تغير جديد في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    رشاد العليمي حاقد و"كذّاب" تفوّق على من سبقه ومن سيلحقه    شعب الجنوب أستوعب صدمة الاحتلال اليمني وأستبقى جذوة الرفض    فلنذكر محاسن "حسين بدرالدين الحوثي" كذكرنا لمحاسن الزنداني    ليس وقف الهجمات الحوثية بالبحر.. أمريكا تعلنها صراحة: لا يمكن تحقيق السلام في اليمن إلا بشرط    أنباء غير مؤكدة عن اغتيال " حسن نصر الله"    آخر مكالمة فيديو بين الشيخين صادق الأحمر وعبد المجيد الزنداني .. شاهد ماذا قال الأول للأخير؟    شيخ بارز في قبضة الأمن بعد صراعات الأراضي في عدن!    الحوثيون يراهنون على الزمن: هل ينجحون في فرض حلولهم على اليمن؟ كاتب صحفي يجيب    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    الأمل يلوح في الأفق: روسيا تؤكد استمرار جهودها لدفع عملية السلام في اليمن    دوري ابطال آسيا: العين الاماراتي الى نهائي البطولة    تشييع مهيب للشيخ الزنداني شارك فيه الرئيس أردوغان وقيادات في الإصلاح    كلية القيادة والأركان بالعاصمة عدن تمنح العقيد أديب العلوي درجة الماجستير في العلوم العسكرية    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    بن دغر يوجه رسالة لقادة حزب الإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني    رئيس مجلس القيادة يجدد الالتزام بخيار السلام وفقا للمرجعيات وخصوصا القرار 2216    مركز الملك سلمان يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في الجوف    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    إعلان موعد نهائي كأس إنجلترا بين مانشستر يونايتد وسيتي    مفسر أحلام يتوقع نتيجة مباراة الهلال السعودي والعين الإماراتي ويوجه نصيحة لمرضى القلب والسكر    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    إنزاجي يتفوق على مورينيو.. وينهي لعنة "سيد البطولات القصيرة"    "ريال مدريد سرق الفوز من برشلونة".. بيكيه يهاجم حكام الكلاسيكو    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    لابورتا بعد بيان ناري: في هذه الحالة سنطلب إعادة الكلاسيكو    انقطاع الشريان الوحيد المؤدي إلى مدينة تعز بسبب السيول وتضرر عدد من السيارات (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    ميلشيا الحوثي تشن حملة اعتقالات غير معلنة بصنعاء ومصادر تكشف السبب الصادم!    دعاء مستجاب لكل شيء    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    رئيس مجلس النواب: الفقيد الزنداني شارك في العديد من المحطات السياسية منذ شبابه    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوطن والثورة والوحدة .. مرتكزات لا تُنسى
رحل بعد حياة شعرية مثيرة وكان شاعراً رومانسياً قومياً حداثياً مخلصاً لمبادئه وإنساناً مسكوناً بالجمال في الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الشاعر عبدالله البردوني..

بداية هذا الأسبوع حلّت الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الشاعر الكبير عبدالله البردوني، الشاعر الجمهوري الضرير ذي العلامة الفارقة في مسيرة الشعر العربي الحديث، نشأته كانت مبهرة، وسيرته عظيمة، ودواوينه الشعرية ومؤلفاته الفكرية ودراساته كثيرة منها ما تم طبعها ومنها ما لم تُطبع، وحصل على العديد من الجوائز، كتب شعراً أثلج به الوطن وحاكى الأوضاع كأنه يبصرها وتنبأ بالأحداث قبل وقوعها وأنصفه الكتّاب والنقّاد والمثقفون وأكدوا أنه ظلم حيّاً وميتاً، لكنه رغم ذلك هادن في حياته الشعرية وتمرد، وصاحب وخاصم، وخالف المألوف، وكان شاعراً مخلصاً لمبادئه وإنساناً مسكوناً بالجمال، ويتبقّى ذكره عاطراً في كل ذكرى ووقت وحين.. في هذا الملف سوف نسلّط الأضواء على هذا الشاعر المسكون في قلوب الكثيرين من الشعراء والأدباء والنقاد والمثقفين وما ذكر عن الوطن والثورة والوحدة، فإلى الملف..
يقول الكثير من النقاد: البردوني شاعر وناقد أدبي ومؤرّخ ومدرّس يمني تناولت مؤلفاته تاريخ الشعر القديم والحديث في اليمن ومواضيع سياسية متعلقة ببلده، وكان مؤيداً للحكم الجمهوري على الملكية، وغلب على قصائده الرومانسية القومية، والميل إلى السخرية والرثاء، وكان أسلوب ونمطية شعره تميل إلى الحداثة عكس الشعراء القبليين في اليمن.
