للقدر كلمته, إن وفيت أشراط الساعة.. وعلى كل فالإنسان ملزم بأخذ الحيطة والحذر وتجنب المهلكات, فهذا الشاب العشريني السن “خالد” وهو من أبناء محافظة شبوة, جاء مع مجموعة من زملائه الطلاب في رحلة مدرسية صوب محافظة مأرب, وتحديداً لزيارة سد مأرب, ذلك المكان الأثري المحفور في عبق ذاكرة التاريخ, ولم يكن مدركا أن آخر مشهد لحياته سينتهي في ذلك المكان, فقد ابتلعته المياه إلى أغوار السد عندما قرر السباحة كأقرانه على مشارف السد, لكنه ربما ذهب أبعد منهم فخارت قواه مستسلما لجذبه نحو الأعماق, المشهد كان صادماً لزملائه الذين انطلقوا للبحث عن منقذين بين أهالي القرى بمقربة السد, جاء عدد منهم وفشلوا, ثم جاء أحد الغواصين وفشل هو الآخر بسبب انتهاء كمية الأكسجين في اسطوانة الغوص, وتطلب الأمر الاستعانة بغواصين مؤهلين من قوات الأمن الخاصة, وقد نجح أحدهم أخيراً بانتشال جثة الشاب بعد مرور ساعات على حادثة الغرق. ومن الناحية الإحصائية فقد أودت حوادث الغرق التي وقعت خلال العام 2012م بحياة 128 شخصاً من ضمنهم 37 أنثى بالإضافة إلى 58 طفلاً بينهم 3 أحداث عرب و2 من الأجانب, ووفقاً للتقرير الإحصائي الأمني الصادر عن الداخلية فقد شهدت هذه النوعية من الحوادث تزايداً كبيراً في الأعوام الأخيرة, حيث تعد أبرز مسبباتها عدم المعرفة بالسباحة, والجهل لقواعد السلامة, وتجاهل التحذيرات من مخاطر السباحة في السدود والشواطئ المحتمل التعرض بها لأخطار الغرق. وأوضح التقرير الأمني الإحصائي السنوي عن الجرائم والحوادث الذي صدر مؤخراً عن وزارة الداخلية بأن حوادث الغرق خلال العام المنصرم ارتفعت بنسبة 26 % مسجلة زيادة عددية مقدراها 22 حادثة. ووفقاً للتقرير الإحصائي فإن العام الماضي شهد وقوع 105 حوادث غرق ضبط منها 104 حوادث.. وبالعودة لحادثة الغرق المأساوية للشاب خالد, لا يسعنا هنا إلا أن نشير إلى جانبين, أولهما أن هذه الحادثة المأساوية ليست الأولى في سياق حوادث الغرق التي حدثت خلال السنوات الأخيرة على مستوى سدود وتجمعات مائية عدة, خاصة بمحافظة صنعاء, ما دفع الجهات المعنية بإطلاق تحذيرات عبر وسائل الإعلام المحلية من مخاطر السباحة بمثل هذه الأماكن, والتي تتسم بأرضيات طينية أو رملية رخوة تعيق من يسبح على مشارفها من مغادرتها ما يؤدي إلى الغرق, الجانب الآخر هو المتعلق بالمنقذين, وهم يعتبرون غواصين مدربين تدريباً عالياً على التعامل مع هذه النوعية من الحوادث, وما يمكن قوله توجيه نداء لذوي الاختصاص بتعيين غواصين على مشارف هذا السد الأثري حتى لا تتكرر حوادث أخرى كحادثة هذا الشاب التي كان لها وقع الصدمة والإثارة لكثير من مشاعر الحزن والألم.. وعامة, فحادثه هذ الشاب على مأساويتها تعيد لأذهاننا مشهداً أليماً تم تناقله عبر وسائل الإعلام الإلكترونية لشاب وزوجته (حديثي عهد بالزواج) رغباً في استراق لحظات خلوة على مشارف أحد السدود، قبل أن يتوغلا وسط المياه الغائرة التي جذبتهما نحو الأعماق، الشاب دون وعي أراد توثيق تلك اللحظات عبر هاتفه الجوال، ترك الهاتف يصور عن بعد المرح الذي استحال إلى فجيعة وموات، ومازال كذلك حتى انطفأت البطارية. وفي السدود المقاربة بمناطق في محافظاتصنعاء والمحويت وحجة، تزايدت حوادث الغرق خلال السنوات