منذ القدم وعلى مر العصور يحاول البشر استحداث أشياء جديدة في عاداتهم الحياتية اليومية وخاصة السيئة.. تتوارثها الأجيال وتتفنن في تطويرها بإدخال بعض الإضافات إليها اعتقاداً بأهميتها!! ومن العادات السيئة في بلادنا إدمان الشمة والتمبل والمعسل...فالشمة يستحسنها متعاطوها فيضعونها في الفم خلف الشفة السفلى أو العليا ويتركونها أطول مدة ممكنة لاعتقادهم أنها تعطيهم نشوة وراحة، أما التمبل فتجده أينما تجولت في شوارع عدن في محلات وأكشاك متناثرة هنا وهناك خاصة ببيعه، والآفة الثالثة هي المعسل الذي تخصصت محلات تجارية لبيعه ونال هو الآخر رواجاً في أوساط الشباب والصغار والكبار بما فيهم الفتيات والنساء. ظواهر لثلاث آفات قاتلة أصبحت منتشرة في مدينة عدن وخاصة في السنوات القليلة الماضية بصورة تشد الأنظار، نحاول هنا تسليط الضوء عليها ووضع المجهر على تفاصيلها وخباياها ومكوناتها وما يتعلق بها من تحذيرات صحية. الشمة.. تدخين بلا دخان الشمة تبغ غير محروق يتم قص أوراقه إلى قطع صغيرة جداً ثم يجفف ويطحن مع الرماد والملح والحناء ومواد أخرى متنوعة بمقادير معينة بحسب تفنن الصانع وخبرته المكتسبة .. وللشمة أسماء متعددة منها (النشوق والبردقان)، وتعاطيها عادة سيئة ومقززة وغير مقبولة عند كثير من الناس لكنها انتشرت بصورة مذهلة وتلقى رواجاً ليس في مدينة عدن فحسب وإنما كذلك في مدن الجزيرة العربية والخليج والسودان وعدد من الدول العربية والأفريقية ومن أشهر أنواعها الشمة الحمراء أو السوداء ولها لون بني غامق وهي الأكثر تعاطياً، والنوع الثاني البيضاء التي يضاف إلى مكوناتها الطحين البابوري الذي يكسبها لوناً يميل إلى البياض . وتتلخص أضرارها في تسببها برائحة كريهة في الفم والجسم وتهيج الغشاء المخاطي للفم فتُحدث بؤراً صديدية تتطور إلى سرطان في اللثة ، كذلك تساعد في انتشار البكتيريا في مختلف أنحاء الجسم وبالذات الكلى والقلب والجهاز الهضمي، وتؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم والدوار وارتعاش الجسم وتعمل على تنشيف سوائل المفاصل وتفكيك العظام. التمبل المصبوغ باللون الأحمر تناول التمبل عادة دخيلة نقلها الهنود إلى عدن وهو عبارة عن أوراق خضراء مستوردة من الهند غالباً وتأتي أيضاً من حضرموت حيث تزرع ولكن بجودة أقل، وتشبه ورقة التمبل إلى حد كبير ورقة (الحلص) يتم طيها بعد وضع مكونات أخرى بداخلها بحسب النوعية مثلاً : (الحالي) يحتوي على سكر ونارجيل وفوفل وكات (اللون الأحمر) وإضافات أخرى ، والنوع الثاني (الزردة) ويحتوي على نورة وتبغ وفوفل وإضافات، والأنواع الأخرى بحسب طلب الزبون ولها تسميات مثل (السوكة والنورة وخلافه). لا يقتصر تناول التمبل على فئة أو شريحة معينة بل أصبح منتشراً في أوساط الصغار والكبار ذكوراً وإناثاً من مختلف الفئات العمرية.. والكثير من متناوليه وخاصة الشباب يدّعون أن أهم أسباب تعاطيه ترجع إلى البطالة والفراغ القاتل ، فهم لا يجدون ما يسليهم و (يجزع أوقاتهم) غير التمبل والاندفاع في إدمانه فتراهم في الشوارع والأرصفة والحدائق والسواحل يلوكون التمبل لساعات طوال لأنه أرخص ثمناً بكثير من القات وأسعاره في متناول الجميع ومقدور عليها، وتناوله لا يقتصر فقط على العاطلين عن العمل بل يتعاطاه كذلك عمال وموظفون وطلاب مدارس وجامعات وأصحاب مهن عديدة تشاهدهم في الشارع وحيثما تواجدون يبصقون هنا وهناك أثناء تناول هذه المادة وبطريقة تثير الاشمئزاز . وتؤكد بعض الدراسات والبحوث والإحصائيات الحديثة التي أجراها أطباء مختصون في جراحة الفم والفكين في عدن أن مدمني التمبل يواجهون أخطاراً كبيرة تتمثل في التهابات شديدة وصحة فموية سيئة وأورام غالباً ما تكون