ظاهرة مستجدّة ومقلقة فوجئ بها المجتمع اليمني دون سابق إنذار، فتيات لاجئات من سوريا يتسوّلن في شوارعنا المكتظة أصلاً بمتسوّلين ، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً بين أوساط اليمنيين، الذين تتباين نظراتهم بين (التعاطف، والازدراء)، هذا التحقيق يكشف حجم معاناتهن ويعرفنا أكثر على النظرة الدونية التي ينتهجها البعض في التعامل معهن، ومدى امتعاض الغالبية من هكذا تصرّفات، لأنها تسيء وبفجاجة لبلدنا المضياف. التسوّل ظاهرة اجتماعية عالمية ونسبة انتشارها تختلف من بلد إلى آخر وفقاً لمستوى دخل الفرد، بيد أن هذه الظاهرة السلبية التي فشلت كل الجهود في الحد منها تتزايد كل يوم، وإن كانت بلادنا تعاني من هذه الظاهرة منذ زمن، إلا أنها كما يبدو لن تتعافى منها بفعل الانتشار اللافت لجموع المتسوّلين، ولعل التواجد المريع ل (اللاجئات السوريات) زاد الطين بلة، وقلب موازين الأمور، وولّد سلوكيات وأفعالاً لم تكن في الحسبان. مرضى النفوس عبد الكريم الشيباني، قال: وجود الأشفاء السوريين في بلادنا بفعل الأحداث المؤسفة في بلادهم واقع يجب أن نتعايش معه بسمو أخلاق، وبروح الأخوة والرحمة والتكافل، ووجود النساء السوريات تحديداً بيننا يحتم علينا استشعار هذه المسؤولية، ويؤسفني انتشار بعض النساء والأطفال في شوارع مدننا، ومن حقهم علينا في الدين والأخوة والإنسانية لملمة هذا الشتات ومسح دموع الألم والغربة والبعد عن الوطن، والحفاظ على كرامتهم بعيداً عن الإهانات وذل الجوع والتسوّل. و أرجع عبد الرزاق العزعزي مشكلة انتشار المتسوّلات السوريات في شوارعنا إلى الأطراف المتصارعة في سوريا، والتي - حد وصفه - تهتم بمصالحها السياسية دون الشعور بقيمة الإنسان السوري، ونتيجة لهذه الظروف القاهرة اضطر كثيرون إلى مغادرة وطنهم الأم واللجوء إلى عديد بلدان عربية ومنها بلادنا، ولأن المجتمع اليمني بطبيعته غير متقبّل لفكرة وجود الأنثى إلى جانبه - حتى في الطريق العام - فكان من الضروري أن تتعرّض أي أنثى لمضايقات. - ويقول نايف العواضي: اليمن ليست ناقصة متسوّلين؛ وهي غنيه بالمتسوّلين المحليين؛ وأضاف: إن بروز ظاهرة المتسوّلات السوريات كشف الأخلاق المتدنية عند البعض، وهو الأمر الذي يسيء إلينا جميعاً. خساسة يرى محمد الورد أن النظرة تجاه المتسوّلات السوريات تكاد تكون نظرة قائمة في أغلب الأحيان على نظرة استغلال، وبالمقابل هناك عدد كبير من الناس يتعاطف مع السوريات من الناحية الإنسانية، بسبب الأوضاع المزرية في بلادهم، ويضيف: (ولقد وجدت عدداً كبيراً من الأشخاص يتحدث معهن حول موضوع الزواج, لكن وقت الصدق لن يتزوج منها)، وزاد على ذلك: الشعب السوري أصبح شعباً منكوباً وفي حالة حرب والتعاطف معه أصبح واجباً. - ويستنكر نبيل البحري ما تتعرّض له المتسوّلات، واصفاً ذلك بالخساسة من قبل بعض ضعفاء النفوس وضعفاء الدين، الذين لم يتخيلوا أبداً أنه قد يأتي علينا الدور فنصبح بمثل حالهم ويمكن أسوأ, وبالمقابل نجد من البعض أصالة النخوة والرجولة بالتعاطف مع السوريات، نظراً لظروفهن المعيشية، حيث يتم تقديمهن على المتسوّلات اليمنيات. متعاطف.. وآخر مفتون مفتاح الزوبة هو الآخر يستنكر ما تتعرّض له المتسوّلات السوريات, لأن تلك الفتيات لا يعرفن العادات والتقاليد اليمنية، لذلك فوجئنا في إحدى المرات بدخول بعضهن قاعة للأفراح وهي مكتظة بالمخزنين