وتصف الأممالمتحدة مصطلح ختان الإناث بتشويه الأعضاء التناسلية، وهو يعني جميع الإجراءات التي تنطوي على الإزالة الجزئية أو الكلية للأعضاء التناسلية الخارجية أو إلحاق إصابات أخرى بالأجهزة التناسلية للإناث، إما لأسباب ثقافية أو لأسباب غير طبية. وتتصدر بحسب تقارير محافظة الحديدة المرتبة الأولى بين المحافظاتاليمنية التي تنتشر فيها هذه الظاهرة، حيث كشفت دراسة أجريت في اليمن في العام 2011م أن حوالي 97 % من الإناث في محافظة الحديدة يتعرضن للختان لأسباب ثقافية، فيما سجلت 75.8 بالمائة في محافظة حضرموت من أصل 400 امرأة تعرضن لهذه الممارسة في خمس محافظات يمنيات. وقد سببت هذه الظاهرة كثيراً من المشاكل الاجتماعية والنفسية سواء في أوساط الفتيات أو الشباب خصوصاً المقبلين على الزواج حيث يعزف الكثير من الشباب عن الزواج من فتاة مختونة بسبب ما يسمعه ويتداوله عدد من الخبراء أن الختان للإناث يقلل من الرغبة الجنسية أو يفترها لدى النساء اللاتي تعرضن لعملية الختان. قصص واقعية وتقول فتاة نتحفظ عن ذكر اسمها: أنا فتاة أبلغ من العمر الثلاثين عاما أكملت تعليمي وأصبحت معلمة أسكن في حي ريفي في تهامة تقدم لي أحد الشباب وأنا في سن 14 من العمر ، تمت خطبتي وأثناء الزفاف علم الزوج أني مختونة وحينها تراجع واعتذر وقال لا أريد العيش مع امرأة مختونة وباردة ، ومن يومها لم يتقدم احد لطلب الزواج مني “ وقد سبب لي ذلك مشكلة نفسية . وأخرى تقول أنا امرأة تزوجت من شاب وأنجبت له طفلين وبعد الزواج مباشرة زادت المشاكل بيننا من دون أسباب وصار يغيب كثيراً عن المنزل و يختلق الأعذار لذلك وكان دائماً ما ينعتني بالثلاجة الباردة لأكتشف بعدها أن ذلك كان بسبب أن أهلي قاموا بختاني وأنا طفلة ومن ثم هجرني أنا وأطفالي نهائياً وتزوج بفتاة أخرى جبلية وسكن معها. وثالثة تقول أنا فتاة أبلغ من العمر 25 أعيش في محافظة الحديدة ختنت في سن مبكرة جداً و لم أكن أعرف شيئاً عن الختان سوى أنه مطهرة وضروري للفتاة ولكن بعد ذلك تغيرت نظرتي له بعد أن تعرضت لنزيف حاد و انقطاع في الدورة الشهرية و في يوم تمت خطبتي وكان عمري 16 عاماً وأصبت باحتقان في الرحم بعدها أغمي عليّ من شدة الالتهابات ثم ذهبوا بي إلى المستشفى وتم تشخيص ما بي بعد أن حدث لبس في البداية واعتقدوا أني حامل ولكن الأخصائية سرعان ما شرحت الأمر لأهلي وتمت لي العملية وأزالوا لي الكيس الدموي الذي فيه الاحتقان من الرحم ولكن بسبب كل ما حدث لي دفعت أنا الثمن وحدي فقد فسخ خطيبي الخطبة رغم تأكده أنني بريئة ولكن بمجرد أن سمع أني مختونة انتهى كل شيء بيننا. كثيرة هي أوجاعنا التي نعيشها بصمت ونتألم لحالنا الذي أصبح لا يطاق نصاب بلحظات من الانكسار ونتحسر فقط لأنهن خلقن أناثاً في مجتمعات تحقر من شأن المرأة ورغباتها و تحرمهن حقوقهن من دون أي وجه حق. إننا لسنا أمام ظاهرة فقط أو أمام قصص تحكى وتروى للحاضرين ولكن نحن أمام قضية تأزمت خيوطها منذ أقدم العصور وحتى هذه اللحظة لم تستطع كل هذه الحضارات والعولمات وكل التكنولوجيا أن تقلل أو تزيل من نسبة انتشارها سوى النسب البسيطة برغم كل الجهود التي تبذلها المنظمات الإنسانية والصحة العالمية في الحد من ختان الإناث إلا أنها تعجز أحياناً في نزع أو تصحيح المعتقدات والثقافات المجتمعية الخاطئة التي ترسخت معهم منذ نشأتهم فقط لأنها تبيح الممنوع وتكشف المستور وتهتك أعراض من لا ذنب لهن ومن هنا تبدأ رحلة الكبت والمعاناة الأسرية بحجة العفة و الطهارة ولكن هي قضية من قضايا الصحة الإنجابية التي تؤثر سلباً على حياة 140 مليون من النساء والفتيات على مستوى العالم وأن ثلاثة ملايين من الفتيات يتعرضن للختان في العام الواحد ومن هنا نشير إلى أن انتشار جريمة الختان نعم جريمة لأنها غير مشروعة