مولده ونشأته
ولد عبدالله صالح حسن الشحف البردوني (1929 - 30 أغسطس 1999) في قرية البردون في محافظة ذمار، وأصيب بالجدري الذي أدّى إلى فقدانه بصره وهو في الخامسة من عمره، تلقّى تعليمه الأولي فيها قبل أن ينتقل مع أسرته إلى مدينة ذمار ويلتحق بالمدرسة الشمسية الزيدية المذهب، بدأ اهتمامه بالشعر والأدب وهو في الثالثة عشرة، ودأب على حفظ ما يقع بين يديه من قصائد، وانتقل إلى صنعاء في أواسط العشرينيات من عمره ونال جائزة التفوُّق اللغوي من دار العلوم الشرعية، أدخل السجن في عهد الإمام أحمد بن يحيى لمساندته ثورة الدستور عام 1948م.
نتاجه الشعري
أصدر 12 ديواناً شعرياً من 1961 - 1994 وهي: «من أرض بلقيس، مدينة الغد، لعيني أم بلقيس، السفر إلى الأيام الخضر، وجوه دخانية في مرايا الليل، زمان بلا نوعية، ترجمة رملية لأعراس الغبار، كائنات الشوق الآخر، رواغ المصابيح، جواب العصور، رجعة الحكيم بن زائد، في طريق الفجر».
مؤلفاته الفكرية
«رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه، قضايا يمنية، فنون الأدب الشعبي في اليمن، اليمن الجمهوري، الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل يمنية، الثقافة والثورة، من أول قصيدة إلى آخر طلقة، دراسة في شعر الزبيري وحياته، أشتات».
الجوائز
في عام 1982 أصدرت الأمم المتحدة “اليونسكو” عملة فضية عليها صورة البردوني كمعاق تجاوز العجز، كما حصل على العديد من الجوائز أهمها: جائزة أبي تمام في الموصل عام 1971 - 1391ه، وجائزة شوقي في القاهرة عام 1981 - 1401ه، وجائزة مهرجان جرش الرابع في الأردن عام 1984م - 1404ه، وجائزة سلطان العويس في الإمارات 1993م - 1414ه.
الغزو من الداخل
البردوني لم يعجبه ما يحصل في الوطن، وأكد في أكثر من قصيدة وحذّر أن الغزو لا يمكن أن يأتي إلا من الداخل، فقال:
فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري
وهل تدرين يا صنعاء من المستعمر السرّي
غزاة لا أشاهدهم وسيف الغزو في صدري
فقد يأتون تبغاً في سجائر لونها يغري
وفي صدقات وحشي يؤنسن وجهه الصخري
وفي أهداب أنثى في مناديل الهوى القهري
وفي سروال أستاذ وتحت عمامة المقري
وفي أقراص منع الحمل وفي أنبوبة الحبر
في حرية الغثيان وفي عبثية العمر
وفي عَود احتلال الأمس في تشكيله العصر
وفي قنينة الوسكي وفي قارورة العطر
ويستخفون في جلدي وينسلون من شعري
وفوق وجوههم وجهي ونحت خيولهم ظهري
غزاة اليوم كالطاعون يخفى وهو يستشري
ومن قصيدة غريبان وكانا هما البلد قال:
وكيف كنتم تنوحون الرجال؟
بلا نوح نموت كما نحيا بلا رشد
فوج يموت وننساه بأربعة
فلم يعد أحد يبكي على أحد
وفوق ذلك ألقى ألف مرتزق
في اليوم يسألني ما لون معتقدي
بلا اعتقاد وهم مثلي بلا هدف
يا عمّ ما أرخص الإنسان في بلدي
وقد كانت قصيدته “أبوتمام وعروبة اليوم” هي بوابة العبور إلى عالم الشهرة، وفي بعض أبياتها يتحدّث البردوني عن وطنه الأم اليمن وخاطبها صراحة بصنعاء وما أصابها من السل والجرب؛ إذ يقول الشاعر الراحل في بعض أبياته:
حبيبُ وافيتُ من صنعاءَ يحملني
نسرٌ وخلف ضلوعي تلهثُ العربُ
ماذا أحدثُ عن صنعاءَ يا أبتي
مليحةٌ عاشقاها السلُّ والجربُ
وفي قصيدة أخرى وصف اليمن بقصيدة عنونها ب“من أرض بلقيس” وكان وصفاً دقيقاً كأنه يراها رأي العين فقال البردوني:
