يمتاز اللاعب اليمني بالموهبة.. هذا ما تجمع عليه آراء المحللين الرياضيين والمراقبين والمهتمين المختصين بالشأن الرياضي اليمني من العرب والعجم.. لكنه ما إن يتجاوز المراحل السنية حتى تضعف وتتلاشى الموهبة التي يبرزها أداءً وعطاءً ضمن منتخبات الناشئين والشباب وحتى الأولمبي فتتلخبط مسيرته الكروية، ويبدأ بالدخول في منحدر التراجع والاندثار وتأفل نجوميته من سماء التألق سريعاً.. فالنجوم اليمانيون يتألقون يتوهجون وميضاً فقط ولا تدوم أضواؤهم ولألآتهم، كما هو شأن نجوم الكرة العربية المجاورة والأفريقية.. بمعنى أوجز اللاعب اليمني “مقصوف عمر”.. لأن هناك من المعوقات له ما يدفعه إلى الاعتزال المبكر أو التسرب الاضطراري من الحياة الرياضية لينصهر في بوتقة الحياة اليومية ومتطلبات الحياة التي تداهمه مع بلوعه العشرين من العمر.. فيحدث لنجوم الملاعب أن تدخل في صراع مع مستلزمات الحياة ومحاولة المواءمة بين ما ينبغي عليه أن يقدمه في الملعب مع فريقه وضمن صفوف منتخب بلاده وبين ما تتطلبه حياته الاجتماعية كرجل يؤسس لأسرة جديدة.. رياضة لا تؤكل عيشاً في بلادنا تعد كرة القدم أحد مصادر الدخل، لكنها ليست بالحجم الذي يتحصل منه اللاعب اليمني على ما يمنحه الاستقرار النفسي والانشغال بتقديم أفضل ما لديه وتطوير مهاراته ورفع مستوى كفاءته في المستطيل الأخضر عندما يكون أحد عناصر الفرق الكبيرة في الدوري اليمني أو أحد أعمدتها ولاعباً أساسياً في المنتخبات الوطنية المتعددة السنية.. ولهذا سادت ثقافة “أن الرياضة لا تؤكل عيشاً” في أوساط اللاعبين واعتبروها من أبواب تحسين الدخل وليست باباً رئيساً ومهنةً يمكن الاعتماد عليها.. فهي في المرتبة الثانية أو الثالثة من الاهتمام في الذهنية للاعب اليمني.. فلا توجد لديهم قناعات بأن ينهجوا طوال حياتهم لاعبين ومن ثم مدربين, وإنما هم يسعون عبر الرياضة ليصلوا إلى الوظيفة الرسمية الأهم في نظرهم وبحسب الفلسفة الحياتية المنبثقة عن التنشئة في حياتنا اليمنية التي لم تتأثر بالتطور الجاري في المنظومة الاقتصادية والاستثمارية لهذا النشاط. ففي العالم اليوم تعتبر الرياضة استثماراً واللاعب فيها موظفاً متخصصاً محترفاً مثله مثل سائر الموظفين بالوظائف الحيوية والخدمية.. والرياضة لها سلطات يمكنها أن تتفوق على القدرات السياسية في أي بلدٍ تمارس فيها كرة القدم بوجه خاص إلا عندنا.. فما زالت عقلية الحكم والسلطة تنهج نظاماً ودرباً بعيداً عن الاهتمام بهذا القطاع، مع أنه يضم شريحة الشباب وهي الأهم والمستقبل كله للشعوب.. وقد انعكس ذلك سلباً على الرياضة مع إيماننا بوجود توهجات في هذه العتمة لكنها نادرة ولا حكم عليها أو قياس وهذا أيضاً كان أحد المعوقات التي أصابت اللاعبين اليمنيين في مرحلة ما من مسيرتهم الكروية بالضآلة والاضمحلال، وبعضهم اندثروا في خضم هذا الطوفان من الإهمال الحكومي، وصاروا أثراً بعد عين.. ومنهم من تحوّل عن الرياضة في وقت مبكر مع أن المراقبين لأدائه وعطائه كانوا يظنون أنه نجم صاعد وواعد وسيستمر في تقديم نفسه كنجم محلياً في أحد أندية دوري الدرجة الأولى والمنتخبات الوطنية.. ومنهم من توارى عن الأنظار ومنهم من بقي يمارس اللعبة كاعتياد ومصدر للدخل الإضافي ليس إلا.. والعديد من النجوم صدمهم الواقع الأليم لوضع الكرة اليمنية فأصابه الإحباط ونال منه إلى درجة كبيرة أدخلته نفق اليأس الذي لا مخرج له يأتي منه النور والضوء. أين هؤلاء النجوم؟ على سبيل المثال لاعبو منتخب الناشئين الذي بلغت بهم الكرة اليمنية نهائيات كأس العالم للناشئين في هلسنكي الفنلندية عام 2003م جمال العولقي ووسيم القعر وطارق الحيدري الذي سجل هدفاً ذهبياً بمرمى المنتخب الصيني أوصل المنتخب وقتها للنهائي في أبوظبي سبتمبر 2002م وتعادلنا أمام كوريا الجنوبية بهدف لمثله.. وأكرم الصلوي وقائد منتخب الأمل عام 2002م عبده الإدريسي والأسمراني صاحب الهدف الذهبي بمرمى المنتخب السوري إبراهيم حسن.. ناهيك عن لاعبي منتخب الناشئين المعدّل الذي خاض مسابقة كأس العالم عام 2003م أمام ثلاثة منتخبات كانت مرشحة للفوز بالبطولة العالمية وقتها البرتغال والبرازيل والكاميرون، وبرز فيها اللاعبون عبدالإله شريان وسامي جعيم الذي سجل في الثواني الأخيرة هدفاً يمانياً منح التعادل لمنتخبنا أمام الكاميرون القوية والصلوي والإدريسي وإبراهيم حسن, وعوض البيحاني صاحب هدف التعادل أمام كوريا الجنوبية في نهائي آسيا بأبوظبي. وغيرهم كثيرون يتقدمهم الهدافون في الملاعب اليمنية ما إن يبرزوا حتى يتواروا عن الأنظار لأسباب تتفاوت منها اقتصادية وحياتية.. تفرغوا من الرياضة ليخوضوا معركة الحياة الخاصة بهم ولأن المداخيل في الرياضة ليست ثابتة ولا هي ترتقي إلى ما هي عليه أحوال نجوم العالمين العربي والغربي فإن اللاعبين النجوم يجدون أن الرياضة لا تؤكل عيشاً هي الحقيقة المرّة.. فيسعون في كل اتجاه للحصول على درجة وظيفية تدر عليهم مرتباً ثابت الدخل تعولهم وأولادهم من بعدهم.. فيظلون في حرب مفتوحة مع الحاجة.. وسعي حثيث للاستقرار الذي لا يأتي إلا نادراً.. فمعظم لاعبي الزمن الجميل سحقتهم الأحوال الاقتصادية سحقاً فاعتزلوا اضطراراً لأن الوضع الرياضي كان هوايةً وليس احترافاً كما هو الحال اليوم فلا توجد مداخيل وقتها كما هو في عصرنا الحديث. اعتزال مبكر.. ومع اشتداد الأحوال المعيشية تضيق على اللاعبين أمورهم ويرون أن في الرياضة التعب والنكد وأنها لا تجلب لهم الاستقرار.. ولهذا فإنهم لا يثبتون على مستوى كما لا يحافظون على ما يمتلكونه من مهارات ولا يطورونها.. فيتعاملون مع الرياضة كدخل ثانوي ولا يركن غير الموظفين رسمياً إلى الرياضة فهم لا يؤمنون بأن الرياضة يمكنها أن تكون بديلة للوظيفة.. وعندهم حق في ذلك لأن الواقع الرسمي لا يشجع على اتخاذ قرار التخصص في المجال الرياضي ولا يعطي الشباب الرياضيين أهمية سواء في كرة القدم أم في الرياضات والألعاب الأخرى.. وعليه فلا غرابة إن توارى النجوم عن الأنظار وبحثوا عن باب لدخل ثابت في الوظيفة العامة أو الخاصة.. كونه لم يستطع بما يتحصل عليه من مكافآت ومرتب ضمن الأندية اليمنية أن يؤسس لنفسه مشروعاً صغيراً يدرّ عليه دخولات مالية تعطيه الأمان من غوائل الأيام السوداء الصعبة كهذه الأيام القاسية سياسياً ورياضياً وحياتياً.. وأكثر من ربحوا من الرياضة هم فقط من تمكنوا من ادخار أموالهم قبل زواجهم ليشتروا بها “دباب عكبار أو