بالصور .. العثور على جثة شاب مقتول وعليه علامات تعذيب في محافظة إب    الجيش الوطني يدك مواقع المليشيات الحوثية بالسلاح الثقيل    صاعقة رعدية تنهي حياة شاب يمني    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحل بعد حياة شعرية مثيرة وكان شاعراً رومانسياً قومياً حداثياً مخلصاً لمبادئه وإنساناً مسكوناً بالجمال
في الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الشاعر عبدالله البردوني.. الوطن والثورة والوحدة .. مرتكزات لا تُنسى

بداية هذا الأسبوع حلّت الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الشاعر الكبير عبدالله البردوني، الشاعر الجمهوري الضرير ذي العلامة الفارقة في مسيرة الشعر العربي الحديث، نشأته كانت مبهرة، وسيرته عظيمة، ودواوينه الشعرية ومؤلفاته الفكرية ودراساته كثيرة منها ما تم طبعها ومنها ما لم تُطبع، وحصل على العديد من الجوائز، كتب شعراً أثلج به الوطن وحاكى الأوضاع كأنه يبصرها وتنبأ بالأحداث قبل وقوعها وأنصفه الكتّاب والنقّاد والمثقفون وأكدوا أنه ظلم حيّاً وميتاً، لكنه رغم ذلك هادن في حياته الشعرية وتمرد، وصاحب وخاصم، وخالف المألوف، وكان شاعراً مخلصاً لمبادئه وإنساناً مسكوناً بالجمال، ويتبقّى ذكره عاطراً في كل ذكرى ووقت وحين.. في هذا الملف سوف نسلّط الأضواء على هذا الشاعر المسكون في قلوب الكثيرين من الشعراء والأدباء والنقاد والمثقفين وما ذكر عن الوطن والثورة والوحدة، فإلى الملف..
يقول الكثير من النقاد: البردوني شاعر وناقد أدبي ومؤرّخ ومدرّس يمني تناولت مؤلفاته تاريخ الشعر القديم والحديث في اليمن ومواضيع سياسية متعلقة ببلده، وكان مؤيداً للحكم الجمهوري على الملكية، وغلب على قصائده الرومانسية القومية، والميل إلى السخرية والرثاء، وكان أسلوب ونمطية شعره تميل إلى الحداثة عكس الشعراء القبليين في اليمن.
مولده ونشأته
ولد عبدالله صالح حسن الشحف البردوني (1929 - 30 أغسطس 1999) في قرية البردون في محافظة ذمار، وأصيب بالجدري الذي أدّى إلى فقدانه بصره وهو في الخامسة من عمره، تلقّى تعليمه الأولي فيها قبل أن ينتقل مع أسرته إلى مدينة ذمار ويلتحق بالمدرسة الشمسية الزيدية المذهب، بدأ اهتمامه بالشعر والأدب وهو في الثالثة عشرة، ودأب على حفظ ما يقع بين يديه من قصائد، وانتقل إلى صنعاء في أواسط العشرينيات من عمره ونال جائزة التفوُّق اللغوي من دار العلوم الشرعية، أدخل السجن في عهد الإمام أحمد بن يحيى لمساندته ثورة الدستور عام 1948م.
نتاجه الشعري
أصدر 12 ديواناً شعرياً من 1961 - 1994 وهي: «من أرض بلقيس، مدينة الغد، لعيني أم بلقيس، السفر إلى الأيام الخضر، وجوه دخانية في مرايا الليل، زمان بلا نوعية، ترجمة رملية لأعراس الغبار، كائنات الشوق الآخر، رواغ المصابيح، جواب العصور، رجعة الحكيم بن زائد، في طريق الفجر».
مؤلفاته الفكرية
«رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه، قضايا يمنية، فنون الأدب الشعبي في اليمن، اليمن الجمهوري، الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل يمنية، الثقافة والثورة، من أول قصيدة إلى آخر طلقة، دراسة في شعر الزبيري وحياته، أشتات».