من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر
من جوها هذه الأنسام والسحر
من صدرها هذه الآهات، من فمها
هذي اللحون، ومن تاريخها الذكر
من «السعيدة» هذي الأغنيات ومن
ظلالها هذه الأطياف والصور
أطيافها حول مسرى خاطري زمر
من الترانيم تشدو حولها زمر
من خاطر «اليمن» الخضرا ومهجتها
هذي الأغاريد والأصداء والفكر
هذا القصيد أغانيها ودمعتها
وسحرها وصباها الأغيد النضر
يكاد من طول ما غنى خمائلها
يفوح من كل حرف جوها العطر
يكاد من كثر ما ضمّته أغصنها
يرف من وجنتيها الورد والزهر
كأنه من تشكي جرحها مقل
يلح منها البكا الدامي وينحدر
يا أمي اليمن الخضرا وفاتنتي
منك الفتون ومني العشق والسهر
ها أنت في كل ذراتي وملء دمي
شعر «تعنقده» الذكرى وتعتصر
وأنت في حضن هذا الشعر فاتنة
تطل منه، وحيناً فيه تستتر
وحسب شاعرها منها - إذا احتجبت
عن اللقا - أنه يهوى ويدكر
وأنها في مآقي شعره حلم
وأنها في دجاه اللهو والسمر
فلا تلم كبرياها فهي غانية حسنا
وطبع الحسان الكبر والخفر
من هذه الأرض هذي الأغنيات، ومن
رياضها هذه الأنغام تنتثر
من هذه الأرض حيث الضوء يلثمها
وحيث تعتنق الأنسام والشجر
ما ذلك الشدو؟ من شادية؟ إنهما
من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر
ويقول في موضع آخر:
لعيني «أم بلقيس»
فتوحاتي وراياتي
وأنقاضي وأجنحتي
وأقماري وغيماتي
ولهذا وذاك ينكفئ ويعود الشاعر إلى اليمن بما هي وحدة جغرافية ينتمي إليها الشاعر في موضع آخر:
من أي نبع أنت...؟ من ياء ومن ميم ونون
لي موطن لا ذرّة فيه على الأخرى تهون
أما عن الثورة فذكر قصائد كثيرة، أهمها قصيدة حين يصحو الشعب وقيلت في جمادى الآخر 1379 ه، قبل الثورة بثلاث سنوات، وكان مطلعها:
أعذر الظلم وحمّلنا الملاما
نحن أرضعناه في المهد احتراما...
إلى أن قال:
إنّ خلف اللّيل فجراً نائماً
وغداً يصحو فيجتاح الظلاما
وغداً تخضرّ أرضي وترى
في مكان الشوك ورداً وخزامى
لكن كان لتمثُّله بالرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الأثر في أنه أقام ثورة سلمية وملأ التاريخ بالآيات العظام وبمبعثه مُحي الظلام على الأرض وأضحت الأرض بعده جنة وسماء تحمل البدر، بالرغم من أنه كان فقيراً ويتيماً لكنه ما لبث أن أقام العدل وحطم الظلم والبغي ودعا إلى السلام وكان وحدة كبرى وثورة ليس لها نظير، فقال البردوني أبياتاً عنونها ب“أحمل الذكرى” نختصر منها الآتي:
وتنقّل حول مهد المصطفى
وانشد المجد أغانيك الرّخاما
زفّت البشرى معانيه كما
زفّت الأنسام أنفاس الخزاما
وتجلّى يوم ميلاد الهدى
يملأ التاريخ آيات عظاما
جلّ يوم بعث الله به
أحمدا يمحو عن الأرض الظلاما
قد سعى والطرق نار ودم
يعبر السهل ويجتاز الأكاما
وتحدّى بالهدى جهد العدا
وانتضى للصارم الباغي حساما
نزل الأرض فأضحت جنّة
وسماء تحمل البدر التماما
وأتى الدنيا فقيراً فأتت
نحوه الدنيا وأعطته الزّماما
ويتيما فتبنّته السّما
وتبنّى عطفه كلّ اليتامى
يا رسول الحقّ خلّدت الهدى
وتركت الظلم والبغي حطاما
قم تجد الكون ظلما محدثا
قتل العدل وباسم العدل قاما
وقوى تختطف العزل كما
يخطف الصقر من الجوّ الحماما
أمطر الغرب على الشرق الشّقا
وبدعوى السلم أسقاه الحماما
فمعاني السلم في ألفاظه
حيل تبتكر الموت الزؤاما
يا رسول الوحدة الكبرى ويا ثورة وسّدت الظلم الرغاما