خبيثة وهؤلاء يشكلون نسبة 90 - 95 % من مرضى سرطانات الفم علاوة على ما تسببه هذه المادة من أضرار في الكبد والقلب والمعدة والرئتين وأمراض عديدة لا حصر لها. وبالرغم من أن السلطة المحلية في عدن أصدرت قرارات قبل سنوات خاصة بإغلاق محلات بيع التمبل ومنعه في عدد من المرافق والمواقع العامة مرفقاً بتوضيح الأضرار الصحية الناتجة عنه إلاّ أن ذلك لم يجد طريقاً للتنفيذ وظلت تلك القرارات حبراً على ورق. المعسل، أشكال وألوان هو التدخين بواسطة الشيشة أو النارجيلة بنكهات متعددة وبرائحة أكثر تطوراً من رائحة (المداع) التقليدية التي اعتاد أفراد كثيرون في مجتمعنا على استخدامها .. وقد ابتلي بتدخين المعسل الكثير من الناس بمختلف أعمارهم وثقافاتهم، والتدخين عموماً سلوك خاطئ ومن أخطر الآفات المنتشرة في أنحاء العالم، ومن المؤسف أن تكون منطقة الجزيرة العربية من أبرز المناطق في العالم الموبوءة بهذه الآفة الخطيرة ومن أهم الشعوب التي تستهدفها الشركات المصنعة للتبغ بمختلف مسمياته ومن أبرز الأسواق المستهدفة لترويج منتجاتها بواسطة الإعلانات الدعائية في القنوات التليفزيونية الفضائية والوسائل الإعلامية المتعددة. ويتكون المعسل من نبات التبغ ونشارة خشب خشن ومصاصة قصب السكر بعد فرمها وعسل أسود تالف وإضافات كيميائية بنكهات (التفاح والبطيخ والفراولة) وبعض الفواكه الفاسدة علاوة على فطريات شديدة العفن ومنكهات مجهولة التركيب لإعطائها المذاق الطبيعي بحيث تخلط تلك المكونات في أحواض ويتم تقليبها ثم تترك فترة من الوقت لتتخمر . وللمعسل أضرار شتى شأنها شأن تدخين السيجارة بل أشد ضرراً، وهناك اعتقاد سائد خاطئ بأن مرور الدخان من خلال الماء الموجود في الشيشة يعمل على ترشيحه من المواد الضارة لكن الدراسات المتعلقة بذلك الاعتقاد أثبتت خطأه من خلال تحليل الدخان الخارج من فم المدخن والذي يحتوى على أضرار تزيد على أضرار دخان السجائر .. وتتمثل أضرار تعاطي المعسل في حدوث السكتة الدماغية والتقليل من كفاءة أداء الرئتين لوظائفهما وانتفاخهما وإحداث سرطانات في الرئة والفم والمريء والمعدة بسبب القطران والمعادن الثقيلة والمواد المسرطنة الموجودة في مكونات المعسل. فتوى ونصيحة وأمنية أجمع علماء الدين على تحريم تعاطي الشمة والمعسل، وشددوا على أنه لا يجوز تعاطيهما ما دامتا تؤخذان من نبات التبغ أساساً بغض النظر عما يضاف إليهما من مواد وينطبق عليهما حكم التبغ الذي يعتبر محرّماً لما فيه من الأضرار المؤكدة والخبيثة المهلكة للجسم والتي تُفضي إلى الموت. وفي اعتقادنا إن كثيراً من الأخطار الصحية الناتجة عن التدخين والشمة مطابقة للأضرار الناتجة عن التمبل الذي لا يقل ضرراً ويُعتبر من الخبائث. لذلك فإن الإقلاع عن عادات تعاطي الشمة والتدخين والتمبل ليس أمراً مستحيلاً أو بعيد المنال لكن تحقيقه يتطلب عزيمة قوية وإرادة صادقة من المتعاطين هذا أولاً .. وفي المقام الثاني رعاية الدولة بأجهزتها المختلفة التنفيذية والأمنية والتربوية والإعلامية والاهتمام بالتوعية وإنشاء المكتبات العامة والنوادي الثقافية والرياضية والمتنزهات والعمل على منع هذه الخبائث أو تداولها في الأماكن العامة والمنع المطلق لتعاطيها في المؤسسات التعليمة وكذا مساهمة الأسرة بفعالية بالتحذير من تعاطيها وبيان خطورتها والعمل على قطع دابر هذه الآفات القاتلة .. ونتمنى من السلطات المحلية في عموم الوطن أن تمنع تعاطي التبغ والمواد الأخرى الضارة مثل الشمة والتمبل في المطارات والموانئ والمواقع العامة وتمنع الدعاية لمثل هذه المنتجات في الصحف والقنوات التليفزيونية والإذاعية وبذلك نكون قد سعينا بجدية في محاربة هذه الظواهر السيئة والآفات الخطيرة .