الجوائز
في عام 1982 أصدرت الأمم المتحدة “اليونسكو” عملة فضية عليها صورة البردوني كمعاق تجاوز العجز، كما حصل على العديد من الجوائز أهمها: جائزة أبي تمام في الموصل عام 1971 - 1391ه، وجائزة شوقي في القاهرة عام 1981 - 1401ه، وجائزة مهرجان جرش الرابع في الأردن عام 1984م - 1404ه، وجائزة سلطان العويس في الإمارات 1993م - 1414ه.
الغزو من الداخل
البردوني لم يعجبه ما يحصل في الوطن، وأكد في أكثر من قصيدة وحذّر أن الغزو لا يمكن أن يأتي إلا من الداخل، فقال:
فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري
وهل تدرين يا صنعاء من المستعمر السرّي
غزاة لا أشاهدهم وسيف الغزو في صدري
فقد يأتون تبغاً في سجائر لونها يغري
وفي صدقات وحشي يؤنسن وجهه الصخري
وفي أهداب أنثى في مناديل الهوى القهري
وفي سروال أستاذ وتحت عمامة المقري
وفي أقراص منع الحمل وفي أنبوبة الحبر
في حرية الغثيان وفي عبثية العمر
وفي عَود احتلال الأمس في تشكيله العصر
وفي قنينة الوسكي وفي قارورة العطر
ويستخفون في جلدي وينسلون من شعري
وفوق وجوههم وجهي ونحت خيولهم ظهري
غزاة اليوم كالطاعون يخفى وهو يستشري
ومن قصيدة غريبان وكانا هما البلد قال:
وكيف كنتم تنوحون الرجال؟
بلا نوح نموت كما نحيا بلا رشد
فوج يموت وننساه بأربعة
فلم يعد أحد يبكي على أحد
وفوق ذلك ألقى ألف مرتزق
في اليوم يسألني ما لون معتقدي
بلا اعتقاد وهم مثلي بلا هدف
يا عمّ ما أرخص الإنسان في بلدي
وقد كانت قصيدته “أبوتمام وعروبة اليوم” هي بوابة العبور إلى عالم الشهرة، وفي بعض أبياتها يتحدّث البردوني عن وطنه الأم اليمن وخاطبها صراحة بصنعاء وما أصابها من السل والجرب؛ إذ يقول الشاعر الراحل في بعض أبياته:
حبيبُ وافيتُ من صنعاءَ يحملني
نسرٌ وخلف ضلوعي تلهثُ العربُ
ماذا أحدثُ عن صنعاءَ يا أبتي
مليحةٌ عاشقاها السلُّ والجربُ
وفي قصيدة أخرى وصف اليمن بقصيدة عنونها ب“من أرض بلقيس” وكان وصفاً دقيقاً كأنه يراها رأي العين فقال البردوني:
من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر
من جوها هذه الأنسام والسحر
من صدرها هذه الآهات، من فمها
هذي اللحون، ومن تاريخها الذكر
من «السعيدة» هذي الأغنيات ومن
ظلالها هذه الأطياف والصور
أطيافها حول مسرى خاطري زمر
من الترانيم تشدو حولها زمر
من خاطر «اليمن» الخضرا ومهجتها
هذي الأغاريد والأصداء والفكر
هذا القصيد أغانيها ودمعتها
وسحرها وصباها الأغيد النضر
يكاد من طول ما غنى خمائلها
يفوح من كل حرف جوها العطر
يكاد من كثر ما ضمّته أغصنها
يرف من وجنتيها الورد والزهر
كأنه من تشكي جرحها مقل
يلح منها البكا الدامي وينحدر
يا أمي اليمن الخضرا وفاتنتي
منك الفتون ومني العشق والسهر
ها أنت في كل ذراتي وملء دمي
شعر «تعنقده» الذكرى وتعتصر
وأنت في حضن هذا الشعر فاتنة
تطل منه، وحيناً فيه تستتر
وحسب شاعرها منها - إذا احتجبت
عن اللقا - أنه يهوى ويدكر
وأنها في مآقي شعره حلم
وأنها في دجاه اللهو والسمر
فلا تلم كبرياها فهي غانية حسنا
وطبع الحسان الكبر والخفر
من هذه الأرض هذي الأغنيات، ومن
رياضها هذه الأنغام تنتثر
من هذه الأرض حيث الضوء يلثمها
وحيث تعتنق الأنسام والشجر
ما ذلك الشدو؟ من شادية؟ إنهما
من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر
ويقول في موضع آخر:
لعيني «أم بلقيس»
فتوحاتي وراياتي
وأنقاضي وأجنحتي
وأقماري وغيماتي
ولهذا وذاك ينكفئ ويعود الشاعر إلى اليمن بما هي وحدة جغرافية ينتمي إليها الشاعر في موضع آخر:
من أي نبع أنت...؟ من ياء ومن ميم ونون
لي موطن لا ذرّة فيه على الأخرى تهون
أما عن الثورة فذكر قصائد كثيرة، أهمها قصيدة حين يصحو الشعب وقيلت في جمادى الآخر 1379 ه، قبل الثورة بثلاث سنوات، وكان مطلعها:
أعذر الظلم وحمّلنا الملاما
نحن أرضعناه في المهد احتراما...
