الحديث مع رجل بحجم وقامة الأستاذ/ محمد عبدالرحمن المجاهد أول رئيس مجلس إدارة لمؤسسة الجمهورية هو حديث شائق ومليء بالمفاجآت والدهشة.. عن الوضع الصحفي والطباعي للجمهورية قبل إنشائها كمؤسسة ، مراحل التطور وبدايات الإنشاء تحدث الأستاذ بالقول : تم تأسيس مؤسسة الجمهورية في العام 1990م، مع قيام دولة الوحدة، ونصت الاتفاقيات الإعلامية على إنشاء ثلاث مؤسسات صحفية “مؤسسة الثورة بديل لمؤسسة سبأ للصحافة والأنباء” و«مؤسسة 14 أكتوبر» والتي كانت موجودة منذ استقلال الشطر الجنوبي سابقاً، و«مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة والنشر” والتي كانت فرعاً لمؤسسة سبأ وكانت صحيفة الجمهورية تصدر عن هذا الفرع. ورغم صدور قرار الإنشاء للمؤسسة إلا أننا ظللنا لفترة من الوقت غير عالمين بذلك وظللنا نمارس عملنا أنا كرئيس تحرير صحيفة الجمهورية مدير فرع مؤسسة سبأ والأخ/ علي ناجي الرعوي رعاه الله مدير تحرير صحيفة الجمهورية. وبعد ستة أشهر من قرار الإنشاء طالبت من مؤسسة سبأ بمستلزمات طباعية وورقية حسب المعتاد ، ليخبرني الأستاذ/ محمد جرهوم وزير الإعلام آنذاك بأننا أصبحنا مؤسسة مستقلة، أما الأخ/محمد الزرقة رئيس مؤسسة سبأ فظل مخفياً عنا هذا الأمر. فتوجهنا أنا والأخ/ علي ناجي الرعوي إلى صنعاء لاستلام الأصول والإمكانيات وطالبت بزيادة الدعم إلا أنه كان هناك رفض من محمد الزرقة لولا أنه كان هناك الأخ/ علي الحوثي وكيل وزارة المالية للقطاع الاقتصادي آنذاك والذي تجاوب معنا وأقنعهم بضرورة فصل بعض الاعتمادات في الباب الأول والثاني والرابع أيضاً “الخاص بالبرنامج الاستثماري” والذي كنا لا نعرف ماهو .. ومنذ ذلك الوقت بدأنا في العمل كمؤسسة وبنفس الظروف التي واجهناها كقلة الاعتمادات وغيرها، وبتكليف بالعمل دون قرار تعيين فمنذ 22 مايو 90م حتى 1991م كنت مكلفاً بمهام رئيس مجلس الإدارة وعلي ناجي الرعوي كان مديراً عاماً إلى أن صدر القرار الجمهوري بالتعيين كرئيس لمجلس إدارة المؤسسة رئيس للتحرير والأخ/ علي ناجي الرعوي مدير عام لمؤسسة الجمهورية مدير تحرير صحيفة الجمهورية. طباعة مضنية وإخراج بدائي ماذا عن الوضع الصحفي والطباعي في المؤسسة إجمالاً قبل إنشائها وبعد الإنشاء؟ بعد إنشاء المؤسسة اختلف الوضع عما كان سابقاً، فقبل ذلك كانت الإمكانيات رديئة جداً. ففيما يخص الجانب الطباعي، كانت هناك آلة “انترتيب” وهي عبارة عن ثقب رصاص بحروف نحاسية يتم رصها يدوياً على “حرف حرف” ثم تجمع سطراً سطراً، ثم يتم إنزالها، وهناك رصاص ينزل إلى الحروف فيلتصق بها، فالإخراج كان بدائياً وليس كماهو في الوقت الحالي. فكانت عملية الطباعة مضنية ومتعبة للجميع وبالأخص الطباعين والذين كان يؤدي انسكاب الرصاص إلى احتراق أجزاء من أجسادهم مما اضطرنا لإلباسهم “جواني” أجولة كتانية، ثم كان هناك بطئها، حيث كانت قد عملت في المملكة العربية السعودية لوقت طويل وبعضها