خذ من الأعماق ذكرى شاعر وتقبّلها صلاة وسلاما
أما عن الوحدة، فالشاعر الكبير عبدالله البردوني - رحمه الله – تنبّأ بالوحدة اليمنية قبل تحقُّقها، وكان لحدسه وذكائه الفذ أثر كبير في الإحساس بالوحدة والتغنّي بها، وما أجمل قصيدته المعنونة ب «الحكم للشعب» التي نضمها قبل الوحدة، وذكّرنا بالوحدة وأنكر التشطير وتنبّأ أن شمسان سيلتقي نقماً وترتمي صنعاء في أحضان أختها عدن قائلاً:
حنَ الشمال إلى لقيا الجنوب وكم
هزت فؤاديهما الأشواق والشجن
وما الشمال؟ وما هذا الجنوب؟ هما
قلبان ضمتهما الأفراح والحزن
ووحّد الله والتاريخ بينهما
والحقد والجرح والأحداث والفتن
«شمسان» سوف يلاقي صنوه «نقماً»
وترتمي نحو «صنعاء» أختها “عدن”
المجد للشعب والحكم المطاع له
والفعل والقول وهو القائل اللسن
شاعر ثوري وحدوي
ونشرت صحيفة الرأي الأردنية قبل سنوات مقالاً بعنوان: البردوني.. الشاعر الذي أبصر نور الثورة، قالت في بعض أجزائه: يحتاج اليمن هذه الأيام إضافة للأحرار من الشعراء والأدباء لشاعر مثل عبدالله البردوني، ليكون رافداً إضافياً للثورة القائمة، بكلماته الشعرية العميقة الجادة في نقد وهجاء الظلم والطغيان الذي يعيشه الشعب اليمني في ظل سلطة النظام، سبق البردوني ثورة الشعب بأكثر من اثنتي عشرة سنة.
عرف عن البردوني بأنه شاعر ثوري، لا يعرف الخوف، لا يتنازل عن الحق، يتمتع بجرأة كبيرة حين المواجهة امتاز بخصائص الشدة والقوة في النفس والروح ، كل الصيغ والأشكال تمثلت في تجربته الإبداعية.
هو شاعر اليمن في حياته ومماته، يتبنى مبدأ الانتماء لكوكبة الشعراء الذين في رؤاهم الشعرية امل الحرية لشعوبهم للامة العربية بشكل عام.
قضى حياته في النضال لفرض الديمقراطية كي يهزم الرجعية المتسلطة دكتاتوريات الأنظمة وسيوف السلطة المهيئة لقطع رقاب الشعوب، وناضل البردوني ضد القهر والفقر والجوع، ببصيرة الثوري الذي يريد للبلاد وشعوبها في أنحاء الكرة الأرضية أن تحيا بكرامة وإنسانية، وبإصرار المثقفين الأحرار المناضلين ربط البردوني مصيره بمستقبل الشعب، أحب اليمن والأمة العربية بطريقته الخاصة، أبى أن يعلمه أحد كيف يحب الوطن، كان ضريراً وهذه اعتبرها نعمة في نضاله واندفاعه نحو الحرية الكبرى؛ لأنه لا يرى الغضب على الوجوه الغاضبة مما يزيد من غضبهم ويوصلهم إلى حد الانفجار حين كان يقذفهم بعباراته الساخرة.
وأكدت الصحيفة: عند قراءة أشعار البردوني الوطنية تجد فيها التعبير الخالص بإيمانه الشديد بوحدة اليمن الطبيعية وبالوحدة العربية، والإشادة بالاتحاد الذي جرى بين مصر واليمن، كتب البردوني أشعاراً وجدانية جزلي في الحماس والوطنية موشحة بالأسى والألم للقضية العربية الكبرى «قضية فلسطين».
كان البردوني ينسى نفسه وهمومه لحمل هموم الناس، ونأى بنفسه عن الجهات والجهويات والأحزاب السياسية ودخل الساحة السياسية اليمنية مستقلاً، سجن بسبب شعره وطرد من وظيفة مدير إذاعة صنعاء، وجاهر بآرائه رغم معرفته بالمتاعب والشقاء الذي سيتعرض له، إلا انه لم يكن يخشى السلطة والعسس ما ستأتي به كلماته وأشعاره من متاعب وشقاء.
عاش ضريراً مع الفلاحين ، فقد حنان أمه منذ الصغر، في شعره مسحة من الحزن والكآبة حين أخفق في الحب، والا أن فقدانه لبصره جعله يؤثر الصور المسموعة أو الصوتية على الصور المنظورة أو المرئية.