إلى أن قال:
إنّ خلف اللّيل فجراً نائماً
وغداً يصحو فيجتاح الظلاما
وغداً تخضرّ أرضي وترى
في مكان الشوك ورداً وخزامى
لكن كان لتمثُّله بالرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الأثر في أنه أقام ثورة سلمية وملأ التاريخ بالآيات العظام وبمبعثه مُحي الظلام على الأرض وأضحت الأرض بعده جنة وسماء تحمل البدر، بالرغم من أنه كان فقيراً ويتيماً لكنه ما لبث أن أقام العدل وحطم الظلم والبغي ودعا إلى السلام وكان وحدة كبرى وثورة ليس لها نظير، فقال البردوني أبياتاً عنونها ب“أحمل الذكرى” نختصر منها الآتي:
وتنقّل حول مهد المصطفى
وانشد المجد أغانيك الرّخاما
زفّت البشرى معانيه كما
زفّت الأنسام أنفاس الخزاما
وتجلّى يوم ميلاد الهدى
يملأ التاريخ آيات عظاما
جلّ يوم بعث الله به
أحمدا يمحو عن الأرض الظلاما
قد سعى والطرق نار ودم
يعبر السهل ويجتاز الأكاما
وتحدّى بالهدى جهد العدا
وانتضى للصارم الباغي حساما
نزل الأرض فأضحت جنّة
وسماء تحمل البدر التماما
وأتى الدنيا فقيراً فأتت
نحوه الدنيا وأعطته الزّماما
ويتيما فتبنّته السّما
وتبنّى عطفه كلّ اليتامى
يا رسول الحقّ خلّدت الهدى
وتركت الظلم والبغي حطاما
قم تجد الكون ظلما محدثا
قتل العدل وباسم العدل قاما
وقوى تختطف العزل كما
يخطف الصقر من الجوّ الحماما
أمطر الغرب على الشرق الشّقا
وبدعوى السلم أسقاه الحماما
فمعاني السلم في ألفاظه
حيل تبتكر الموت الزؤاما
يا رسول الوحدة الكبرى ويا ثورة وسّدت الظلم الرغاما
خذ من الأعماق ذكرى شاعر وتقبّلها صلاة وسلاما
أما عن الوحدة، فالشاعر الكبير عبدالله البردوني - رحمه الله – تنبّأ بالوحدة اليمنية قبل تحقُّقها، وكان لحدسه وذكائه الفذ أثر كبير في الإحساس بالوحدة والتغنّي بها، وما أجمل قصيدته المعنونة ب «الحكم للشعب» التي نضمها قبل الوحدة، وذكّرنا بالوحدة وأنكر التشطير وتنبّأ أن شمسان سيلتقي نقماً وترتمي صنعاء في أحضان أختها عدن قائلاً:
حنَ الشمال إلى لقيا الجنوب وكم
هزت فؤاديهما الأشواق والشجن
وما الشمال؟ وما هذا الجنوب؟ هما
قلبان ضمتهما الأفراح والحزن
ووحّد الله والتاريخ بينهما
والحقد والجرح والأحداث والفتن
«شمسان» سوف يلاقي صنوه «نقماً»
وترتمي نحو «صنعاء» أختها “عدن”
المجد للشعب والحكم المطاع له
والفعل والقول وهو القائل اللسن
شاعر ثوري وحدوي
ونشرت صحيفة الرأي الأردنية قبل سنوات مقالاً بعنوان: البردوني.. الشاعر الذي أبصر نور الثورة، قالت في بعض أجزائه: يحتاج اليمن هذه الأيام إضافة للأحرار من الشعراء والأدباء لشاعر مثل عبدالله البردوني، ليكون رافداً إضافياً للثورة القائمة، بكلماته الشعرية العميقة الجادة في نقد وهجاء الظلم والطغيان الذي يعيشه الشعب اليمني في ظل سلطة النظام، سبق البردوني ثورة الشعب بأكثر من اثنتي عشرة سنة.
