يواجه وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري مهمة صعبة لتعزيز دور الولاياتالمتحدة على الساحة الدولية، تستدعي منه التعامل مع ملفات شائكة في عالم متغير ومتعدد الأقطاب والتوجهات. وسيكون على كيري الذي وضع الرئيس باراك أوباما أمالا كبيرة على توليه المنصب، التعامل مع شرق أوسط يختلف تماما عما عرفته الإدارات الأميركية خلال السنوات الماضية. شرق أوسط اتسم في الآونة الأخيرة بصعود إسلاميين إلى سدة الحكم وشعوب أصبحت تتخذ من المظاهرات والاعتصام والنزول إلى الشوارع سبيلا للتعبير عن مواقفها، وأحيانا سخطها. وعرف عن كيري الذي يعد من أبرز السياسيين الضالعين في القضايا الدبلوماسية، دعمه الشديد للتحول الديموقراطي في الدول العربية. فهو من الداعين إلى دور أميركي أكبر في المنطقة يتمثل بتعزيز مبادئ الديمقراطية ودعم مساعي الإصلاحات الاقتصادية كوسيلة لكبح جماح المتشددين، والقضية الأهم، استعادة الدور الأميركي الفاعل في المنطقة، كما أنه يعارض بشكل عام استخدام القوة العسكرية كوسيلة لتحقيق الأهداف الأميركية. الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وكانت نظرة كيري هذه واضحة المعالم خلال جلسات الاستماع التي عقدت في مجلس الشيوخ تمهيدا للمصادقة على تعيينه. وبدا كيري متفائلا بفرص التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية. وقال كيري إن لديه بعض الأفكار والمقترحات التي من شأنها أن تسهم في استئناف مفاوضات السلام المتوقفة بين الجانبين منذ أكثر من عامين. x كيري مع نتانياهو في لقاء سابق وأضاف أن أفكاره تلك تختلف عن النهج الذي اتبعته الولاياتالمتحدة في العامين الماضيين. لكن التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليس بالأمر السهل، فقد حاولت الإدارات الأميركية المتعاقبة في العقدين الماضيين إنهاء هذا الملف دون جدوى. لكن، ورغم الإشادة التي حظيت بها تصريحات كيري، استبعد محللون ومراقبون أميركيون أن تتكلل جهود وزير الخارجية الجديد بالنجاح، خصوصا مع رفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس العودة إلى طاولة المفاوضات دون وقف الاستيطان والاعتراف بحدود 1967 ومطلب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي. هل ينجح كيري في إنهاء أزمات المنطقة العربية؟ وأبدى المدير التنفيذي لمؤسسة التعاون الأميركية-الإسرائيلية ميتشل بارد تشاؤما حيال الدور الأميركي في التوصل إلى حلول ترضي الطرفين، وقال إن "أي خطة أميركية لم ولن تنجح لأنها لم تصدر عن أي من طرفي النزاع". ترقب إسرائيلي وفي إسرائيل، رحبت صحيفة هاآرتس بتعيين كيري وزيرا للخارجية، وقالت إنه من "المؤيدين الأقوياء" لإسرائيل وطالما دافع عن حق الدولة العبرية في الدفاع عن نفسها، لكن الصحيفة أشارت إلى أن موقعه الجديد في الإدارة الأميركية قد يتسبب بمشاكل لإسرائيل، خصوصا وأنه من أشد المعارضين للعمليات الاستيطانية ومن المنتقدين للحصار الإسرائيلي على غزة، كما أنه يؤمن بحل الدولتين والعودة إلى حدود عام 1967. x كيري مع عباس في رام الله في 2010 وتابعت هاآرتس أن كيري يتمتع بأيديولوجية "تحررية" يسارية تؤمن بالحلول الدبلوماسية حتى بالنسبة لقضايا الأمن المعقدة، كما هو الحال مع الرئيس باراك أوباما، وبالتالي فأنه سيكون "سياسيا يتمتع بوجهة نظر عالمية تبتعد بمحيطات عن وجهة نظر التحالف الحاكم في إسرائيل ومشاعر معظم مواطنيها". أوباما ونتانياهو ومما يضعف فرص نجاح وساطة أميركية محتملة أيضا، الجمود الذي يعتري العلاقة بين الرئيس أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية نتانياهو. وأشار مراقبون إلى أن سياسة البيت الأبيض إزاء إحياء عملية السلام خلال المرحلة المقبلة ستعتمد على طبيعة الحكومة الإسرائيلية التي يعتزم نتانياهو تشكيلها خلال الأسابيع المقبلة. فكلما اتجه تحالف نتانياهو الحكومي نحو اليمين الإسرائيلي، كلما