وفقاً لقانون العقوبات إذ ينطوي عليها ثلاثة جرائم وهي الإيذاء الجسدي و هتك العرض وممارسة العمل الطبي بدون ترخيص حيث هناك المئات بل والآلاف من النساء من يقمن بهذه المهنة وبأدوات غير معقمة وتنتشر مثل هذه الجرائم بكثرة في المناطق الساحلية ومنها الحديدة. لم يكن من السهل الخوض في مثل هذا الحديث في مجتمع متكتم ومحافظ لكننا استطعنا أن نلتقي بعدة جهات دعمت وقدمت الكثير من الدورات والندوات التوعوية لكثير من المديريات منها تهامة و الخوخة و زبيد و باجلوالمراوعة والقناوص وغيرها واستطاعت أن تغير من نظرة الأهالي وثقافتهم ولو حتى بدرجة بسيطة ومن هؤلاء .. السيد برشندا مان شرسثا خبير مشروع العنف على النوع الاجتماعي لدى منظمة بروجرسيو البريطانية حيث تحدث قائلاً : لقد قمنا باستهداف أربع مديريات للمشروع الذي أسميناه " هوب " ومعناه أمل و الهدف الأساسي لهذا المشروع هو إزالة العنف القائم ضد المرأة ونحدد فئات من كل المجتمع سواء كانوا من مجالس الصحة الأطباء والممرضين والتربويين ومجالس محلية وعقال حارات و غيرهم وكان لنا خطة معينة نسير عليها حيث قد قمنا بتدريب ( 224 ) شخصاً من كل الفئات وقد واجهنا مشاكل وصعوبات بحجة أنها صحية ودينية و عادات وتقاليد ولكن حققنا تقدماً ملموساً وغيرنا من وجهة نظرهم. وأضاف: ولكن بعد النزول الميداني أجرينا مسحاً لعدة مديريات حيث حصلنا على نسبة من الرجال والنساء ( 61 ) وجد أنهم رفضوا الختان وقد امتنعوا عن ممارسته لبناتهم بعد أن عرفوا الأضرار الصحية والنفسية و نسبة ( 29 ) وجد أنهم لا يمانعون من الزواج بفتاة مختونة على اعتبار أنها سنة و يجب أن تشجع من الإكثار من الختان. واستطرد الخبير برشندا : لقد واجهتنا الكثير من العوائق والصعوبات بالذات في مديرية الخوخة فالواقع هناك مؤلم للغاية حيث إن أغلب المتدربين كانوا متحفظين ورافضين للفكرة ولم يتقبلوها مطلقاً وأيضاً وجدنا قلة في التعليم وأن نسبة الأمية منتشرة بنسبة 60 % حيث يتم تعليم الفتيات فقط إلى الصف الخامس ويكتفوا بذلك، وكما أننا لم نجد غير موظفة واحدة تعمل معلمة وأخرى ممرضة من ضمن ( 70 ) امرأة قمنا بتدريبهن، كما لم نجد سوى مكتب واحد للصحة وطبيب واحد واثنين مساعدين والبقية ممرضين. ونوه برشندا أن مشروع منظمة بروجرسيو يستهدف خطباء المساجد ورجال الدين على اعتبار أنهم أكثر الناس مؤثرين في مثل تلك المجتمعات ، كما أننا بصدد تنفيذ مشروع توعوي في أوساط الطلاب في المدراس وإقامة أنشطة مسرحيات تخاطب إعمار طلاب المدارس بطرق مبسطة للتعريف بالأضرار الجسيمة من وراء الختان وأيضاً ندوات توعوية للحد من الختان. وكما التقينا بالأستاذ فكري القدسي نائب رئيس جمعية أبي موسى الأشعري الاجتماعية الخيرية بالحديدة والتي تربطها علاقة شراكة بينها وبين منظمة بروجرسيو ومنظمة اليونيسيف في عدد من المشاريع أبرزها مشروع ختان الإناث حيث أفادنا عن الأنشطة والبرامج والمشاريع التي أقاموها ونفذوها حول ختان الإناث وذلك بدعم كامل من منظمة اليونيسيف. حيث قال بدأت الجمعية بالنزول الميداني وذلك بتمويل من منظمة اليونسيف إلى عدة مديريات مثل المراوعة و الدريهمي و القناوص وغيرها التي تنتشر فيها نسبة ختان الإناث و اقمنا العديد من الأنشطة والورش لأعضاء مجالس محلية وقيادات مكاتب تنفيذية وقادة في المديريات ودورة توعوية لنساء متعلمات ومثقفات و دورات للدايات والجدات والأمهات و الفتيات الغير متعلمات وأيضاً دورة توعوية للمعلمين والمعلمات وجلسات توعوية مجتمعية في عدة قرى مثل قرية الكشوبع والشجيرة والداؤدية في القناوص ولم نكتف بذلك بل اتجهنا إلى خطباء وأئمة المساجد والوعاظ والمرشدين والإعلاميين واستهدفنا نحو 28 شخصية مؤثرة بدورة توعوية حول التخلي عن ختان الإناث و دورات تدريبية للأطباء