عرف عن البردوني بأنه شاعر ثوري، لا يعرف الخوف، لا يتنازل عن الحق، يتمتع بجرأة كبيرة حين المواجهة امتاز بخصائص الشدة والقوة في النفس والروح ، كل الصيغ والأشكال تمثلت في تجربته الإبداعية.
هو شاعر اليمن في حياته ومماته، يتبنى مبدأ الانتماء لكوكبة الشعراء الذين في رؤاهم الشعرية امل الحرية لشعوبهم للامة العربية بشكل عام.
قضى حياته في النضال لفرض الديمقراطية كي يهزم الرجعية المتسلطة دكتاتوريات الأنظمة وسيوف السلطة المهيئة لقطع رقاب الشعوب، وناضل البردوني ضد القهر والفقر والجوع، ببصيرة الثوري الذي يريد للبلاد وشعوبها في أنحاء الكرة الأرضية أن تحيا بكرامة وإنسانية، وبإصرار المثقفين الأحرار المناضلين ربط البردوني مصيره بمستقبل الشعب، أحب اليمن والأمة العربية بطريقته الخاصة، أبى أن يعلمه أحد كيف يحب الوطن، كان ضريراً وهذه اعتبرها نعمة في نضاله واندفاعه نحو الحرية الكبرى؛ لأنه لا يرى الغضب على الوجوه الغاضبة مما يزيد من غضبهم ويوصلهم إلى حد الانفجار حين كان يقذفهم بعباراته الساخرة.
وأكدت الصحيفة: عند قراءة أشعار البردوني الوطنية تجد فيها التعبير الخالص بإيمانه الشديد بوحدة اليمن الطبيعية وبالوحدة العربية، والإشادة بالاتحاد الذي جرى بين مصر واليمن، كتب البردوني أشعاراً وجدانية جزلي في الحماس والوطنية موشحة بالأسى والألم للقضية العربية الكبرى «قضية فلسطين».
كان البردوني ينسى نفسه وهمومه لحمل هموم الناس، ونأى بنفسه عن الجهات والجهويات والأحزاب السياسية ودخل الساحة السياسية اليمنية مستقلاً، سجن بسبب شعره وطرد من وظيفة مدير إذاعة صنعاء، وجاهر بآرائه رغم معرفته بالمتاعب والشقاء الذي سيتعرض له، إلا انه لم يكن يخشى السلطة والعسس ما ستأتي به كلماته وأشعاره من متاعب وشقاء.
عاش ضريراً مع الفلاحين ، فقد حنان أمه منذ الصغر، في شعره مسحة من الحزن والكآبة حين أخفق في الحب، والا أن فقدانه لبصره جعله يؤثر الصور المسموعة أو الصوتية على الصور المنظورة أو المرئية.
ولد ونشأ في بيئة فقيرة كادحة مفعمة بالحرمان، أصبغت على شعره طابعاً عاطفياً وحنوناً على الفقراء المحرومين والمعدمين فهو واحد منهم وهو من احس بشقائهم ، ولذلك نجده يلمح في ديوانه إلى التناقض الطبقي استنزاف جهد الكادحين في المجتمع اليمني، وفي هذا المجال كتب البردوني قصيدة «حين يشقى الناس» ومنها هاتان البيتان:
حين يشقى الناس أشقى معهم
وأنا أشقى كما يشقون وحدي !