تضاءلت فرص واشنطن في استئناف محادثات السلام. وستكون خيارات أوباما لإقناع الإسرائيليين بهذا الصدد محدودة، فإما أن يعرض خريطة سلام مفصلة، أو يلجأ إلى التأكيد على احترام القوانين الدولية وحقوق الإنسان والتزامات كلا الطرفين، ويبقى الحال على ما هو عليه، حسب أولئك المراقبين. الصراع في سورية قضية شائكة أخرى سيواجهها كيري على رأس الدبلوماسية الأميركية، ألا وهي الصراع في سورية والدور الأميركي هناك. فعلى العكس من قضية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يبدي كيري تشاؤما حيال مستقبل الوضع في سورية. x كيري مع الرئيس السوري بشار الأسد وقال كيري في إفادته أمام مجلس الشيوخ هذا الأسبوع إن على الولاياتالمتحدة توسيع قنوات الحوار مع روسيا والمجتمع الدولي بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن إنهاء أعمال العنف في سورية، وهو موقف لا يختلف كثيرا عن سياسة الإدارة الأميركية بهذا الصدد. لكن انهيارا محتملا لنظام الأسد قد يعطي كيري فرصة لاستغلال حنكته الدبلوماسية في التحاور مع الأطراف الدولية وضمان انتقال سلمي في سورية. وكان كيري قد زار سورية عدة مرات في الفترة الماضية والتقى الرئيس بشار الأسد في إطار المساعي الهادفة إلى التوصل لاتفاق سلمي بين حكومة دمشق وقوى المعارضة، لكن جهوده تلك لم تأت بنتائج، مما دعاه في وقت لاحق إلى المطالبة بتشكيل مناطق عازلة لحماية المدنيين وتوفير الدعم العسكري لقوات المعارضة لقلب معادلة الصراع في سورية. طموحات إيران ويبقى ملف البرنامج النووي الإيراني من أولويات كيري الذي يدعم تبني الوسائل الدبلوماسية بدلا من الحل العسكري للتعامل مع الملف إيراني. وسيكون أمام كيري، حسب المحللين، نافذة قصيرة للتفاوض مع الحكومة الإيرانية في هذا الصدد، لكنهم يستبعدون التوصل إلى اتفاق نهائي، خصوصا وأن الانتخابات التشريعية الإيرانية باتت على الأبواب. لكنهم يشيرون إلى أن الأضرار التي تخلفها العقوبات الدولية المفروضة على إيران قد تجبر المسؤولين هناك على التفاوض والقبول بتسوية للملف المثير للجدل. ورغم أن كيري الذي كان عضوا في مجلس الشيوخ لخمس فترات وخاض انتخابات الرئاسة عام 2004 ولم تكلل جهوده بالنجاح، يحظى بقاعدة تأييد واسعة بين رفاقه الديمقراطيين وأيضا من الجمهوريين في مجلس الشيوخ، إلا أن البعض يرى أنه كان من الأجدر بالرئيس أوباما تعيين شخصية أكثر اطلاعا ومعرفة بالمنطقة العربية وثورات بلدانها. ويتفق كثيرون على أن الولاياتالمتحدة تواجه تحديات كبيرة تجعل التعامل معها في آن واحد أمرا غاية في الصعوبة، فالأوضاع في مصر قابلة للانفجار، وكذلك الحال في الأراضي الفلسطينية والعراق ودول المغرب العربي، مما يستدعي تحديد الأولويات والاتعاظ من العبر السابقة. من هو كيري؟ ولد جون كيري في 11 ديسمبر/ كانون الأول عام 1943 في مدينة دنفر في ولاية كولورادو واسمه الكامل جون فوربس كيري، وينتمي إلى الطائفة الكاثوليكية. درس كيري العلوم السياسية في جامعة ييل المرموقة وتخرج منها عام 1966 ليلتحق بعدها بالبحرية الأميركية حيث خدم في فيتنام. x جون كيري خلال فترة خدمته العسكرية في فيتنام وعاد كيري من فيتنام عام 1969 لينظم إلى حركة مدينة معادية للحرب وأصبح متحدثا باسمها بعد ذلك. وتزوج كيري تريزا هاينز عام 1995 وله طفلان من زواجه السابق من جوليا ثورن والذي انتهى عام 1988. جدير بالذكر إن تريزا تتربع على عرش شركة هاينز العملاقة لصناعة المواد الغذائية. دخل كيري المعترك السياسي عام 1972، وأصبح عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوسيتس عام 1985. وأعلن ترشحه لمنصب رئيس الولاياتالمتحدة الأميركية في سبتمبر/ أيلول عام 2003، وواصل تقدمه على منافسيه ليحصل على ترشيح الحزب الديمقراطي بمواجهة جورج بوش الابن، لكنه خسر المعركة الانتخابية بفارق ثلاثة ملايين صوت تقريبا عن مرشح الحزب الجمهوري آنذاك جورج بوش.