من الحقائق التي لا يكابر عليها أحد أن الوطن يكبر بفنانيه ومبدعيه؛ نظراً لما يحتله الفن من مرتبة لها الصدارة في الإبداع ، ولأن الحضارات المحترمة هي تلك التي احترمت كل ما أنتجه الإنسان وأبدعه، ولا أعتقد في هذا السياق أن هناك أمة كرمت المبدعين من أبنائها، وأولت الفنون اهتماماً كبيراً لم يضف ذلك إلى رصيدها التقدمي والنهضوي، بل على العكس من ذلك لقد مثلت الفنون لكثير من الأمم عوامل معتبرة في النهوض والتقدم. وحسناً ما صنعته السلطة المحلية في محافظة تعز من إقامة مهرجان تكريمي للراحل الفضول الذي نحن بصدد التحدث عنه و توأم روحه الفنان أيوب طارش. قد اختتمت بمدينة التربة محافظة تعز فعاليات مهرجان الفضول شاعر الأرض والإنسان، والذي حفل على مدى ثلاثة أيام بالعديد من الفعاليات الثقافية والفنية الأدبية سلطت الضوء على مسيرة الشاعر والمفكر والأديب والمناضل الراحل عبدالله عبد الوهاب نعمان «الفضول» الحافلة بالعطاء والإبداع. وفي حفل الاختتام الذي حضره محافظ لحج أحمد عبدالله المجيدي وأمين عام المجلس المحلي بلحج علي حيدرة ماطر، أعلن محافظ تعز شوقي أحمد هائل أن إطلاق مهرجان الفضول كتقليد سنوي يعد تدشيناً فعلياً لتعز عاصمة للثقافة اليمنية. وأشاد محافظ تعز بتفاعل أبناء التربة مع هذه التظاهرة الثقافية التي شهدتها مدينة التربة لأول مرة تكريماً ووفاء للشاعر الفضول وتقديراً لعطاءاته الإبداعية وأدواره النضالية وتكريس كل حياته من أجل اليمن.. كما أعلن المحافظ شوقي بإنشاء مجمع تربوي بمنطقة ذبحان سيطلق عليه اسم «النعمان أوالفضول»؛ تكريماً ووفاء للشاعر الراحل عبدالله عبد الوهاب نعمان، كما وجه بتوفير ثلاث حافلات لكلية التربية بمدينة التربة. وقام المحافظ شوقي ومعه محافظ محافظة لحج أحمد عبدالله المجيدي ومستشار رئيس الجمهورية لشئون الدراسات الدكتور فارس السقاف ورئيس جامعة تعز الدكتور محمد الشعيبي بتكريم الراحل عبدالله عبدالوهاب نعمان؛ حيث سلم ابني الفضول هاني، وصخر عبدالله عبدالوهاب، درع عاصمة الثقافة اليمنية وآخر لمحافظة تعز، كما تم تكريم الفنان الكبير أيوب طارش من قبل إدارة المهرجان بدرع الفضول؛ وذلك تقديراً لما كان يمثله الفنان أيوب طارش مع الفضول من ثنائي لا يطير أحدهما إلا بجناح الآخر. هذا وشهدت فعاليات اليوم الثالث من المهرجان أمسية غنائية أحياها من ضمن من أحيوها الفنان أيوب طارش، إلى ذلك أقيمت في الفترة الصباحية من اليوم الأخير للمهرجان ندوة فكرية أدارها الشاعر نبيل الحكيمي بعنوان «الفضول مفكراً وشاعراً وسياسياً وصحفياً» تحدث فيها كل من الدكتور عبدالعزيز علوان والدكتورة أحلام البريهي والباحثة سمية الفقيه وعبد الجليل الرعدي حول مختلف نتاجات الفضول الفكرية والسياسية والفنية والصحفية، متطرقين إلى صحيفة الفضول التي صدر أول عدد منها في 15 ديسمبر 1948 م إضافة إلى دور مدينة عدن في نشر إبداعات الفضول. وقال الدكتور فارس السقاف مستشار رئيس الجمهوريه: إن تنظيم مهرجان الفضول الثقافي والسياحي يعد تقليداً حضارياً راقياً يعزز الحب للأرض والإنسان. وأضاف السقاف: إن أشعار عبدالله عبد الوهاب نعمان الملقب بالفضول هي قلب وعقل اليمن، وهو شاعر اليمن الكبير، وأن تقديم الفضول للنشيد الوطني، والذي تردده الأجيال نعتز بها دولة وشعباً. وأوضح أن المناصب تذهب وتظل قامات الإبداعات الثقافية والأدبية تراثاً للشعوب ورموزاً وطنية مثل: موليير وشكسبير وإبداعاتهم تتناقلها الأجيال، مشيراً إلى أحلام الفضول المبكرة والذي تغنى بها عدد من الفنانين لليمن والوحدة قبل غيره من الأدباء.. وأكد السقاف أن الحس والشعور الذي كان يحمله الفضول في جنبات قلبه يأتي من إيمان عميق وراسخ بمبادئه بعدم قبول تجزؤ الجسد اليمني منذ الأربعينيات فتغنى بالوحدة والتوحد محببها للنفوس، مؤكداً أن إبداعاته وحدت البلاد قبل التوحد مشيراً إلى أن التربة مسقط رأس شاعرنا