مما جعل البعض يظهر امتعاضه من ذلك علانية، بينما قام المضيفون بإخراجهن بلطف؛ ويضيف: لابد من الإشارة إلى أنه ليس جميع السوريين اللاجئين في بلادنا يقومون بالتسوّل فمنهم من يسكن في فندق خمسة نجوم، في الأخير هنّ أخوات عزيزات جار عليهن الزمن فيجب التعامل معهن برفق ومساعدتهن وهذا واجب كل يمني ولا فضل لنا في ذلك إلا من رب العالمين. ويعتقد جمال الحبيشي أن معاملة اليمنيين للمتسوّلات السوريات تتباين بين متعاطف وآخر مفتون بالجمال، ويضيف: (قد أتعاطف مع أي متسول إذا لم أعرف ظروفه ومدى احتياجه، وقد يؤثر فيّ كلامه وحسن تصرفه فأخرج له ما كتب الله، ولا يمكن أن أنهر سائلاً، لأننا مأمورون بذلك “وأما السائل فلا تنهر”). افتراء وكذب من جهتها تستنكر هدى الحريري (فتاة سورية) ظاهره التسوّل في اليمن بوجوه سوريه، وتقول: الظاهرة في الأصل ليست كذلك، فالمتسولات يحملن الجنسية السورية وهن في الأصل من جنسيات عربية, وبسبب الأوضاع التي نعيشها مؤخراً جعلت من المتسوّلين الظهور بوجوه السوريين لكي يتعاطف معهم الشعب اليمني الطيب, أنا نازحة سورية ولكني أعمل في إحدى المخابز ولم أر سورية أو سوري الأصل يتسوّلون في الشوارع اليمنية, مع ذلك لم أجد أي إساءة من أي يمني، فهم طيبون ومخلّقون في تعاملهم مع النازحين ومعظم ما قيل عن السوريات بالذات بأنهن للزواج الرخيص أو للمتعة فهو مجرد افتراء وكذب. ويشاركها الرأي أسعد العماد، حيث قال: لقد وجدنا ظاهرة التسوّل بوجوه السوريات ظاهرة منتشرة وملحوظة بشكل كبير في اليمن، مما أدى إلى وجود بعض ضعفاء النفوس يتعاملون معهن بطرق تسيء للإنسان وتظهره على أنه مجرد مستغل لحاجات الناس, وهذا لا يمثّلنا كيمنيين ولا يمثّل ثقافتنا, إنما نحن دائماً نقف إلى جانب أي محتاج بطرق أخلاقية تعبّر عن ثقافتنا وضمائرنا الحية. أوضاع مأساوية من جهته مسئول الإغاثة الدولية في اليمن، عبدالله طحان، قال: نتيجة الأوضاع المأساوية التي تمر بها سورية الجريحة مما يرتكبه النظام من قتل للأنفس واعتداء على الأعراض وسلب ونهب للأموال، الأمر الذي أدى إلى تهجير ولجوء ونزوح ما يزيد عن عشرة ملايين نسمة موزعين على دول الجوار, ومنهم من وصل إلى اليمن، وهؤلاء ينقسمون إلى شرائح عدة منها: أصحاب رؤوس أموال وتجار يريدون فتح مصالح لهم, وبعضهم مؤهلون علمياً مثل أطباء ومهندسين، وغيرهم يبحثون عن عمل, وبعضهم أصحاب عوائل، وبخصوص المتسوّلين في الجولات والشوارع فهم من الفقراء. اليمن يعاني اعتبرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدةاليمن واحدة من البلدان الفقيرة التي من المحتمل أن تستضيف المزيد من اللاجئين السوريين خلال المرحلة المقبلة، مشيرة إلى أن هذا البلد الذي يعاني أساساً من مشكلة النزوح من القرن الأفريقي، قد يواجه صعوبات كبيرة في تأمين الاحتياجات الإنسانية اللازمة للاجئين السوريين, ومع ذلك دعت المفوضية المجتمع الدولي إلى منح حق اللجوء لمزيد من السوريين مع تزايد أعدادهم بعد الأزمة السورية. - زيد العلايا (يعمل في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة) قال: نحن نتعامل مع كل اللاجئين و طالبي اللجوء بالتساوي، ونعمل من أجل أن يحصل اللاجئون في اليمن على الحماية, وندعو من ينتشرون في الجولات ويمارسون التسوّل، ندعوهم إلى التقدم إلى مكتب المفوضية وطلب اللجوء و سوف يحصلون على الحماية والمساعدات.