ولد ونشأ في بيئة فقيرة كادحة مفعمة بالحرمان، أصبغت على شعره طابعاً عاطفياً وحنوناً على الفقراء المحرومين والمعدمين فهو واحد منهم وهو من احس بشقائهم ، ولذلك نجده يلمح في ديوانه إلى التناقض الطبقي استنزاف جهد الكادحين في المجتمع اليمني، وفي هذا المجال كتب البردوني قصيدة «حين يشقى الناس» ومنها هاتان البيتان:
حين يشقى الناس أشقى معهم
وأنا أشقى كما يشقون وحدي !
و أنا أخلو بنفسي والورى
كلّهم عندي و مالي أيّ عندي
شاعر متمرد
الكاتب الصحفي عبدالغني المقرمي قال: أحجار مرصوفة، وشاهد قبر في مقبرة “خزيمة”، ذلك كل ما منحته مدينة صنعاء لشاعرها عبدالله البردوني، لكن البردوني، وهو ينام في هذه الجبّانة المنهَكة التي قدم إليها في 30 أغسطس/آب 1999، لم ينس أن يكتب على شاهد قبره أبياتاً من شعره، يعلن فيها استعلاءه على أشكال التدجين والاحتواء.. إنه شاعر متمرد حتى وهو ميت.. رحل بعد حياة شعرية مثيرة، هادن فيها وتمرد، وصاحب وخاصم، وخالف المألوف، لكنه كان شاعراً مخلصاً لمبادئه وإنساناً مسكوناً بالجمال، فهو شاعر ظلم حياً وميتاً.
دوحة خضيرة
ويقول عنه رفيق دربه د. عبدالعزيز المقالح بحديث ل”الجزيرة نت”: لابدّ للمبدعين في اليمن وفي الأقطار العربية الأخرى من أن يتذكروا الشاعر العظيم البردوني بإجلال في ذكرى رحيله، لما له من مكانة لا تُدانى في عالم التجديد والتحديث، داعيا إلى جعل إبداعه الشعري محل دراسات نقدية متنوعة، مؤكدا أن وضع البردوني في صدارة المجددين المعاصرين قضية لا يختلف عليها اثنان، وأن نقاد اليوم والغد سيقفون في ظلال هذه الدوحة الخضيرة طويلاً.
فرادة وإبداع
الفرادة في شخصية البردوني تأتي من كونه إنساناً مثقلا بهموم الإنسانية وتطلعاتها في المقام الأول.. هكذا يقرر وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان في حديث مع “الجزيرة نت”، مؤكداً أنّ هذا الكفيف الذي قدم من قرية كفيفة ومن أسرة لم تعرف كتابا أو قلما لمئات السنين قبل مجيئه فرض نفسه على المشهد الأدبي يمنياً وعربياً.
وعاش البردوني - كما يقول الرويشان - داعياً إلى قيم الحرية والعدالة والتحديث، معتداً بنفسه، معتزاً بآرائه، معلناً حرباً بلا هوادة على كل أشكال القبح، عصياً على التدجين والاحتواء، وبسبب ذلك عاش فقيراً معدماً، لا يجد كفاف يومه، وقد مات على ذلك دون أن يعلم به أحد.
شعرية متوهجة
أما د. عبدالحميد الحسامي الذي خص البردوني بجزء كبير من رسالته العلمية حول الشعر الحداثي في اليمن، فيرى أن فرادة البردوني تأتتْ من عبقريته الشعرية المتوهجة، التي تعززها رؤية واسعة فضلاً عن تقنيات بنائية ظل يعززها ويجدد فيها عبر مسيرته الإبداعية.
ويذكر الحسامي للبردوني عدداً من السمات الأسلوبية التي ميزته عن غيره، ومنها: اللغة الشعرية التي تمكّن من انتزاعها من البيئة المحلية اليمنية وإدراجها في سياق النص الشعري الفصيح، وتخصيب نصه بالرموز الإنسانية التي تمنح النص ثراءً دلالياً وتوسع أفقه الثقافي، واشتغال نصه الشعري على أسلوب المفارقة، الأمر الذي منحه طاقة جديدة، وفتح أمام المتلقي مفاجآت من شأنها أن تكسر أفق التلقي، واستلهام المعطيات السردية في النص، والشغف بالتجريب الذي لا ينبت عن الأفق الرؤيوي للشاعر.
وأكد أن البردوني علامة فارقة في مسيرة الشعر العربي الحديث، لأنه تمكن من تطويع القصيدة لمقتضيات حركة الحداثة الشعرية من زاويتي الرؤية والبنية، مع الحفاظ على الشكل الخليلي الذي ظل وفيًا له دون سائر شعراء العربية الذين جايلوه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.