واحدة من أشد المشاهد رعباً يعيشها نحو مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة منذ مساء يوم الأحد الماضي بعد نفاد الوقود من محطة توليد الكهرباء التي عجزت عن إنتاج الكهرباء لتزويد السكان والمستشفيات بها. المستشفيات متأهبة خشية انقطاع الكهرباء الذي تنتجه مولداتها، السكان يبحثون عن الخبز في المخابز التي أغلق معظمها أبوابه منذ مساء السبت بعد نفاد الدقيق، فيما الغاز المنزلي لم يعد له أثر، وبدا الخشب عزيزاً في أجواء الصقيع. وزير الحرب الصهيوني أيهود باراك قرر بالاتفاق مع رئيس الوزراء أيهود أولمرت وقف تزويد قطاع غزة بكل مستشفيات الوقود لتغرق غزة في الظلام لتنتفض ضد حركة حماس التي يقصف ذراعها العسكري "كتائب الشهيد عز الدين القسام" الى جانب قوى مقاومة أخرى المستوطنات اليهودية جنوبي إسرائيل بالصورايخ ، التي سقط منها نحو مئة صاروخ منذ منتصف الأسبوع الماضي. ولهذا قرر أولمرت " أن لا تعيش غزة هدوءا وأمناً بينما لا تعيشه اسديروت" ونصح الفلسطينيين بالمشي على الأقدام بدل السيارات ، وهو ما كان الى اليوم الذي سمحت فيه حكومة أولمرت إدخال الوقود الى غزة لكن بكمية محدودة جداً . الكهرباء هي محرك عجلة الحياة في قطاع غزة ، توقفت محطة توليد الكهرباء عن إنتاج الكهرباء بعد منع إسرائيل إدخال الوقود إليها . قبل أن تتوقف الكهرباء عن السريان ، ضرب الهلع الفلسطينيين الذين أخذوا يخزنوا المواد الغذائية من دقيق وسكر أرز وخضروات وأودية منذ إعلان باراك قراره إغلاق كل معابر غزة (التي تسيطر عليها قواته ) ليل الخميس الجمعة. "في مشهد لم يألفه الفلسطينيون من قبل في غزة بل شاهدوه في دول ضربتها الكوارث من مجاعة رأيت عندي طوابير من الناس الملهوفة تريد بضعة أرغفة من الخبز منذ مساء السبت" هكذا يقول أبو قاسم شبير صاحب مخبز بخان يونس . "طابور طويل أمام مخبزه لا ينتهي إطلاقا كأنني لا أبيع لا ينقص الطابور شيء بل يزداد ، من أين سنلبي حاجة كل هؤلاء" ، يقول صاحب مخبز الجلاء وسط مدينة غزة لمراسل وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) . المستشفيات هي الأخرى بدت كأنها تعيش في حالة حرب الكل يفتح المذياع اليدوي يسمع أين قطع التيار الآن ، وأين سيقطع بعد وقت قصير ، وما مصير المستشفى وآبار المياه ؛ في المستشفى الأوربي شمال شرق مدينة رفح جنوبي قطاع غزة توقف العمل في غرف العمليات والعناية المكثفة وغرف التعقيم أوقفت ، والعمل بالحد الأدنى بعد أن شغلوا مولدين فقط حسب الدكتور كمال موسى مدير العلاقات العامة في المستشفى . ويشير موسى لمراسل (سبأ ) إلى أن إدارة المستشفى أبلغت من الأطباء والعاملين الادرايين بأنها لن توفر لهم سيارات لتنقلهم كالمعتاد من أماكن سكنهم الى المستشفى لان الوقود المتوفر بالكاد يغطي حاجة المستشفى الضرورة حتى ظهر الأربعاء . الشوارع بدت خالية إلا من بضعة سيارات دبر أصحابها السولار بشق الأنفس حسب رزق الفيومي نقل "أجرة" " معظم أصحاب السيارات أوقفوا سياراتهم للحفاظ على الوقود لقضاء مهمات وضرورية فقط في ظل الانقطاع النهائي للوقود ". ويضيف" أن أكثر السيارات توقفت عن الحركة لأن انتهاء الوقود منها يعني أنها ستقف كهيكل حديدي لا فائدة منها عن الحاجة الضرورية فالجامعات تعطلت بشكل كبير بعد توقف حركة المواصلات بين المدن التي يخيم عليها شبح الأزمة، والمؤسسات الرسمية أغلقت أبوابها منذ أمس الاثنين، وما تبقى من المؤسسات يعمل بالحدود الدنيا من طاقته". ومع انقطاع الكهرباء محركة الحياة البائسة في