يبدأ فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي، هذا الأسبوع، جولة دولية -تتجاوز حدود الإقليم هذه المرة- تشمل أربعا من أهم المدن والعواصم المؤثرة في صنع القرار في العالم: لندن، نيويورك، باريس، برلين، ليدشن فصلا جديدا من الدبلوماسية اليمنية القائمة على الشراكة المسؤولة والفاعلة مع المجتمع الدولي.. تحرص إدارة هادي الوليدة -حديثا- من رحم الدولة الفاشلة، أو الهشة على أفضل التقديرات، على إعادة رسم ملامح علاقتها مع المجتمع الدولى على أساس شراكة جادة ومؤثرة، وبأولويات تسعى لأن تكون جد مختلفة عن سابق عهدها.. أكثر ما يحتاجه الرئيس هادي هو بناء جسور الثقة مع المجتمع الدولي، وإعادة نسج خيوط العلاقات مع عواصم المانحين وصناع القرار في العالم بعناية فائقة تتجاوز إرثا مثقلا بالتناقضات، والاختلالات في ميزان العلاقات الدولية، وهي مهمة لا تقل تعقيدا عن غيرها من السياسات المتعلقة بالتعامل مع الملفات الداخلية الساخنة.. تبدو مهمة أقرب إلى المعجزة: أن ينجح في إقناعهم بتغليب خيار دعم الإقتصاد والتنمية على الهاجس الأمني المتفاقم، وملف الإرهاب الذي يحظى باهتمام يقتصر -إلى حد كبير- على جزئية المعالجةالأمنية البحتة.. على أية حال؛ فإن مركز هادي - على قصر عمره- ثري برصيد مهم من الإنتصارات والمكاسب المعتبرة التي أنجزت في زمن قياسي للغاية -رغم التحديات والأزمات المستفحلة المتوارثة منذ عقود- ما يجعله جديرا بالثقة، ويؤهله لحسم معركة فرض أولوياته الملحة، وفقا للمصالح الداخلية كبديل لترتيب أولويات الدول المانحة اعتبارا لهواجسها.. سيكون على الرئيس أن يخوض تحدي تكييفها وإخراجها -بشكل أو بآخر- ملبية للمصالح الدولية، ومبددة للهواجس التي تتحكم في ترتيب إهتماماتهم.. ¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤ يحمل الرئيس في جعبته إلى نيويوركوعواصم أوروبا الرئيسية ملفات بالغة الدقة والحساسية، كانت -ولا زالت- متسيدة قائمة الإهتمامات الدولية باليمن.. جديد الرئيس ”الجديد” هذه المرة، أن كثيرا من التفاصيل مختلفة تماما عما كانت عليه سابقا لعام 2012، فضلا عن أخرى طارئة وأكثر أهمية، خصوصا تلك المتعلقة بتحديات إنتقال السلطة وتنفيذ التزامات التسوية.. ولئن كان ملف الحرب على الارهاب متصدرا إهتمامات الدول الغربية، وحلفاءها في المنطقة، فإن لدى الرئيس هادي انجازا ذا مغزى، إذ أحرز رصيدا إيجابيا للغاية لصالح نظام 21 فبراير 2012، بما حققه الجيش من انتصارات في جبهة الحرب على القاعدة، وتحجيم نفوذها بعد إستعادة قوات الجيش سيطرتها -منتصف يونيو الماضي- على مناطق واسعة في محافظات أبين وشبوة، وبعض مناطق محافظات أخرى، ظلت خاضعة كليا لسيطرة التنظيم منذ منتصف 2011، على أن ذلك ليس نهاية المعركة، إذ لازال خطر القاعدة ماثلا كعائق جدي في مواجهة النظام الإنتقالي يتهدد رموزه ومصالحه وشركائه الدوليين. ومن شأن ذلك الرصيد الإيجابي أن يبعث على ثقة المجتمع الدولي بجدية وكفاءة حليفه الإستراتيجي الجديد في جبهة الحرب على الإرهاب في منطقة تصنف على أنها بؤرة توتر، وبيئة خصبة لنشاط القاعدة، بعد أن ظلت تتعامل لسنوات مع نظام صالح -كحليف تدرك يقينا أنه مراوغ- باعتباره شرا لا بد منه، ولا عوض عنه. تلك الثقة بنظام هادي ستعزز قدرته على فرض رؤيته المستقبلية الأكثر عمقا وجدوى، بصرف بوصلة الإهتمام الدولي نحو التنمية الإقتصادية الشاملة كجزء حيوي ومؤثر -بل ورئيسي- في استراتيجية الحرب