الكبير، متمنين في ختام تصريحه أن يصبح المهرجان تقليداً سنوياً؛ تخليدًا لذكرى الفضول وتكريماً لتاريخه الكبير الثقافي والأدبي. هذا فيما يخص مهرجان الفضول الذي كرمه محافظ المحافظة الأخ شوقي أحمد هائل. أما مدخلي لحديثي عن هاتين القامتين فأبدؤه بالقول: إن من روائع الصدف الفنية والأدبية في تاريخ القصيدة الأدبية المحلية والأغنية اليمنية المعاصرة، أن تصدرت موهبتان كبيرتان في الكلمة الشعرية واللحن والصوت والأداء التعبيري؛ إذ كانت تجربة الشاعر الراحل عبدالله عبدالوهاب نعمان المعروف بالفضول في بواكيرها الأولى من مطلع ستينيات القرن الماضي، بالتزامن مع النبوغ الثري للفنان العبقري أيوب طارش عبسي، فكانت الحالمة تعز رائحة التاريخ وفانتازيا الجمال وسحر الفنون وروح التراث وأصالته حاضنة للراحل الفضول ووفية مع الفنان الكبير أيوب طارش عبسي، ومنها انطلقت أشعار وألحان، تفتقت عنها كلمات الشاعر الفضول ليتلقفها صوت شيخ الأغنية اليمنية الفنان الكبير أيوب طارش عبسي – بارك الله في عمره – لتجد طريقها إلى مدن اليمن قاطبة، خاصة حاضرتها تعز، التي كانت تسجل السنوات الأخيرة في سفر الخالد الراحل الشاعر الكبير الفضول الذي رحل في وقت كان الفن الأدبي في أمس الحاجة إليه؛ نظرا لأن هناك وجهاً آخر لروحه يتنفس ما تستمطره روحه الوطنية من قصائد غاية في الروعة، وآية في الحسن والجمال، هو أيوب طارش عبسي الذي يعد بحق رائد الأغنية التعزية، والعبقري الذي كان واعياً حين تقلد تاج الأغنية التعزية إن جاز لنا التعبير وصدح بما يمكن تسميته بستات الحسن والجمال المتمثلة بقصائد الفضول أمثال «وا صبايا وا ملاح هيا اقطفين لي مشاقر» و«رشوا عطور الكاذية»، و«عدن.. عدن فيها الهوى مُلَوَّن» و«اشرقي تحت سمائي يا سيوفي» و«الهتافات لمن بين الجموعِ» و«هذه يومي فسيروا في ضحاها» و«هاهنا بعض عطايا تربتي» و«املأوا الدنيا ابتساما وارفعوا في الشمس هاما» و«يا سماوات بلادي باركينا» وغيرها من الأغنيات التي كانت تعد تجربة طافحة بالفنية في مشوار الفنان الكبير أيوب طارش عبسي، واتخذت ملمحاً جديداً يتناسب وروح العصر الذي شكلّه فيما بعد الفضول وعبسي وأصبغا عليه رونقهما وفداه بروحيهما، مع بقية المبدعين الكبار الذين جايلوهما معاً رحلة الفن والإبداع في النصف الثاني من القرن العشرين، ولكن تظل ثنائية الشاعر والفنان الفضول والأداء العبسي، هي الظاهرة الطاغية للأغنية الحضرمية المعاصرة، حداً يجعل من الصعب تفكيكها أو وضع أيٍّ منهما بمعزل عن الآخر، أو الحديث عن فضل أحدهما على الآخر؛ إذ إننا نجزم بأن عبقرية الفضول الشعرية وجدت صدى روحها وحديث دموعها وهمس خواطرها مترجماً بقوة وعمق في صدى صوت وعذوبة أداء الفنان أيوب طارش عبسي، ولم يعد أيٌّ منهما – كما قيل - يستطيع الخروج من معطف الآخر، فهما بعد أن التقيا فنياً تكونا ذاتاً فنية واحدة لم تستطع الابتعاد أو العودة إلى ذاتين، وإن نجحا في البقاء على كينونتهما ظاهرة متفردة، في الكثير من الفضاءات الفنية الأخرى، إلا أنهما، وقد جمعتهم عبقرية الفن الجميل، من القصائد التي ذاع صيتها واشتهرت للفضول وتلقفتها حنجرة أيوب طارش بلحنها الجميل قصيدتان وطنيتان باعتقادي أنهما يعدان من أروع شعر الفضول الوطني، وأروع أغاني أيوب طارش هما قصيدتا «يا سماوات بلادي باركينا» وقصيدة «هذه يومي فسيروا في ضحاها» جاء في الأولى: يا سماوات بلادي باركينا وهبينا كل رشد ودعينا نجعل الحق على الأرض مكينا أرضُنا نحن أضأنا وجهها وكسونا أفقها صبحاً مبينا وجعلنا في ذراها عزها لا يرى فوق ثراها مستكينا وجاء في الثانية: هذه يومي فسيروا في ضحاها فالضحى أشرق منها واكتساها ونسجنا شمسها ألويةً تحتها سارت خطانا تتباها وأتى الخير إلى هامتنا لاثماً منا أنوفاً وجباها واستعار المجد من قاماتنا قامة لم يعطه طولاً سواها إنه يوم عطائي فيه أغنيت تاريخي حياة ووجوداً وبه مارست جودي....