في الماضي في أوج النزاع العراقي، كانت بغداد تتهم دمشق بتسهيل مرور مقاتلين إسلاميين متشددين عبر أراضيها للقتال في العراق. أما اليوم، فإن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يدفع ثمن سياسته هذه، حيث بات هؤلاء الجهاديون أنفسهم يعبرون الحدود في الاتجاه المعاكس لقتال هذا النظام على الاراضي السورية. بغداد: تعاني دمشق اليوم على ما يبدو من نتائج "اللعب بالنار" بعد مرور 23 شهرًا على الانتفاضة على نظام بشار الأسد، حيث تشارك جبهة النصرة الاسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة في العراق بشكل فاعل في المعارك ضده. وفي ذروة تدفق المسلحين الاجانب الذين كانوا يمثلون الشغل الشاغل للقوات الأميركية في العراق، قال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في اعقاب تفجيرات دامية وقعت في آب (اغسطس) 2009، إن "90 % من الارهابيين" دخلوا العراق عبر سوريا. وقال عدنان الأسدي، وكيل وزير الداخلية العراقية، إن "النظام السوري ساهم بتشكيل جيل متطرف لمحاربة الأميركيين في العراق، ولكن بعد انسحاب الجيش الأميركي من المدن في العراق بدأ هؤلاء بالتفكير في العمل في الاراضي السورية بتمويل من تنظيم القاعدة وبعض الدول الإقليمية". وانسحبت القوات الأميركية بشكل نهائي من العراق في كانون الاول (ديسمبر) 2011. على الصعيد ذاته، قال مستشار الامن الوطني العراقي صفاء حسين خلال مقابلة مع فرانس برس في كانون الاول (ديسمبر) 2009، إن المسؤولين السوريين "يفتحون الابواب بالكامل امام المتمردين واحيانًا يتركونها نصف مشرعة". واضاف: "كان بامكانهم منع وتعقيد مجيء القاعدة الى العراق (...) بل كان بامكانهم أن يسيطروا على الامور بشكل جيد". وعثرت القوات الأميركية عام 2007 قرب بلدة سنجار العراقية على الحدود مع سوريا، والتي كانت معقلاً للجهاديين الاجانب، على وثائق تشير الى دخول نحو 700 مجاهد أجنبي الى العراق بين آب (اغسطس) 2006 واغسطس 2007. ويتسلل المقاتلون الاجانب الى العراق عبر طرق تهريب قديمة كانت تستخدم لتهريب البضائع خلال الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق في تسعينات القرن الماضي. ويقول المحللون السياسيون والمسؤولون العراقيون إن دمشق استغلت قسمًا من هذه الطرق لتسهيل تسلل المقاتلين الاجانب المرتبطين بتنظيم القاعدة. وعاد كثير من هؤلاء الى سوريا للقتال مع جبهة النصرة من خلال هذه الطرق نفسها. وتعد جبهة النصرة القريبة من القاعدة في العراق، اول تنظيم نفذ تفجيرات انتحارية في سوريا ولكنه تحول بعدها ليصبح قوة قتالية يحسب لها حساب في الكثير من المناطق السورية. وعلاقة جبهة النصرة بالقاعدة دفعت الولاياتالمتحدة الى وضع هذا التنظيم على لائحة المنظمات الارهابية واتهمته بأنه يعمل "بخلاف تطلعات الشعب السوري". وحسب الكثير من المعطيات التي يتم تداولها على الانترنت، فإن مئات العناصر من جبهة النصرة دخلوا سوريا من العراق. وقد استفادت جبهة النصرة من الخلافات داخل الجيش السوري الحر للتحول الى أحد أهم فصائل المقاتلين المعارضين لنظام الأسد. واعترف مسؤول سوري طالبًا عدم كشف اسمه ب"أنه كان من الخطأ السماح لهؤلاء الرجال بالعبور من سوريا الى العراق (...)إنهم يقاتلوننا الآن". وتابع: "ليس هنالك من حل وسط معهم على الاطلاق".