ومساعديهم لأننا اكتشفنا أن منهم من يقوم ويؤمن بختان الأنثى ودورات توعوية للمتطوعين ومؤسسات المجتمع المدني حول هذه الظاهرة من الناحية الصحية والاجتماعية والنفسية وأيضاً من الناحية الدينية، وجميعها تكللت بالنجاح إلا أننا صادفنا الكثير من تقبلوا الفكرة وتخلوا عن مثل هذه العادة بشكل نهائي و لكن وجدنا أن القليل منهم رفضوا وتمسكوا بمعتقداتهم و اصروا على مواقفهم ورفضوا حتى النقاش أو الخوض في جدل معنا ومن ضمن البرامج أيضاً التي وضعناها هي كيف نغير من قناعات المجتمع وأساليبه وأنماط حياته وعبر هذا المشروع مشروع التخلي عن ختان الإناث استطعنا أن نقدم مفاهيم حول النوع الاجتماعي وورش عمل حول تغير السلوك للتخلي عن ختان الإناث إلا أن العمل لابد أن يستمر وليس منا نحن فحسب بل على الجهات المعنية الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والمجتمع نفسه وأن يهتموا للحد من هذه الظاهرة. ويشير الدكتور فؤاد محمد شيبة معجم نائب عميد كلية الطب سابقاً أن ختان الإناث في الحديدة منتشر بدرجة عالية وأن الجهل مسيطر على كثير من المناطق التهامية ويسبب التهابات في المسالك البولية والمثانة و تقرحات والتهابات شديدة في الجهاز التناسلي واضطرابات مهبلية وفي الدورة الشهرية، ولكن حقيقة ختان الإناث يعود في الأصل للقدم ولكن ما زال البعض يعتقد أنها طهارة لها و سنة وإذا لم تختن يتعامل الكثير مع الفتاة غير المختونة على أنها نجسة ورجسة غير مطهرة وتمنع من الكثير من المناسبات مثل عدم ظهورها على الأطفال حديثي الولادة أو أن تمسك المصحف أو أن تدخل بيوت الله أو حتى التخاطب معها حتى تقوم بتطهير نفسها والا كانت منبوذة من كل أفراد مجتمعها حتى أني أتذكر قصة امرأة اكتشف زوجها أنها غير مختونة وأثناء ولادتها طلب من الداية أن تختنها ونفذت الداية المهمة على أكمل وجه مما تسببت بوفاة المرأة مباشرة وأيضاً من الأضرار النفسية أنها ترفض التخاطب والتجاوب بينها وبين زوجها وتتبلد مشاعرها وتضعف تماماً وتنتهك كرامتها بطرق وأساليب سيئة، وقد وجدنا من الأزواج من يسمي زوجته سمكة باردة أو سمكة مثلجة وليس هذا فحسب بل إن بعض الدايات تستخدم أدوات غير صحية مثل أمواس و مقصات وسكاكين طبخ وأحياناً قطع من زجاج وكل ذلك تكون غير معقمة وهذا ما يسبب مضاعفات خطيرة مثل مرض التيتانوس و نزيف حاد يؤدي للوفاة غالباً. وأضاف الدكتور فؤاد أنه لا يوجد فوائد صحية لختان الأنثى مثل ما له من فوائد لختان الذكر الذي به يجنب الذكور الوقوع في الكثير من الأمراض. وعن الأضرار والمسببات النفسية ذكرت لنا الأستاذة رباب المروعي معيدة في جامعة الحديدة قسم الإرشاد النفسي أن ختان الإناث ظاهرة صحية خطيرة وأضرارها النفسية واضحة كثيراً وأهمها الطلاق ومشكلة واحدة تقوم بحل الكثير من الأبواب المغلقة التي تترتب في انهيار أسرة والمجتمع وعلينا أن نقتل الفكرة والسلسلة التي تتوارثها الأجيال القادمة ولذلك يجب أن نغير الاتجاهات الخاطئة المترسخة في عقولهم لاتجاهات صحيحة ترمز للمدى البعيد بالشيء الإيجابي للأسرة والأطفال ليكونوا أطفالاً وشباباً وشابات أسوياء في هذا المجتمع . كلمة أخيرة و أخيراً وجد أن من آثار ختان الإناث هو الكبت الشديد للزوجين والنفور الذي قد يستمر لسنوات ليسبب انهيار مجتمع أسري ويجعله عرضة لارتكاب الجريمة دون أي شعور أو قد ينخرط بالمحرمات والفاحشة ليصاب بالإيدز أو الأمراض المتناقلة عبره ومن ثم ينقله لزوجته أو بحثاً عن امرأة تشبع غرائزه الجنسية ليدرك في الأخير أنه وقع فريسة لذاته وكل ذلك سببه الاعتقادات المزيفة والأفكار المظللة والثقافات المجتمعية الخاطئة وكل ما نرغب بتحقيقه هو إصدار قانون صريح وعقوبة واضحة بتجريم كل من يقوم أو يشجع في نشر مثل هذه الظواهر أو ممارستها.