حافلة هايس ليكسب منها دخلاً يومياً” أو شراء سيارة خصوصية.. أو الحصول على مهر وثمن متطلبات الزواج وأقلهم من حصل على قيمة موتور سيكل ليعمل عليه.. وإلا لو بحثت عن الأغلبية لوجدتهم مرميين على رصيف الأماني الخائبة أو في أحد أسواق القات أو ساقه أجله بمرض عضال لم يجد فيه ثمناً للعلاج وقد كان ممن يشار إليه بالبنان ويعجب بلعبه الوزراء والنبلاء والأغنياء.. ومع انعدام استقرار اللاعبين مهما كانت نجوميتهم فإنهم يتأثرون سلباً ويتراجع مستواهم، فتلح عليهم أفكار الاعتزال فيقررون الاعتزال المبكر..!! اللاعب اليمني.. مقصوف عمر مرتين اللاعب اليمني له حكاياته مع الابتعاد عن الملاعب في سن مبكرة.. فمنهم من قضى نحبه في أرصفة الإهمال.. ومنهم من تناوشته ظروفه الاقتصادية فلم يتمكن طيلة ممارسته الرياضة من تأسيس مشروع صغير له.. ومنهم من كان قاب قوسين أو أدنى من التوظيف الرسمي ثم تم رميه خارج المؤسسة التي كان يعمل بها متعاقداً لسنوات طويلة على أمل التثبيت.. فكان يلعب المباريات مع المنتخب ومع الأندية وهو معلق بين قبوله ورفضه.. ولهذا قرر التفرغ للعمل سعياً منه للحصول على الدخل الثابت كما فعل اللاعب المعروف عادل السالمي نجم المنتخبات الوطنية والامبراطور الصنعاني وكان هدافه بعد عصام دريبان ويشكل ثنائياً جيداً مع زميله في الأهلي الصنعاني والمنتخب الوطني علي النونو.. ومعه اللاعبان ونجما المنتخب الذهبي للناشئين عبده الإدريسي وسامي جعيم، حيث تم رفض تثبيتهم من قبل مؤسسة الاتصالات التي تعاقدوا معها لسنوات طويلة.. فكيف يمكن للاعب اليمني أن يقدم مستوى جيداً وثابتاً أو حتى راقياً ويطور إمكاناته وهو يحارب في لقمة عيشه.. إنه لاعب مقصوف العمر مرتين.. مرةً من الجهات الرسمية التي تهمله رغم المليارات المرصودة لتطوير الكرة اليمنية.. ومرةً ثانيةً بسبب الإصابة التي إذا أصابت رجليه أو جزءاً من ركبته وعضلات قدميه لا يعود إلى الملاعب إلا نصف لاعب.. فلا يوجد عندنا طب رياضي متخصص نهائياً.. ويظل اللاعب في الأندية أو حتى إذا لعب ضمن المنتخب وأصيب يشحت من الجهات المعنية والأشخاص المختصين في الإدارات بالأندية والمنتخبات ثمن تذاكر سفره للعلاج في الخارج.. ومن بعد المراجعة والمرمطة بين هذه الجهات لا يتم منحه حقه من المخصص المالي بل يتم تخسيسه و”تغديده” وفي النهاية يجد أن الانقطاع عن الرياضة والبحث عن مهنة أخرى هو القرار الصائب في نظره متكئاً على الحكمة الرياضية اليمانية “الرياضة لا تؤكل عيشاً”، بل تقصف عمراً.. ولا غرابة إذاً أن يعتزل النجوم في ملاعبنا اليمنية وأعمارهم في العشرينيات.. لهذه الأسباب التي تقودهم للإحباط والوقوع بين كماشة الشيشة والمعسل والبحشامة بالقات والتمبل والبردقان والعياذ بالله.. ويصيرون جناةً ومجنى عليهم. إن الحل يكمن في تغيير سياسة تهميش الرياضة في أروقة الحكم والسلطات وأن يرتقي المسئولون في الدولة إلى إدراك أن الرياضة باتت أحد أهم عناصر الدخولات الاقتصادية في البلدان مثلها مثل السياحة.. ومنح الشباب حقوقهم من الاهتمام بحق وحقيقة، بلا زعبقة وهدرة فاضية وتصريحات جوفاء كأصحابها من مسئولي الرياضة ممن لا يفهمون كوع الرياضة من بوعها.. والله المعين.