تالف، كما كان هناك مطبعتان اشتغلتا في مؤسسة الثورة ثم تم إنزالهما إلينا. وبعد إنشاء مؤسسة الجمهورية كان لدينا آلتان نوع “هايد نبورج سرندل”، كان إذا تعطلت قطعة منها ننتظر بعد إرسالنا لطلبها من ألمانيا شهراً أو شهرين في أفضل الأحوال. وكنا غالباً نطبع بآلة واحدة “2000 4000” نسخة منذ الثامنة أو التاسعة ليلاً وحتى الصباح وكان الطباعون يعانون أشد المعاناة كالمرحوم “علي أحمد الحدأ” والمرحوم “محمد الزواحي” و«علي صالح المنتصر» و«علي عبدالواحد طارش» رحمهم الله جميعاً. والمفارقات أن هذه الآلات كانت تعتبر آلات متطورة. الكادر التحريري الكادر التحريري لم يكن كادراً بالمعنى الحالي حسب الأستاذ/ محمد عبدالرحمن المجاهد والذي يقول: لم يكن هناك محررون بالمعنى التحريري، حيث كانوا إما مثقفين أو متعلمين تعليماً شرعياً فقهياً، ولديهم إلمام بالجانب الثقافي الأدبي، وكانوا قلّة. فمثلاً عندما عملت في الصحيفة في العام 1967م، كانت صحيفة الجمهورية تصدر في أربع صفحات بحجم صحيفة الثقافية وكان رئيسا تحريرها الأستاذان محمد حسين شجاع الدين والمرحوم عبدالعزيز اليوسفي. فيما المحررون مع العاملين في الأخبار بقسم الاستماع والذين كانوا يمارسون عملهم في الاستماع للمسجلات الكبيرة ذات الأشرطة الكبيرة كانوا قلة، حيث كنت أنا و«أمين مأمون الشميري” و«محمد الكاظمي» و “سعيد هيصم” و “عبدالواحد اليوسفي” و “محمود الحكيم” والذي كان محرراً رغم أنه سابقاً كان رئيس تحرير، وكذا “عبدالرزاق البراق” من منطقة قدس ويعمل حالياً موجهاً في التربية والتعليم، و” علي العمراني” والذي عمل فيما بعد في وكالة سبأ للأنباء ولا أتذكر هل توفي أم لا؟ و “محمد غالب مبنن” والذي تهرّب وأصبح بائعاً للعقيق في سوق الملح بصنعاء والمرحوم «محمد الشبامي». كما لم يكن هناك مندوبون أو مراسلون أو إدارات صحفية.. وكنا نحن المحررين والمصححين لصحيفة تصدر في أربع صفحات أغلبها مقالات رأي. أخبار لم تكن تمر إلا من بوابات القصر على مستوى القرار السياسي، بعد قرار إنشاء المؤسسة، ماهي نوعية الضغوطات التي كانت موجودة، وما الذي كان يحكم ويسيّر الأداء الصحفي؟ - كانت الصحيفة تابعة للدولة، وما كان يأتي كنا ملزمين بإنزاله، وهذه لم تكن مشكلة صحيفة “الجمهورية” وإنما مشكلة الصحافة الرسمية بأكملها. حيث كانت التعليمات تأتي بضرورة تقيدنا بما يأتي من وكالة الأنباء اليمنية سبأ، وإذا أراد المحررون الاجتهاد في الإتيان بأخبار خاصة ونشرها فليس هناك مشكلة إذا كانت متعلقة بشئون ثقافية أو اجتماعية، أما إذا كانت سياسية فهي ممنوعة وبالذات إذا كانت تمس رئاسة الدولة. فمثلاً كنتُ حاضراً في إحدى المرات لدى وزير الإعلام حسن اللوزي رعاه الله، وإذا الأخبار تأتينا من القصر فيقرأها ويقوم بمنتجتها ثم لا يرسلها بالموافقة إلى النشر، وإنما يعيد إرسالها إلى القصر لكي يطلع عليها من هم حول الرئيس “الأوصياء” والذين