و أنا أخلو بنفسي والورى
كلّهم عندي و مالي أيّ عندي
شاعر متمرد
الكاتب الصحفي عبدالغني المقرمي قال: أحجار مرصوفة، وشاهد قبر في مقبرة “خزيمة”، ذلك كل ما منحته مدينة صنعاء لشاعرها عبدالله البردوني، لكن البردوني، وهو ينام في هذه الجبّانة المنهَكة التي قدم إليها في 30 أغسطس/آب 1999، لم ينس أن يكتب على شاهد قبره أبياتاً من شعره، يعلن فيها استعلاءه على أشكال التدجين والاحتواء.. إنه شاعر متمرد حتى وهو ميت.. رحل بعد حياة شعرية مثيرة، هادن فيها وتمرد، وصاحب وخاصم، وخالف المألوف، لكنه كان شاعراً مخلصاً لمبادئه وإنساناً مسكوناً بالجمال، فهو شاعر ظلم حياً وميتاً.
دوحة خضيرة
ويقول عنه رفيق دربه د. عبدالعزيز المقالح بحديث ل”الجزيرة نت”: لابدّ للمبدعين في اليمن وفي الأقطار العربية الأخرى من أن يتذكروا الشاعر العظيم البردوني بإجلال في ذكرى رحيله، لما له من مكانة لا تُدانى في عالم التجديد والتحديث، داعيا إلى جعل إبداعه الشعري محل دراسات نقدية متنوعة، مؤكدا أن وضع البردوني في صدارة المجددين المعاصرين قضية لا يختلف عليها اثنان، وأن نقاد اليوم والغد سيقفون في ظلال هذه الدوحة الخضيرة طويلاً.
فرادة وإبداع
الفرادة في شخصية البردوني تأتي من كونه إنساناً مثقلا بهموم الإنسانية وتطلعاتها في المقام الأول.. هكذا يقرر وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان في حديث مع “الجزيرة نت”، مؤكداً أنّ هذا الكفيف الذي قدم من قرية كفيفة ومن أسرة لم تعرف كتابا أو قلما لمئات السنين قبل مجيئه فرض نفسه على المشهد الأدبي يمنياً وعربياً.
وعاش البردوني - كما يقول الرويشان - داعياً إلى قيم الحرية والعدالة والتحديث، معتداً بنفسه، معتزاً بآرائه، معلناً حرباً بلا هوادة على كل أشكال القبح، عصياً على التدجين والاحتواء، وبسبب ذلك عاش فقيراً معدماً، لا يجد كفاف يومه، وقد مات على ذلك دون أن يعلم به أحد.
شعرية متوهجة
أما د. عبدالحميد الحسامي الذي خص البردوني بجزء كبير من رسالته العلمية حول الشعر الحداثي في اليمن، فيرى أن فرادة البردوني تأتتْ من عبقريته الشعرية المتوهجة، التي تعززها رؤية واسعة فضلاً عن تقنيات بنائية ظل يعززها ويجدد فيها عبر مسيرته الإبداعية.
ويذكر الحسامي للبردوني عدداً من السمات الأسلوبية التي ميزته عن غيره، ومنها: اللغة الشعرية التي تمكّن من انتزاعها من البيئة المحلية اليمنية وإدراجها في سياق النص الشعري الفصيح، وتخصيب نصه بالرموز الإنسانية التي تمنح النص ثراءً دلالياً وتوسع أفقه الثقافي، واشتغال نصه الشعري على أسلوب المفارقة، الأمر الذي منحه طاقة جديدة، وفتح أمام المتلقي مفاجآت من شأنها أن تكسر أفق التلقي، واستلهام المعطيات السردية في النص، والشغف بالتجريب الذي لا ينبت عن الأفق الرؤيوي للشاعر.
وأكد أن البردوني علامة فارقة في مسيرة الشعر العربي الحديث، لأنه تمكن من تطويع القصيدة لمقتضيات حركة الحداثة الشعرية من زاويتي الرؤية والبنية، مع الحفاظ على الشكل الخليلي الذي ظل وفيًا له دون سائر شعراء العربية الذين جايلوه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.