الأخيرة، وقد جمعني لقاء بأحدهم وكان شاهد عيان لحادثة غرق شاب ثلاثيني العمر في سد يرتاده الزائرون بكثرة ويقع بمنطقة بني مطر فقال بأن الشاب شوهد وهو يغرق بعد ابتعاده عن مشارف السد ولم يتمكن الناس من إنقاذه, وكانت هذ واحدة من الحوادث التي دفعت الجهات الحكومية المختصة إلى توزيع أعداد من الغواصين المدربين على مناطق السدود والتجمعات المائية التي تشهد هذه الحوادث.. في ساحل صيرة بمديرية كريتر, فوجئ جهلان طالب (28 عاماً), الذي قدم من محافظه البيضاء وعائلته للاصطياف, بسقوط ابنته سمية - 13 عاماً - في عارض بحري فسعى محاولاً إنقاذها بالقفز بالمياه من أعلى الصخور الواقعة قرب حرج للأسماك فلقي الأب مع ابنته حتفهما لعدم إجادتهما للسباحة.. كان ذلك في نوفمبر العام الفائت الذي شهد كذلك حادثة غرق مأساوية لطفل يدعى عبداللطيف - 14عاماً - في مكان مقارب من نفس المحافظة وتحديدا في ساحل جولد مور بالتواهي, حيث أسهم ارتفاع الموج وعدم قدرة الصغير على السباحة ليغوص غريقاً داخل البحر, وعلى ذكر التجمعات المائية الخطرة التي قد تكون على بعد أمتار من مسقط الرأس.. وخلال شهر نوفمبر التي كثرت فيه حوادث الغرق انزلقت أقدام أحد مواطني منطقه العين بمديرية المواسط في محافظه تعز نحو جزء عميق وغائر في بئر قريته، وحاول آخر على مقربة منه إنقاذه لكنه تبعه لنفس نقطه العمق المائي القاتل وعند محاولة شخص ثالث كان بالجوار إنقاذهما شاء القدر أن ينظم إليهما ليلقى الثلاثة حتفهم في البئر.. وللآبار وقائع مأساوية أليمة فقبل عامين لقي ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في منطقه بني حوات شمال الأمانة حتفهم لدى قيامهم بحفر بئر للمياه في حوش المنزل. الحادثة لم تصنف غرقاً ولكن اختناقاً جراء انعدام الأكسجين داخل البئر, واختتم العام الفائت بمصرع عديد أشخاص في حوادث غرق متفرقة منها تلك التي تحدث في عرض البحر و كانت أكثرها مأساوية مصرع ستة بحارة بعد تحطم قارب صيد كان يقلهم على مقربة من ميناء الاصطياد, وقد تمكن الأهالي من العثور على جثة أحدهم ويدعى - عبد ه سالم - في منطقة رأس عيسى, فيما عثر على حطام القارب على بعد 24 ميلاً بحرياً من ميناء الاصطياد في الحديدة. حوادث الغرق في عرض البحر تحصد سنوياً ضحايا بالمئات.. أكثرهم نازحون قادمون على متن قوارب من الصومال, وأعداد لمواطنين يمنيين لكن ما يلفت الانتباه أن أصعب مواقف خوض أمواج البحر وبعيداً عن اليابسة, وتتجلى الحكمة الإلهية, بأن لا تستوفي الساعة أشراطها وتكون العناية الإلهية حاضرة فينجو البعض من الغرق والموت المحتوم, فقبل عدة سنوات انفجر بركان في جزيرة جبل الطير غير المأهولة إلا من حامية لا يزيد عدد أفرادها عن أصابع اليد, وقد أغرقت الحمم كامل الجزيرة ولم يجد أفراد الحامية بدا من الاندفاع صوب المياه والمجهول فراراً من الصخور المنصهرة, ومن الأعاجيب تمكن أحد الجنود من خوض البحر طيلة يوم وليلة كاملين سباحة, حتى وصل إلى الساحل وقد أغمي عليه قبل أن يتم إسعافه وقد كتبت له حياة جديدة. كتب صحفيون يومها, كان الأولى بوزارة الشباب والرياضة الاستعانة بهذا الجندي (السباح الخرافي), في مسابقات السباحة الدولية, وحتماً سيحمل أرفع الميداليات والأوسمة في هذه الرياضة.