كانوا يطلّعون عليها ويحذفون ويضيفون. وفي إحدى المرات كتب الزميل عبدالجبار سعد، مقالاً بعنوان “القطة السوداء تأكل الكلمات البيضاء” محتواه أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح، كان يزايد ويبالغ ويتجلّى ذلك في الكثير من خطاباته ويطرح أشياء جميلة فتحذف من الصحف في اليوم التالي، فكان يعتقد أن من كان يقوم بالحذف هو حسن اللوزي وزير الإعلام في تلك المرحلة. ونشرت المقال فإذا بالأستاذ/ حسن اللوزي يتصل بي ويعاتبني و«نحن أصدقاء» فقلت له: لكن هذا صحيح، وهو عبارة عن استفسار قارئ وليقول لي بعدها “هل تعتقدون أن لي مثل هذه الصلاحيات، إن الرئيس يقول كلاماً ونحن نقوم بكتابته، ومن يقوم بالحذف هو الرئيس نفسه، والذي كان يقول “أنا في بعض المناسبات أشطح وأنطح واتجلى، فأنتم نسّقوا ما أقوله”. حياديون حتى إعلان الانفصال نتيجة للاستقلالية في قراراتكم وخروجكم عن المسار السلطوي في مرات عدة، حيث يجوز لنا وصفكم برئيس التحرير المشاغب، تمت إقالتكم من موقع رئيس تحرير صحيفة الجمهورية وبقائكم كرئيس مجلس إدارة لها.. ماهي ملابسات هذا الأمر؟ - القضية إنه عند بداية الأزمة بين الشريكين رأينا بأن المسألة تتصاعد وكنا نتخوّف من وصولها إلى مستوى ومرحلة أكبر.. فبقناعة ذاتية حيّدت صحيفة “الجمهورية” وكنت حين أشتمُّ أخباراً فيها تحتوي على تأزيم للموقف بشكل كبير أو انحياز لطرف ضد طرف آخر فكنت أحيده. وحتى المقالات كنا نقر نشر المقالات التي كانت تصب في إطار تهدئة النفوس والتقارب والحوار وتغليب المصلحة الوطنية. وحتى خطابات الرئيس السابق والتي كانت تأتي من الوكالة، كنا نشطب الكثير من المقاطع منها، والتي نرى أنها مس بالحزب الاشتراكي أو قيادته أو تخوين لهم، لم نكن ننشر إلا ما فيه التقريب والطرح لأشياء عامة. ونتيجة لذلك تم الاتصال بي من قبل الأخ وزير الإعلام، فقلت لهم: أنا أعتقد بأن الصحافة الرسمية والإعلام الرسمي ليس ملكاً لشخص أو لآخر وإنما ملك للمواطنين وللشعب الذي يصرف عليها من ما يدفعه من ضرائب، ولهذا بما أن الجميع حكام يحكمون هذا البلد، فإما أن نكون محايدين أو أن ننشر كل شيء، وأنا مستعد للاتصال بوكالة سبأ للأنباء بعدن وأطلب منهم موافاتنا بأخبار علي سالم البيض كاملة والآخرين هناك، ما أدى لرفضهم وتقبلهم للأمر السابق على مضض واستمررنا على هذا الوضع حتى اشتعلت الحرب، فخففنا الحيادية قليلاً وظللنا على ذلك حتى إعلان الانفصال ما أدى لخروجي شخصياً عن الحياد، لأن كل شيء إلا الوحدة، وللعلم فهذا لم يكن موقفي وإنما كان حتى موقف الذين كانوا يقاتلون مع الحزب الاشتراكي سواءً في نسق العند أو حضرموت والتي أعلنت ثلاثة ألوية فيها ولاءهم للشرعية، أما العند فظل صامداً أكثر من شهر إلى أن أعلن الانفصال فسقط كما تسقط أوراق الخريف. ضغوط ومواقف مواقف أخرى يتحدث عنها الأستاذ/محمد عبدالرحمن المجاهد، حيث يوضح قائلاً: عندما اشتعلت حرب