غزة ومخاطر الانقطاع ، وصل الأمر الى انقطاع أشد خطورةً من الكهرباء ، إنه توقف آبار المياه في غزة عن الضخ إلى البيوت مياه الشرب منذ أمس الاثنين وستتوقع معظم آبار المياه عن ضخ المياه في ساعات مساء اليوم الثلاثاء . ويقول عماد صيام رئيس بلدية غزة:" إن آبار المياه التي تستخدم لتزويد المواطنين بالمياه اللازمة توقفت عن الضخ جراء انقطاع التيار الكهربائي ، وعدم توفر الوقود اللازم لمولدات الكهرباء التي تستخدم في رفع المياه الى الأرض ومنها الى منازل المواطنين ". وأضاف " أن ستة آبار في شمال قطاع غزة توقفت عن العمل تماما" وتغذي هذه الآبار حوالي 50% من احتياجات سكان مدينة غزة وتضخ حوالي 1000 كوب في الساعة. ويتساءل النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار "ما ذنب قطاع غزة كي يحاصر بهذا الشكل الظالم والحاقد؟ وقال الخضري "في غزة 155 مريضاً يصرخون للسماح لهم بالسفر عبر معبر رفح للعلاج بالخارج، 350 مريضاً منهم بحالة الخطر الشديد، إلى جانب وفاة أكثر من 75 حالة مرضية، وتعطل 140 ألف عامل عن العمل، وتوقف 3900 مصنع في القطاع، وتوقف عشرات مشاريع البني التحتية والمقاولات والإنشاءات". ووجه الخضري رسالة إلى العالم العربي والغربي بضرورة التحرك الفوري لمساندة غزة المحاصرة والمكلومة، والضغط على الاحتلال الصهيوني لكسر الحصار وفتح المعابر. ودعا مصر "بحكم موقعها الجغرافي وتاريخها، ومكانتها وعلاقتها مع دول العالم، باتخاذ موقف جرئ دون تأخير بفتح معبر رفح الحدودي جنوب قطاع غزة". وتساءل الخضري "الهذه الدرجة لا يستطيع العرب فتح المعابر وإمداد غزة بالمساعدات الإنسانية والغذائية والكهرباء، وإنقاذه من الدمار والجوع والحصار". واعتبر مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان بغزة عصام يونس أن خطورة الوضع في قطاع غزة وترديه يغذيه الصمت الدولي المطبق ، مما شجع الاحتلال على مواصلة عملياته العدوانية ، والإمعان بالفتك بالشعب الفلسطيني الذي سقط منه عشرات الشهداء ومئات الجرحى في عدة أيام . وأكد لمراسل (سبأ) أن الوضع الإنساني في قطاع غزة ينذر بكارثة حقيقية لا يمكن السكوت عنها، معتبرا قرار حكومة الاحتلال تشديد إغلاق المعابر الحدودية على القطاع عقابا جماعيا يستهدف شرائح المجتمع الفلسطيني كافة. وقال يونس :" إن خطر الموت "حادث لا محالة إذا استمرت حالة الصمت الدولي والعجز عن التحرك لوقف الانتهاكات الجسيمة والمنظمة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، والتي ترقي إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية". وأشار الى أن مؤسسته تقوم بالتعاون مع مؤسسات حقوقية فلسطينية وعربية ودولية بالتحرك على أكثر من صعيد إقليمي ودولي وداخل إسرائيل لإجبار حكومة أولمرت على وقف عقوباتها الجماعية ضد الفلسطينيين المدنيين العزل في قطاع غزة . واعتبر طاهر النونو الناطق باسم الحكومة الفلسطينية المقالة التي يرأسها إسماعيل هنية أن إدخال إسرائيل كمية الوقود اليوم لا يكفي ، وفوق ذلك هو ليس حلا لقضية الحصار وإنما محاولة جزئية لتفكيك بند واحد من الأزمة القائمة التي تهدد قطاع غزة. وأوضح أن الحكومة الإسرائيلية اتخذت قرارها بإدخال كمية محدودة من الوقود في محاولة منها لامتصاص الإدانة الدولية لإجراءاتها العسكرية القاتلة ، وكذلك لامتصاص الضغط الجماهيري الذي اجتاح شوارع الأمة بأسرها. وأكد النونو أن الفلسطينيين لا يريدون حلاً جزئياً "وإنما المطلوب فلسطينيا كسر الحصار المفروض على الشعب بكل أشكاله".