لا نص لا في الدستور ولا في المبادرة الخليجية يعطي مجلس النواب الحق في استدعاء أو مساءلة رئيس الجمهورية، مستغرباً من صدور مثل هذا الكلام عن أستاذ جامعي مرموق «يدرّس أبناءنا في الجامعة ويطالب بمثل هذا الكلام». الشايف، طالب بحضور وزيري الدفاع والداخلية لتقديم تقرير حول ما الذي عملاه تجاه موضوع أبين “فإن كانت إفاداتهما مقنعة كان بها، وإذا لم تكن مقنعة فنصوت على سحب الثقة منهما”. أما رئيس كتلة المستقلين الشيخ علي عبدربه القاضي، الذي احتفظ بحقه في الكلام إلى الأخير، فقد نهض محملاً المؤتمر والمشترك مسؤولية ما قد يترتب على إدارتهم الأزمة بهذه الطريقة من مخاطر على الوطن.. وقال مخاطباً الطرفين: “أنتم الداء وأنتم الدواء” وأضاف القاضي: “أنا أسمع اليوم كلاماً عن الأزمة وعن المشاكل وكأنها وليدة هذا الأسبوع، الأزمة اندلعت منذ سنوات؛ ولكن للأسف لايزال اللاعبون الساسيون يسيرون في نفس الاتجاه”. وخاطب القاضي نواب المؤتمر ونواب المشترك على السواء: “إذا كنتم صادقين مع أنفسكم وضمائركم الوطنية فتصرفوا وتحدثوا بمسؤولية وغادروا منطق الكيد السياسي والمناكفات التي تزيد الأزمة اشتعالاً، ولا تعود بالخير على شعبكم وامتكم”.. واقترح رئيس كتلة المستقلين على طرفي الوفاق الوطني تشكيل لجنة من القيادات الوطنية والكفؤة لإدارة الأزمة تكون مهمتها التفاهم المشترك إزاء القضايا ذات الطبيعة المعقدة والتي تكون محل خلاف.. مضيفاً: “أرجو أن تتصرفوا بمسؤولية في هذه الظروف وتكلموا بمسؤولية، نريد أن نسمع منكم لغة جديدة ومشتركة، أما إذا استمر الخلاف وازداد الشقاق فعلى اليمن السلام”. ووافق رئيس مجلس النواب الشيخ يحيى الراعي، ما ذهب إليه رئيس كتلة المستقلين الشيخ علي عبدربه القاضي، في كون المؤتمر والمشترك بيدهم الداء والدواء, وأضاف الراعي قائلاً: “كلام الأخ علي صحيح، المشترك والمؤتمر فهموا ان التوافق معناه فقط تقاسم الحقائب الوزارية وتقاسم الحكومة وفلتوا البلاد”.. الراعي أضاف ويده “تعصر” شنبه: “مطلوب من رئيس الجمهورية أن يشورب”.. وتساءل الراعي: “كيف تشتوا جيش وطني وتشتوا القائد يتصرف ويأمر وينهي والجنود يبكروا يتظاهروا في الستين ضد قائدهم، من أين عاتجي المعنويات والثقة بقيادتهم وانتو تحرضوهم يثوروا؟!”.. وطلب رئيس مجلس النواب من الرئيس هادي “ يقول للمحسن أحسنت وللمسيء والمخطئ أخطأت”. وخلت مداولات أمس من الحديث عن انتخابات هيئة رئاسة جديدة لمجلس النواب، حيث لايزال الحديث عن هذا الموضوع حبيس الاجتماعات الحزبية، خارج المجلس.. ولم يتضح بعد ما إذا كانت الكتل السياسية ستتعامل مع هذا الموضوع بروح “التوافق” أم ستجرى انتخابات لانتخاب هيئة رئاسة جديدة لمجلس النواب الحالي الذي قال رئيسه يحيى الراعي قبل أسابيع أنه “مل الكرسي” لكن الحقيقة وملامح الرجل تقول إن “الراعي لم يمل أبداًَ”. ومن المتوقع ان تشهد الأيام القادمة حراكاً برلمانياً صاخباً, فإلى موضوع انتخاب أو التوافق على هيئة رئاسة جديدة للمجلس، هناك عدد من القضايا والمواضيع الملحة على جدول الأعمال، ومن ذلك إقرار الموازنة العامة للدولة لهذا العام، وأيضاً الموازنة المالية لمجلس النواب.