صيف 94م، كان الدكتور عبدالقادر مغلس والذي كنا متعاقدين معه لتصحيح المقالات من الناحية اللغوية، قد كتب مقالاً يوم انفجار الحرب في عمران مفاده: ضرورة ضبط النفس وتغليب المصلحة العامة. وأفاجأ بأول اتصال من حمود عباد وزير الأوقاف الحالي بتهديدي، وحين سألته بأي صفة تتصل بي فقال: بصفتي عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام، لأقول له: مع الأسف الشديد فاللجنة الدائمة لا تسيّرني.. وكان بجانبه علي مقبل غثيم، رعاه الله، فأخذ منه التلفون، وقال: لا تأخذ على كلام عباد فهو لا يعرف كيف يتخاطب مع الآخرين، ولكن هذا المقال ليس جيداً. فقلت له: هذا المقال ليس فيه أي اساءة، هل قرأته، فقال: لا ، قلت له اقرأه. و بعد نصف ساعة إذا بحسن اللوزي يتصل بي من غرفة العمليات حسب قوله ويتحدث معي عن المقال. فقلت له: المقال ليس فيه شيء، ليس منحازاً لا للمؤتمر ولا للاشتراكي ويطالب بالتقارب وعدم ايصال الأمور إلى حد الحرب الأهلية والفتنة. وليقول لي اللوزي: لقد انفجرت الحرب اليوم، ولأقول له: أنا لا أعلم الغيب بأنكم قد بدأتم الحرب. وبعد انتهاء الحرب تحدث الرئيس السابق علي عبدالله صالح في مناسبة وطرح بأن هناك ضغوطاً عليه من عدة جهات ومنها اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام، باستبعاد المجاهد من رئاسة مجلس الإدارة ورئاسة التحرير، وأنه قال لهم:« لا يصح أن يكون في هذا الموقع شخص ليس من المؤتمر الشعبي العام، وإذا كان لابد فخذوا منه رئاسة تحرير الصحيفة ودعوا له رئاسة مجلس الإدارة». وبعد أشياء حصلت تم صدور تكليف من “محمد سالم باسندوة” وكان وزيراً للإعلام حينذاك بعد حسن اللوزي، للأخ/علي ناجي الرعوي للقيام بأعمال رئيس تحرير صحيفة الجمهورية. ورغم إني كنت قادراً على الرفض لأني بحسب القانون معين بقرار جمهوري ولأني أعرف أن باسندوة ليس بيده إصدار قرار كهذا وأن التوجيهات فوقية وليست من ذاته، لكنني بكل بساطة ابتسمت وعقّبت خلف ورقة التكليف للشئون الإدارية لإبلاغ الزميل/علي ناجي الرعوي بمباشرة عمله. وقلت: جاءت منك يا بيت الله، فقد كنت مرهقاً من الأعمال الإدارية والصحفية والتي كانت تجبرني على عدم الذهاب لمنزلي إلا بعد منتصف الليل. أخطاء مطبعية قادت لأقبية الأمن الوطني نعود لما يتعلق بالعمل الطباعي، فنظراً لتخلف العمل الطباعي في تلك المرحلة كانت تحصل أخطاء مطبعية كانت فادحة.. ما الذي تختزنه ذاكرتكم؟ - كما ذكرت لك آنفاً عن طريقة الطباعة البدائية مما كان يتسبب في خطأ العامل فيضع حرفاً محل حرف.. مما يؤدي لأخطاء طباعية، منها على سبيل المثال صدور صحيفة الجمهورية وفيها خبر “الجمهورية العربية الصهيونية” وضجت الدنيا بعدها وقام الأمن الوطني باعتقال الطبّاعين وبعض المصححين وذهبنا للتفاهم مع الأمن الوطني وكان مديره آنذاك “أحمد الآنسي” وكان أخفّ وطأة من غيره ويقدّر الأمور. ومرة أخرى حصل خطأ مطبعي وأخذوا مجموعة