على الإرهاب، متقدما على الخيار العسكري والأمني. ¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤ في إطار جولته تلك، سيظهر في المحفل الأممي بنيويورك -للمرة الأولى- رئيس آخر لليمن بعد 34 عاما من احتكار صالح -أو من ينوبه- لتمثيل اليمن دولة موحدة أو شطرية. هناك سيلقي الرئيس اليمني الجديد كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة.. سيتحدث عن مخاض عسير أفضى لإنتقال سلس ومنظم للسلطة، وفقا لخارطة طريق رعتها دول الخليج العربي، وحظيت بتوافق أقطاب مجلس الأمن المتفاوتة في حسابات كثير من القضايا الأخرى. سيعرج أكثر على تحديات مرحلة التحول، وعقدها المركبة التي تحد كثيرا من سلاسة إنجاز التسوية السياسية المستندة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المرعية إقليميا وأمميا. بل إن تلك العقد والتحديات، تتعاضد بعضها لتصل مستوى يهدد بالإجهاز على خيار التسوية، وينذر بالعودة إلى المربع الأول. والى جانب التحدي السياسي والأمني،تواجه اليمن تحديات محلية ممثلة بقضايا عالقة ابرزها قضيتي الجنوب وصعده، ويفوقها وطأة أقتصاد متدهور مثقل بأعباء معدلات الفقر والبطالة المرتفعة، كما تعاني البلاد أزمات إنسانية كبيرة، وأزمة غذاء متفاقمة، يزيدها إنهاكا تدفق عشرات آلاف النازحين سنويا من دول القرن الأفريقي إلى البلد ذي الإقتصاد المنهك أساسا.. تلك أكثر المعضلات، التي يركز عليها الرئيس خلال لقاءاته بالوفود الدولية، وطالما حضرت كأسباب جوهرية تفضي لانخراط الشباب في براثن الجماعات المتطرفة، عوضا عن الحظوة بفرصة عمل تمكنهم من إفراغ طاقاتهم إسهاما في تنمية بلدهم.. ¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤ تلك العقد مجتمعة -أو متفرقة- ستكون محل اهتمام خاص على هامش المحفل الأممي العام، إذ من المقرر أن يلتئم في 27 سبتمبر الجاري مؤتمر مجموعة أصدقاء اليمن، بحضور الرئيس هادي، ليركز على أولويات الشراكة والتعاون بين دول ومؤسسات المجموعة واليمن. سيخوض الرئيس أول مهمة إستثنائية تتعدى برنامجه الإنتقالي المحدد في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية؛ وهي مهمة مكملة -ولا تقل أهمية- لحزمة اجراءات وقرارات جريئة وملتزمة تتم في الداخل اتساقا مع خطة التسوية.. وسيكون على الرئيس أن يقنع الشركاء الدوليين في إجتماع لبضع ساعات أن نظاما مغايرا -جديرا- بالثقة بدأ يتخلق في اليمن متجاوزا سلبيات العهد الماضي، قادر على تحقيق تطلعات الشعب اليمني، وحفظ مصالحه ومصالح شركائه في المنطقة والعالم بمسؤولية وشفافية والتزام. الفرصة مواتية للرئيس لعرض رؤيته لأساس وتركيبة أوضاع اليمن، وتصوره لحلحلتها، في اجتماع أصدقاء اليمن الذي سيشارك فيه وزراء خارجية دول المجموعة، والعمل على اقناعهم بأولوية دعم الإقتصاد كإستراتيجية أكثر جدوى وفعالية في معالجة مع الملفات الأخرى المعقدة، وأقل ضررا من المعالجات العسكرية والأمنية التي أثبتت أنها غير ناجعة في ظل غياب التنمية الإقتصادية والبشرية الشاملة. ما هو منتظر من الرئيس أن يعمل على صياغة دبلوماسية يمنية جديدة قادرة على انجاز مقومات الشراكة المسؤولة مع المجتمع الدولي، كما كسب الدعم والتأييد المطلق في سياساته الداخلية المسؤولة والملتزمة بأولوية إستعادة الدولة وتحقيق تطلعات الشعب في تحقيق الدولة المدنية الحديثة القائمة على العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية واحترام الحقوق والحريات.