يلتئم اليوم في العاصمة البريطانية لندن، الاجتماع الوزاري الخامس لمجموعة أصدقاء اليمن، في ظل ظروف دقيقة تمر بها البلاد. ومن المقرر أن يجتمع 40 وزيراً للخارجية وممثلاً لمنظمات وصناديق أممية ودولية وعربية مانحة لليمن، لمناقشة التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية التي شهدتها اليمن منذ الاجتماع الأخير لأعضاء المجموعة في نيويورك في سبتمبر الماضي، والتحديات التي تعترض التسوية السياسية في مختلف المجالات، وتحديداً الاقتصادي منها. ويعقد الاجتماع برئاسة مشتركة لكل من وزراء خارجية اليمن والمملكة المتحدة والسعودية. ويأتي في طليعة أولويات المسؤولين الدوليين المجتمعين في لندن متابعة إجراءات تخصيص المبالغ التي تعهد بها المانحون، في مجموعة الأصدقاء، في مؤتمر الرياض للمانحين الذي عقد في 4 سبتمبر الماضي، واجتماع أصدقاء اليمن في نيويورك في 27 سبتمبر الماضي. وتبلغ قيمة التعهدات التي حصدتها اليمن في الفعاليتين السابقتين، زهاء 8 مليارات دولار، وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور محمد السعدي إنه تم تخصيص قرابة 6 مليارات دولار من أصل 8 مليارات، ما نسبته 75 % من إجمالي التعهد. ويشارك الوزير السعدي في عضوية وفد اليمن، الذي يضم أيضاً وزير المالية صخر الوجيه، ويرأسه وزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي. وسيعرض الوفد اليمني ثلاث أوراق عمل، تتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، كما سيناقش آخر المستجدات في العملية السياسية في اليمن، وفقاً لوزير الخارجية الدكتور القربي، الذي غادر صنعاء، برفقة الوفد اليمني، أمس الأول. وخلافاً لاجتماعات سابقة، يملك الوفد اليمني رصيداً كافياً من الالتزامات المنجزة التي سيعرضها على المانحين، تأكيداً لالتزام الحكومة الانتقالية في تنفيذ التسوية السياسية وإنجاح المرحلة الانتقالية. ويلتئم الاجتماع الوزاري الخامس قبل أيام فقط من تدشين فعاليات مؤتمر الحوار الوطني المقرر في 18 مارس الجاري، كأهم استحقاق سياسي مقر وفقاً للتسوية السياسية، المستندة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.. واستغرق التحضير للحوار الوطني قرابة تسعة أشهر ابتداء بتشكيل لجنة الاتصال الرئاسية، في مايو 2012، ثم تشكيل اللجنة الفنية لمؤتمر الحوار الوطني في يوليو من نفس السنة. وأنجزت اللجنة جل أعمالها مع نهاية العام، وقدمت معظم الأطراف المشاركة في الحوار قوائم ممثليها، للجنة الفنية، وستحسم البقية في غضون بضعة أيام، بعد الجهود التي بذلها الرئيس عبدربه منصور هادي خلال زيارته الأخيرة إلى عدن، والتي التقى فيها مختلف الأطراف المنخرطة في إطار الحراك الجنوبي، والتي أبدت استعدادها للمشاركة في مؤتمر الحوار باعتباره الطريقة الوحيدة والمثلى لحل القضية الجنوبية حلاً عادلاً. وشرعت القيادة السياسية، والحكومة، خلال الفترة الماضية، في تنفيذ عدد من التزامات المرحلة الانتقالية، ويأتي في طليعتها صدور قرارات هيكلة وزارة الدفاع والقوات المسلحة، تلتها قرارات هيكلة وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية، وتسير الجهات المعنية في إجراءات تنفيذها وفقاً لخطط علمية مدروسة ومبرمجة زمنياً. وتواجه العملية الانتقالية القائمة في البلاد جملة من التحديات، التي تبطئ خطوات التسوية، ويأتي في طليعتها التحدي الاقتصادي. وتصطدم إجراءات تخصيص المبالغ المالية المخصصة لدعم البرنامج المرحلي للاستقرار والتنمية ( 2012 - 2014) الذي طرحته الحكومة على طاولة المانحين، وحظي بدعمهم باشتراطات بيروقراطية وهواجس مبالغ في تقدير حدودها. وصرح وزير التخطيط بأن 6 مليارات دولار جرى تخصيصها، وسيتم التوقيع على تمويل مشاريع من قبل الدول والصناديق المانحة، على هامش الاجتماع، لكن ثمة صعوبات تعترض التخصيص تتمثل في اشتراطات وإجراءات بيروقراطية تنتهجها بعض الجهات المانحة، لا تنسجم بعضها مع المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، وزحف الوقت سريعاً باتجاه نهاية الاستحقاق.. ويشير الوزير السعدي إلى أن «بعض المانحين يريد أن يعتمد على ما قدمه في سنوات سابقة على أنها تعهدات جديدة، والبعض الآخر يريد تحويل المنح إلى قروض، والبعض الآخر يريد أن ينفذ مشروعاته عن طريق شبكاته»، ويرى أن «الأجواء غير آمنة حتى تأتي شركاته لتنفيذ مشروعاته في اليمن». ولئن كانت المرحلة الانتقالية، بالتزاماتها الحساسة والكبيرة، وظروفها المعقدة، قد قطعت شوطاً كبيراً، ذي مغزى، يؤكد جدية والتزام الجانب اليمني في تنفيذ التزاماته، السياسية والاقتصادية والأمنية، فإن المانحين معنيون في المقابل بدعم اليمن، وتنفيذ التزاماتهم، خصوصاً الاقتصادية منها، بعيداً عن طغيان هاجس الأمن الذي طالما، كان متسيداً اهتمام وتركيز المانحين، على حساب الجانب الاقتصادي، الذي هُمّش طويلاً، لتظل في النهاية معالجات قاصرة وغير متكاملة لا تؤتي ثمارها المأمولة التي تعني اليمن والمنطقة والعالم.. الاجتماع، هو محطة اختبار مهمة، لجدية والتزام المانحين في دعم اليمن، لمساعدتها على النهوض المؤثر الذي يؤسس لدولة حيوية وفاعلة تحقق المؤسسات والحكم الرشيد، وتوفر على نفسها والعالم هاجساً مزعجاً، طالما ظل شغلها الشاغل طويلاً خصوصاً في العقد الأخير.. هي علاقة تكاملية ومسؤولية مشتركة إذن.. وأمام التزامات الحكومة اليمنية، والرئيس هادي، في إيجاد دولة ملتزمة لمواطنيها، أولاً، وللأمن والمصالح الإقليمية والدولية المشتركة، فإن الدول المانحة، خصوصاً الأصدقاء، معنيون بالتقدم خطوات إلى الأمام، وتجاوز العقدة الأمنية؛ إذ انتفت كثيراً أغلب محاذيرها، في جدية النظام الانتقالي بمحاربة الإرهاب بجدية وشفافية، طالما افتقدها المجتمع الدولي، في تعامله مع النظام السابق.. تواجه اليمن تحديات كثيرة بتماسك - مبعثه محلي غالباً - رغم أن إحداها فقط كفيلة بإسقاط أي بلد في العالم الثالث في هاوية الفشل، وبدون تمرير الدعم الاقتصادي الدولي، والإسراع بتنفيذ المشروعات الحيوية التي يلمس أثرها المواطن، في البلد مترامي الأطراف، فإن جهود المرحلة الانتقالية، ستكون في منحدر الخطر، وهذا ما ينبغي أن يدركه الأصدقاء ويتعامل معه بجدية في اجتماعهم الخامس اليوم..