ومنهم: عبدالله علي سلطان كان مصححاً وتفاهمنا مع الأمن الوطني. أما في المرة الثالثة فأخذوني وحققوا معي وكلفوا أحمد علي شداد ضابط قصر صالة بذلك، أفهمنا أحمد الآنسي ثم كانت هناك مصادفة وهي ورود خطأ صحفي في إحدى الصحف السعودية عن وصول الأخ/علي لطف الثور وزير خارجية بنجلاديش، فقلنا له: لو أن هذا الخطأ لدينا لأقمتم الدنيا، فالأخطاء تحدث، وحتى في الصحف الأمريكية تصدر كل يوم صفحة تصويب لأخطاء اليوم السابق. في ذلك اليوم الذي اخذوني فيه إلى الأمن، اتصل مساءً “حسن اللوزي” يبحث عني وأجابه الأخ عبدالرحيم سفيان سكرتير التحرير رحمه الله، قائلاً له: الأستاذ محمد في الأمن الوطني فسأل: لماذا؟ فأجابه بسبب حصول خطأ طباعي، فاتصل اللوزي بعد ذلك ب«أحمد الآنسي» وسأله: هل الخطأ في أصل المقال أم في الصحيفة؟ فأفاده بأنه في الصحيفة، فسأله مره أخرى إذاً ما دخل رئيس تحرير الصحيفة؟ ثم طلبني “أحمد الآنسي” وقدّم اعتذاره، وكان هناك محسن اليوسفي، والذي كان محافظاً لتعز آنذاك، يسعى ورائي غاضباً جداً من عدم نشر أخباره في الصفحة الأولى والتي كان يتم تخصيصها للأخبار المهمة. وأخرى تثير الضحك كانت هناك أخطاء مطبعية تقود لأقبيه وسراديب الأمن الوطني والسياسي فيما بعد، وأخطاء أخرى تثير الضحك، ماذا عنها؟ من ضمن هذا النوع من الأخطاء، فقد أخطأ أحد العمال بجمع مقطعي كلمة “كيسنجر” وزير الخارجية الأمريكي، ما أدى إلى أن طبعت ب«كيس خر». كما حصل خطأ آخر بعد صدور قرار تعيين “سعيد الحكيمي” محافظاً لمحافظة تعز، بعد مقتل “علي عبدربه العواضي” فنزل الخبر “تعيين محافظ خر” بدلاً عن آخر، ليأتي “سعيد الحكيمي” إلى الصحيفة باحثاً عن من جمع الخبر وعندما وجده قال له “ماخر ابن خر إلا أنت”. فالأخطاء الطباعية كلها هينة، وأي خطأ مطبعي حتى لو مس الذات الإلهية فالأجهزة الأمنية لا يهمها ذلك، أما إذا كان الخطأ في الذات العلية “الرئاسية” فالأمر مختلف. ارتقاء ما الذي شهدته الجمهورية كمؤسسة وصحيفة وكوادر من ارتقاء خلال فترة وجودكم كرئيس مجلس إدارة ورئيس للتحرير؟ في مجال العمل الطباعي فقد سعيت منذ إنشاء المؤسسة إلى التغيير حيث أدخلنا الكمبيوتر في عمليتي “الجمع والإخراج” وذلك قبل أن يحصل هذا الأمر داخل مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر.. كما لم تغفل قيادة المؤسسة الكادر الصحفي حيث عملت على توظيف المؤهلين وإيجاد كوادر مؤهلة تفهم العمل الصحفي، كما استطعت منحهم الحماية “يكتبون وأنا كفيل بحمايتهم” حتى إذا كانوا يُطلبون إلى الأمن الوطني كنت أذهب بدلاً عنهم ك “عبدالحبيب سالم مقبل” رحمه الله، والأخ/ عزالدين سعيد أحمد” والذين أصروا مرة أن يشربوا معه شاهي وقهوة ، فقلت لهم “أنا خاور لقهوتكم وشاهيكم”.. وفي مجال الدورات التأهيلية التدريبية كنا نسعى لتأهيل عدد من العاملين في حال توفرها.. وفيما يخص الآلات الطباعية، فقد كان لدينا اعتماد في الباب الرابع “البرنامج الاستثماري” لآلات طباعية وملحقاتها، واستطعنا شراء آلة “سول” ثم الآلة “الجوس” والتي كانت تطبع الصحيفة قبل مجيء الآلة الحالية، وهي التي كنا نسعى كل سنة لشرائها وفي آخر سنة قبل تقاعدي تم الرفض وذهبت لألتقي بالأخ رئيس الوزراء الأستاذ عبدالقادر باجمال وأخذت أمراً شخصياً منه حتى يتم اعتماد الشراء، وكنا قد بدأنا بالإعلان عن مناقصة ثم أتى الأخ/ سمير اليوسفي رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة رئيساً للتحرير وواصل المتابعة حتى شراء الآلة. فهذه نقلة في المجال الطباعي للصحيفة تتيح لها الظهور بثوبٍ قشيب وإخراج متميز.. وكلما تطورت الإمكانيات الفنية تطور العمل الصحفي، كما أنه وجدت العناصر المؤهلة والكفوءة انعكس ذلك على سير العمل الصحفي. الجمهورية الآن ما تقييمكم للجمهورية الآن؟ - متميزة وأنتم اليوم تعيشون في جو من الحرية يتيح لكم قول الحقيقة والوضوح، أكثر مما كان متاحاً لنا، وبصراحة فإن الأخ/ سمير اليوسفي والذي أعتبره تلميذي كان رئيس تحرير صحيفة الثقافية وكانت صحيفة متميزة وكان الطلب عليها في التوزيع أكثر من الجمهورية، والذي للأسف الشديد عمل على توقيفها ولم يستطع الصمود بفعل الضغوط عليه من جانب من يدّعون حماية الإسلام وقد كانت قوية عليه ما كان ليتجرأ على ما ينشر الآن لولا تأثير الثورة الشبابية، وقبلها لا يُلام لأن الضغوط التي يتعرض لها رئيس مجلس الإدارة مشكلة في حد ذاتها. والآن الوضع أفضل وهناك دماء جديدة وكُتّاب جدد وأقرأ كتابات جيدة وجميلة وشفافة وكذلك صريحة. ضغوط ما هي نوعية الضغوط التي يتعرض لها رئيس مجلس إدارة أي مؤسسة رسمية؟ - ضغوط كثيرة يتعرض لها رئيس مجلس إدارة أي صحيفة رسمية مما يستدعي أن يكون “مُصارعاً” وغير آبه بالموقع.. ومما أتذكره أنه في إحدى المرات حاول حيدر العطاس رئيس الوزراء سابقاً إرغامي على القيام بمراقبة الصحف التي كانت تُطبع في مؤسسة الجمهورية، فقلت له: أنا لست رقيباً، وهذه الصحف تملك ترخيصاً بموجبه أقوم بطباعتها. وقلت له - رعاه الله: إذا كنتم مصرين فلست حريصاً على المنصب وراتبي سيأتيني دستورياً وقانونياً إلى البيت..فطلع مُخلق وقال: نحن متمسكون بك. الثورة الشبابية هل تعتقد بأن الثورة الشبابية الشعبية السلمية قد انعكس تأثيرها على مستوى الأداء الصحفي؟ - بالتأكيد، الثورة الشبابية كان لها أثر على حرية الصحافة حيث حصل انفراج لما كنا نسميه بالهامش والذي كنا في كثير من الأحيان نذوق بسببه الأمرّين ونتلقى اتصالات عديدة حوله.. فسابقاً كذلك قبل الثورة الشبابية كان لابد من إبراز أخبار رئيس الجمهورية في الصفحة الأولى، حتى لو دخل الحمام “لازم في الصفحة الأولى وعنوان معين”، أما الآن فأصبح الخبر هو الذي يفرض موقعه فقد يكون لأناس عاديين وليسوا في قمة السلطة.. لذا فإن مناخ الحرية الحالي ينبغي أن يُستغل بالشكل الصحيح، بعقل، وليس باستعداءً وطيش.